مفهوم السعادة والغاية- الأستاذ أبي عبد الله التحريري
عيش الإنسان الطبيعي يعني أنه يندفع في سلوكه في هذه الحياة مشبعا غرائزه وحاجاتة العضوية، وفي سبيل هذا الإشباع وتلبية احتياجاته الحياتية يضع الإنسان لنفسه أهدافا أو غايات ليحققها في حياته، وهذا كله كي يشعر بالراحة والدعة والطمأنينة.
ولو نظرنا إلى ما يضع الإنسان من أهداف، وما يشبع من جوعات، لوجدنا أنها آنية وإن طال أمدها، وكذلك لو نظرنا إلى ما وضع من أهداف، وما أشبع من جوعات، لوجدنا أن تحقيقها وإشباعها يدع الإنسان يتسائل: ماذا بعد؟؟؟ وهل هذا الإشباع والتحقيق للأهداف أوجد عند الإنسان الراحة والطمأنينة المنشودة، أم لا؟؟؟ وهل كيفية تحقيق هذه الأهداف، وكيفية إشباع هذه الجوعات بحد ذاته يجلب للإنسان الطمأنينة؟ هذه أسئلة يسألها الإنسان لنفسه في سيره لتحقيق أهدافه وإشباع جوعاته المختلفة.
ولا بد للإنسان من أن يحصل على هدف أو غاية عامة تكون شاملة لجوانب حياته، وشاملة لمختلف أهدافه وجوعاته تحقق له الدعة والإستقرار حتى إن لم يتمكن من إشباع ما نشد من جوعات، وأخفق في تحقيق أهدافه المختلفة، بحيث يبقى هدفه الشامل حاضرا، وغاية حياته مستمرة، فلا يتعكر صفو حياته، ولا يضطرب عنده العيش.
وبالنظر إلى ما يضع الإنسان من أهداف وغايات ليصل إليها في حياته، نجدها آنية، ويعلوها الشذوذ في بعض الحالات من حيث الوصول إليها أو المحافظة عليها، فمثلا لو أن شخصا جعل هدف حياته جمع المال، وجَمعُ المال لا سقف له، وجَمَعَ المليارات، فماذا بعد ذلك؟ وما عساه أن يفعل في باقي حياته؟ ولماذا نجد أن من الأغنياء الذين جمعوا حظا وافرا من المال في الغرب يصابون بمرض نفسي، حسب تعبير الغرب، اسمه السرقة أثناء التسوق ( SHOP LIFTTING ) مع أن المال متوفر وبكثرة لديهم. والذي جعل لنفسه تحقيق أكبر قدر من المتع الجسدية، وتحديدا الجنس، نجد أنه يخرج عن الإشباع الطبيعي لهذه الجوعة، ويظهر عنده البرود الجنسي، فيبحث عن حالات شاذة للإشباع، وما يعتري الغرب بشكل عام من الكثير من البرود الجنسي، والعلاقات الجنسية الشاذة بين الرجال والنساء، حتى أن بعضهم لا تتحرك عنده الشهوة إلا على أطفال صغار رضع، وهذا وإن تحقق فإنه لا يعني أنه سيستمر في إخماد هذه الجوعة، فما بال الجوعات الجسدية والمتع المادية لا تملأ على الإنسان حياته ولا تنظمها، وذلك لأننا نلاحظ أن الإنسان لا يستطيع أن يوازن بين جميع جوعاته، ولا يستطيع أن ينظم غرائزه كلها بحيث لا تتعارض، ولو نظرنا إلى الإشتراكية الشيوعية والرأسمالية ونظرتهما إلى سعادة الإنسان، لوجدنا أنهما اشتركا في التعريف من حيث أنها إشباع أكبر قدر من المتع المادية والجسدية، واختلفا في هذه المتع، حيث ألغت الإشتراكية حب التملك، وأطلقت الرأسمالية حب التملك، وألغت الإشتراكية حاجة الإنسان للعبادة، وحددت الرأسمالية ذلك، وفي كل حالات هذين المبدأين أخفقا في إحداث الإستقرار للإنسان، وغابت عنه الدعة والسكينة.
وهنا لابد أن نوضح أن هناك فرقا كبيرا بين المتعة والسعادة، فالمتعة هي اللذة التي يشعر بها الإنسان حين يلبي حاجة عضوية أو غريزية، فالأم أو الأب حين يحضنان ابنهما يشعران بمتعة، وهي لذة إشباع غريزة النوع، والإنسان حين يأكل طعاما لذيذا، يشعر بلذة الطعام، وهكذا. والمتعة أو اللذة آنية، تنتهي بإشباع الحاجة العضوية أو الغريزية. أما السعادة، فهي شعور دائم مصاحب للإنسان في جميع أحواله، يوجِدُ عنده طمأنينةٌ داخلية، تجعله مرتاح الخاطر، هادئ البال، لا يشعر بوحشة، بل يشعر بالرضى لما هو عليه حاله، ولا يطلب ما في أيدي الناس.
مما سبق نعيد القول أن لابد للإنسان من غاية تشمل جميع جوانب حياته وتلم بجوعاته المختلفة، وتدعوه إلى الإستقرار النفسي، والدعة والراحة الداخلية، فتحدث عنده السعادة، بغض النظر عن غناه أو فقره، وعن صحته و سقمه، وعن قوته وضعفه، وهذه الغاية هي فقط عند الإسلام الذي قرر أن السعي لنيل رضوان الله تعالى هو الغاية. فالسعي هو لنيل رضى الله تعالى، والله هو خالق الكون والإنسان والحياة، والعارف بخلقه، والمشرع الحكيم لهم ولشؤون حياتهم، وهو الذي يجزي الخير بالخير، ويعاقب السوء بالسوء إن شاء، وعليه فحين نطلب رضوان الله عز وجل، فإنما نطلب رضى من له مآلنا، ومن هو حكيم في تشريعه بحيث تتوازن حياتنا، ولا تطغى جزئيةٌ على جزئيةٍ أخرى، ولا حاجة على حاجة أخرى، وتكتمل بهذا التشريع حياة الفرد مع نفسه ومع جماعته ومجتمعه.
وبالنظر إلى واقع الرسالة الإسلامية نجدها قد غطت حياة الإنسان من كل جوانبها، بحيث أنها تدخلت في كل جزئية من جزئيات حياة هذا الإنسان، وبالتالي دخلت مع هذا الإنسان في كل هدف يضعه لنفسه، وكل جوعة يحاول إشباعها، فصارت هي المظلة التي تظل جميع جوانب حياة الإنسان، وهي الأرضية التي يقف عليها إشباع احتياجات وجوعات الإنسان وأهدافه التي يضع لنفسه، فصارت بذلك هي التي تحدد الأهداف، وتحدد كيفية إشباع الجوعات، ومتى تشبع، وذلك كله إنما يتم حسب أوامر الله تعالى، وحددت لنا هذه الشريعة أن من يطع الله تعالى فقد فاز، ومن عصى فقد خسر خسرانا مبينا، وجعل الجنَّةَ والنَّارَ الثوابَ والعقابَ على الأعمال، { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره }، وجعلت هذه الرسالة رضوان الله أكبر من الجنَّة ونعيمها، قال الله تعالى: { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خلدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم }، وروى الشيخان عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيئ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا )، وبالتالي يكون السعي لنيل رضوان الله أكبر من أي غاية أو هدف أو جوعة يسعى وراءها الإنسان، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، وهذا يجعل السعي وراء رضوان الله متحكما بكل الغايات والأهداف، فيكون غاية الغايات في حياة الإنسان.
وحين يسعى الإنسان لنيل رضوان الله ويسير عمله حسب أوامر الله تعالى يشعر بقربه من الله تعالى، ويشعر أنه يُرضي الله فيرتاح ويطمئن، ويشعر بالدعة والإستقرار النفسي، فتتحقق له السعادة، ألا وهي نيل رضوان الله، وهذه السعادة تصاحب الإنسان في جميع نواحي حياته ومراحلها، وفي حال فوز الإنسان وخسارته، وعزه وذله، ونجاحه وفشله، وفقره وغناه، وكسيه وعريه، وجوعه وشبعه، وفي كل ذلك يكون سعيدا لأنه ما دام لم يغضب الباري عز وجل، فهو سعيد ومرتاح لأن مآله إلى جنة عرضها السماوات والأرض ورضوان من الله تعالى، وأنه إن أصابه ما هو مسؤول عنه وتحت سيطرته يكون سعيدا لأنه سير عمله بما يرضي الله تعالى، وإن أصابه ما هو خارج نطاق سيطرته صبر واسترجع، وقام بما تمليه عليه الأحكام الشرعية، فيكون سعيدا. وبالنظر إلى ما ذكر آنفا، نجد أن حياة المسلم المؤمن برسالة الإسلام، المتيقن من مفهوم القضاء والقدر، يعيش باطمئنان داخلي وسكينة نفسية قل نظيرها بين البشر، وهذا لا يعني أن الإنسان لا يقلق، ولا يتكدر، ولا يغتاظ، ولا يغضب، ولا يحمل هما، بل يحصل له كل ذلك، ولكن هذه الأمور تبقى عرضية بالنسبة له ولا تكدر صفو حياته واطمئنانه الداخلي، وهو إن غضب، فإنما يغضب لله، وإن همه أمر فإنما يكون لله، وإن قلق فإنما يكون من أجل الله، وهذا ما يلاحظه كل مسلم حمل الدعوة إلى الله تعالى، فهذا المسلم يكون همه مرضاة الله، فيقلق مفكرا كيف يوصل الدعوة إلى الناس، ويغضب لانتهاك حرمات الله، ويكون غضبه قوة محركة ليزداد همة وعزما على حمل الدعوة لإزالة المنكر من جذوره، ويتكدر لحال المسلمين وحاله معهم، فهو منهم، وهكذا يصفو العيش له، وينام مرتاح البال مطمئن النفس.
وبعد النظر إلى واقع الرسالة الإسلامية، وبالنظر إلى ما هو موجود من مبادئ وأديان في العالم، نجد أن الرسالة الإسلامية هي فقط التي استطاعت أن تغطي جميع جوانب الحياة، بحيث لا يطغى جانب على جانب، ونظمت جميع حاجات الإنسان العضوية والغرائزية، وهذه الشريعة هي التي ربطت حياة الإنسان بخالقه بشكل مستمر في كل حياته، ومزجت المادة بالروح، والتي هي إدراك الصلة بالله تعالى. وعليه فمفهوم السعادة الذي نحن بصدده إنما يكون لمن رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، والذي لم يرض بذلك فلن يشعر بالسعادة مهما سعى لها، ومهما جَهِدَ في تحصيلها، فهذا المفهوم هو فقط عند المسلم، وليس للكافر منه نصيب.
والأمثلة على من تحققت عندهم السعادة كثيرة، وأبرز هؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – يأتيه بكل ماله وهو سعيد مسرور بإعطائه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، على الرغم من أنه لم يبق لنفسه وأهله شيئا، ليقول: ( أبقيت لهم الله ورسوله )، وهذا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – الذي أصر على قراءة القرآن على مسامع الكفار في مكة وهو الضعيف في الجسم ، والقليل المال ، ولا قبيلة أو عشيرة له تنصره، وبالرغم مما واجه من ضرب وإهانة إلا أنه كان سعيدا مرتاح البال والخاطر، مستعدا لتكرارها. أما جهاد الصحابة وتضحيتهم بالغالي والنفيس والروح في سبيل الله تعالى، فهو أشهر من أن يُذَّكَرَ به أحد. ولننظر إلى هذا الموقف من سيد الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين -، وهو موقف أبي بكر الصديق من الذي خاض في عرض ابنته، أم المؤمنين، عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كان هذا الرجل فقيرا، ومن قرابة أبي بكر الصديق، وكان أبو بكر – رضي الله عنه – يعوله، ولنسمع ما روى البخاري في هذا عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق في حديثها عن حادثة الإفك:” { والذين جاءوا بالإفك عصبة منكم } الآيات. فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان ينفق على مِسطح بن أَثاثَة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، بعدما قال لعائشة. فأنزل الله تعالى: { ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم }. فقال أبو بكر: بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه.” وهكذا عاد إلى إعالته وهو سعيد طيب الخاطر والنفس، وهذه مواقف عظيمة من أناس عِظام جعلوا رضوان الله غايتهم في الدنيا فشعروا بقربهم من الله تعالى، فسعدوا واطمئنت أنفسهم. ولنتأمل هذه الرواية التي أوردها الإمام أحمد بن حنبل عن رافع بن خديج قال: “كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا، وطاعة الله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يُزرِعَها وكَرِه كراءها وما سوى ذلك”. فهذا الصحابي يقول: “وطاعة الله ورسوله أنفع لنا”، وهذا والله لحق وصدق، وهذا لا يكون إلا ممن اشترى رضوان الله تعالى بالغالي والنفيس، ولم يهتم بأي أمر حتى وإن واجه الخسارة في الدنيا، فإن الربح إنما يكون عند الله وفي الجنة.
والآن وبعد الحديث عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فلننظر إلى سيد الناس، وقدوتنا في الحياة، الذي قال حينما بعثه الله بالرسالة: (لا راحة بعد اليوم يا خديجة )، أتراه كان مستاءً من هذا العناء والمواجهة التي قوبل بها من الكفار؟ كان يوجه كل ذلك ونفسه مطمئنة هادئ البال مرتاح الخاطر يبلغ عن ربه ما نُزِّل عليه، وحتى وهو في أحلك أوقاته، إنما شكى لربه فقال دعاءه المشهور في طريق عودته من الطائف: ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين إلى من تكلنى إلى عدو يتجهمنى أم إلى قريب ملكته أمرى إن لم تكن ساخطًا علىَّ فلا أبالى غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذى أضاءت له السموات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علىَّ غضبك أو ينزل بى سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك) (الطبرانى فى السنة عن عبد الله بن جعفر) أخرجه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (6/35) قال الهيثمى (6/35) : فيه ابن إسحاق ، وهو مدلس ثقة ، وبقية رجاله ثقات .
إن المسلمين بل الناس كافة بحاجة إلى أن يعيشوا في سعادة، ولا يحصلون عليها إلا إن سعوا لنوال رضاه عز وجل، ورضوان الله هو السعادة، فمن أراد أن يكون سعيدا، فعليه الإلتزام بأمر الله وطلب رضاه، مهما واجه في سبيل ذلك من قهر، أو صدود، أو تعنيف، أو تحقير، أو تعذيب، أو محاربة في رزق، أو تغليق أبواب في وجهه، فكل هذا مدعاة للإستزادة، ومدعاة للمثابرة في طاعة الله وحمل دعوته، والواحد منا سعيد، مطمئن البال والخاطر، لأنه يشعر بقربه من الله وأن ما يقوم به هو ما يرضي الله عنه، وأن ما يقوم به هو الصواب، فلا يهتم آخذا بقوله عليه الصلاة والسلام الآنف الذكر: ( إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي)، ويجدر بنا استحضار قوله تعالى دائما ونحن نقوم بأعمالنا ونسعى في هذه الحياة لإعمار الأرض ومن عليها: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما }، ولا يُسلِّم ولا يذهبُ عن نفسه الحرج إلا من كان سعيدا في عمله مقبلا عليه متهللا، وهذا ما يريده الله منا، وهذا ما علينا تحقيقه.
وهنا لابد من أن ننوه لأمر هام، وهو أن الثقافة الإسلامية، إنما هي ثقافة عملية يجب أن تتحكم بالعقليات والنفسيات لتصنع شخصيات إسلامية متكاملة، وليست ثقافة أكاديمية لا حياة فيها ولا حراك، وهذه الثقافة إنما هي ثقافة إسلامية عملية إنما تعطى وتدرس للتبني والعمل بها لننهض ونُنهِضَ الناس بها، وهذه النهضة إنما هي للوصول إلى السعادة في الدارين. وعليه فإن أخذت هذه الثقافة للحشو والترف الفكري، وإن أخذت هذه الثقافة بشكل غير مؤثر، أي أنها لم تؤثر في السلوك، أوصلت الإنسان إلى الشقاء والتعاسة، وبدلا من أن يحيى كإنسان سوي له هدف وغاية من حياته ويرتقب تحقيق غايته بعد مماته، ينحدر ليعيش عيش الحيوان، وليته ساعتها يُحاسب حساب الحيوان.
إن مفهوم السعادة ليس مفهوما فكريا جدليا، بل مفهوم فكري عملي مبني على عقيدة عملية، له واقع ويتحكم بالسلوك الإنساني، ونحن إذ نراجع مع بعضنا هذا المفهوم الهام والبديع في حياتنا، إنما نراجعه ليزداد التصاقنا بإسلامنا، ولتشحذ هممنا، ولنغذ السير في طريق دعوتنا، وهذا المفهوم هو الطاقة المحركة لنا في كل أمرنا، فمن منا لا يريد أن يلقى الله وهو سعيد، ومن منا من لا يريد أن ينال أعظم الجزاء في الجنة، ومن منا يحب أن يلقى الله مقصرا تشهد عليه بذلك أعضاؤه والبشرية قاطبة، ومن منا يحب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم شاهدين عليه لا له، والله إن شهد القرآن الكريم والرسول عليه السلام على أحد من الناس إنها لتعاسة ما بعدها تعاسة، وندامة ما بعدها ندامة، وخزي ما بعده خزي. نعوذ بالله تعالى أن نكون من هؤلاء .
قال رب العزة تبارك وتعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (41/30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (41/31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (41/32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (41/33)}
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته