السودان سلة غذاء العالم باستثناء أهله!
طالما تكررت على مسامع العالم (السودان سلة غذاء العالم) من كل الحكومات التي تناوبت على حكم السودان، والنتيجة دائماً واحدة السودان لا يملك احتياطيًّا من الغذاء سواء أكان بالإنتاج المحلي أم بالاستيراد من الخارج، فقد اعترف هجو قسم السيد، نائب رئيس المجلس الوطني بأن القمح الموجود بالبلاد يكفي لمدة (25) يوماً فقط (صحيفة السوداني 2013/10/26م).
ولا ندري بعد هذا التصريح الخطير والمقلق، كم وفّرت حكومة الإنقاذ من (البيتزا والهوت دوق) التي تدعي بأنها لولاها لما سمع الناس في السودان بهذه المأكولات، وذلك عبر تصريحات مسؤولي حكومة الإنقاذ والتي تنافي أدنى درجات الاحترام لأهل السودان، وهو مَنٌّ في غير موضعه، لأن الخير الذي يفيض به السودان، هو من حق أهله جميعا وليس من حق الفئة الحاكمة التي يفترض أن تقسمه على الناس بعدالة، فالمال مال الله سبحانه وتعالى جعل الاستخلاف موجباً لتوزيعه على من لا يملكه، قال تعالى: ((وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ))، هكذا هو فهم الإسلام الصحيح الذي تبناه عمر رضي الله عنه وعمل به، فقال لبطنه في عام الرمادة: (قرقري أو لا تقرقري فوالله لا تطعمي حتى يطعم أطفال المسلمين) وأدمن على أكل الزيت لدرجة تغير لونه فاصفرّ.
أما حكام اليوم فيعجزون حتى عن توفير الحد الأدنى من الطعام لمن يحتاجه، ومع ذلك يؤذوننا بأفواههم وتأبى قلوبهم لنا الرحمة والخير، فهذا هو حالنا في السودان سلة غذاء العالم!
وزيادة في معاناة الناس، فقد رفعت شركة (سين) للغلال سعر جوال الدقيق أمس الأول من (110) جنيه إلى (117) جنيهاً. وبررت الشركة الزيادة بارتفاع أسعار المحروقات وتكلفة النقل والتشغيل.
وشهدت مناطق واسعة في العاصمة أزمة خبز حادة، وشكا المواطنون من التلاعب في وزن الرغيف وارتفاع الأسعار، حيث تبيع بعض المخابز ثلاث قطع صغيرة بجنيه بدلا عن أربعة بل باعتراف الدولة يتم التلاعب في أوزان الخبز.
وكانت إدارة مكافحة السلع غير المطابقة للمواصفات قد سبق وأشارت إلى أن هنالك العديد من المخابز في ولاية الخرطوم لا تلتزم بالموازين التي حددتها (صحيفة الصحافة).
إن وزن الرغيف الحالي لا تكفي الواحدة منه لإطعام طفل عمره سنتين، فكم يحتاج أفراد الأسرة من أرغفة؟! ما يضيف أعباء جديدة على ميزانية تنهشها الالتزامات..
ونتيجة لأزمة الدقيق التي تمر بها البلاد فقد قلصت مطاحن الغلال إنتاجها، بينما اتجهت بعض المخابز إلى بيع حصتها من الدقيق في السوق السوداء، وعادت صفوف وطوابير الوقوف أمام المخابز التي كثيراً ما كانت تفتخر الحكومة ومؤيدوها بأنها انتهت بمجيء حكومة الإنقاذ، وكانت الدراسة التي أعدها اتحاد الغرف الصناعية حول البرنامج الثلاثي لإعادة التوازن واستدامة الاستقرار الاقتصادي وبرنامج الإصلاح الاقتصادي، قد أشارت إلى أن تكلفة ترحيل القمح عملياً دون تحريك قيمة الدولار الجمركي زادت من 100 جنيه للطن إلى 150 جنيهاً بعد الموازنة المعدلة بنسبة 30%.
كما أشارت الدراسة إلى أنه وبعد تنفيذ البرنامج الإصلاحي زادت تكلفة ترحيل الطن إلى ما بين 250 – 300 جنيه، مبينة أن الدقيق يمثل العنصر الأساس في تكلفة إنتاج الخبز بنسبة 60%.
وفى تناقض مزرٍ، جدد وزير الري والزراعة عبد الحليم إسماعيل المتعافي، لدى مخاطبته احتفال يوم الغذاء العالمي، التزام السودان بسد الفجوة الغذائية بما يملك من موارد طبيعية.
موارد يجب أن تستخدم لسد حاجة الناس وليس للاستثمار عبر شركات رأسمالية لا نجني منها سوى دولارات معدودة تذهب إلى جيوب الساسة، وحال الناس تغني عن السؤال فكأنما السودان، بحسب الحكومات، سلة غذاء العالم باستثناء أهله وما تقوم به الدولة من فتح باب الاستثمار، بل وتيسير انتشار الشركات الأجنبية في البلاد، أمر يصيب الإنسان بالذهول، فالسودان تنتج فيه منتجات بواسطة شركات إقليمية وأجنبية تصدر إلى الخارج مباشرة تنتج موادَّ وسلعاً ليست للاستهلاك المحلي بل لا يتذوق طعمها أهل البلاد، والأدهى والأمرّ هو وجود شركات من الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض عقوبات اقتصادية على السودان، مثل شركة «ترجر ري سورص» الأميركية، التي تعمل في مجال الاستثمار في زراعة القمح في مشروع الجزيرة، لتنضم إلى مجموعة شركات أخرى للولايات المتحدة، استفادت من الاستثناءات التي منحتها بلادها، بعيداً عن العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم.
ورحّب وزير الزراعة والثروة الحيوانية والموارد الطبيعية بالجزيرة، المهندس عبد الله محمد عثمان، لدى لقائه وفداً من الشركة الأميركية، بدخول الشركة مجال الاستثمار في الولاية.
وأوضح الوزير – بحسب وكالة سونا للأنباء، أن وفد الشركة الأميركية أبدى رغبة في الاستثمار في مجال زراعة أصناف جديدة من القمح، في مساحة ألف فدان كمرحلة أولى، بعد إجازة الأصناف الجديدة، هذا إلى جانب إنشاء مطاحن جديدة للغلال… وسبقت شركة «سورص» شركات أميركية أخرى في الدخول في الاستثمار بمجال زراعة وصناعة السكر، مجال السكر التقاني في ولاية سنار.
إن التناقض في سياسات الدولة مردُّه الوحيد إلى عدم مبدئية الدولة، فهي لا تستند لفكر مبدئي لترعى به شؤون الناس، ما يخلق تناقضاً وعشوائية مفضية إلى الأزمات والنكبات فضلاً عن غضب الله في التخلي عن نظامه وأحكامه.. ولن ترجع الأمور إلى نصابها إلا في ظل أحكام رب العباد في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب غادة عبد الجبار