هجوم الإعلام السعودي على الإسلام السياسي ودعاة الإسلام
فتح الموقف الرسمي المشين للنظام السعودي من أحداث مصر البابَ للعلمانيين في بلاد الحرمين واسعًا ليكشفوا مدى حقدهم على دعاة الإسلام، بل وأحكامه، جهارًا دون مواربة بعد أن كانوا يحاولون التورية قليلا أو يكتبون مقالاتهم على استحياء في السابق، فالمقالات والتقارير التي تهاجم ما يعتبرونه إقحام الدين في السياسة تترى منذ بدء أحداث مصر؛ فمنهم من لا يستحي من الله ولا رسوله ولا المؤمنين فيكون هجومه واضحًا مباشرًا، ومنهم من يحاول أن يخفي حقده على الإسلام والعاملين له بمحاولة تصوير مقاله أنه موجَّه للإخوان المسلمين وتجربتهم، إلا أن كل من يعيش في بلاد الحرمين يعلم جيدا أن الإخوان المسلمين ليسوا موجودين كتنظيم فاعل داخل البلاد، مما يدل بشكل واضح أن المقصود من الهجوم ليس جماعة بذاتها وإنما الإسلام بعينه، وكل الدعاة والعاملين المخلصين لإيجاد الإسلام واقعًا سياسيًّا حقيقيًّا في هذه البلاد الطاهرة خاصة وبلاد المسلمين عامة، وهو ما لا يستطيع الكاتب منهم أن يخفيه لأكثر من بضع كلمات من بدء مقاله، فتراه بعد أن يدخل من باب الهجوم على الجماعات الإسلامية يشطح في مهاجمة الإسلام السياسي أو ما يسميه خلط الدين بالسياسة ويدعو صراحة للعلمانية، مما يشكل دلالة أخرى أن مقصده أبعد بكثير من مجرد انتقاد جماعة إسلامية؛ فالذي يقول “إلا أن غالب المسلمين يعتقد توهما بأن الحضارة الإسلامية كانت فريدة من نوعها” فهو يطعن في حضارة الإسلام الخالدة وليس في الأحزاب أو الجماعات الإسلامية المعاصرة، والذي يقول “مالت على هارون الرشيد وعلى من صدقه” فهو يطعن في التاريخ الإسلامي وعظمائه ولا يطعن في دعاة الإسلام السياسي، والذي يقول: “ولذا فإن من أهم أدوات توعية الناس على خطورة الإسلام السياسي هو توعيتهم بضرر الإسلام الاقتصادي” فإنه يتحدث بكل تبجح عن الإسلام نفسه لا عن أحد من دعاته، بل ويصرّح بوضوح أن رسالته هي محاربة أحكام السياسة والاقتصاد في الإسلام وليست فقط محاربة العاملين له، وعندما تجد عشرات المقالات التي تهاجم الخلافة الإسلامية بشكل دوري، فهي تهاجم الدولة التي بناها محمد صلى الله عليه وسلم ونظام الحكم الذي بينته سيرته عليه الصلاة والسلام وتهاجم الفريضة التي انعقد إجماع الصحابة على إعطائها الأولوية على أمر دفن الرسول صلى الله عليه وسلم. فالأمر إذن يتعدّى ذريعة مهاجمة الجماعات الإسلامية إلى الهجوم على الإسلام نفسه..
إزاء هذا الموقف العدائي الصارخ من علمانيّي بلاد الحرمين وعدم تأدبهم مع دين الله، لا بد للمسلمين المخلصين من أبناء هذه البلاد، المحبين لله ودينه وأحكامه، التوّاقين لأن يحكموا بأحكام الله بحق، والحريصين على عودة المجتمع الإسلامي، وتخليص البلاد الإسلامية من أنياب العلمانيين الساعين لإفسادها وعلمنتها، لا بد لهم أن يدركوا ما يلي:
1) إن الهجوم على دعاة الإسلام السياسي ودعاة الإسلام بشكل عام، ليس مردُّه أخطاءَ هؤلاء الدعاة أو هفواتهم، كما يحاول هؤلاء الكتّاب أن يظهروا، وإنما هي مجرد ذريعة يستخدمها الليبراليون كمقدمة لمهاجمة أحكام الإسلام بحجة مهاجمة أولئك الدعاة، ويتضح ذلك جليًّا من تزامن هذا الهجوم مع المطالبات المستمرة بتغيير الكثير من الأفكار والأحكام المتعلقة بالمساجد والهيئة ولباس المرأة والمحرم والاختلاط، وغيرها..
2) إن مثل هذا الهجوم ما كان ليأخذ هذا الحيز الواسع والممنهج من وسائل الإعلام لولا الدعم الرسمي والضوء الأخضر المقدم من رؤوس النظام بإيعاز غربي لهؤلاء العلمانيين ببث سمومهم وتصويب سهامهم، ويتضح ذلك جليًّا من تزامن هذا الهجوم مع تغيير لبعض القوانين، وسماح ببعض الممنوعات وتمهيد لغيرها، بالإضافة لحملات الاعتقالات والإيقافات والتضييقات والتعليمات الصارمة التي طالت الأئمة والخطباء والعلماء في المساجد والمدارس والجامعات وغيرها..
3) إن أخطاء دعاة الإسلام أو حتى انحرافاتهم لا تكون بحال مسوغًا لتبني العلمانية، بل لا بد أن تكون دافعًا للبحث الحثيث عن الأحكام الشرعية النقية وعن الدعوة الإسلامية الصافية وعن العمل المبرئ للذمة أمام الله، كما أن الرد على المخطئ شرعًا يكون بتبيان الحكم الشرعي الصائب، وليس بمهاجمة الحكم الشرعي والمطالبة بعزله عن السياسة وشؤون الحياة..
4) إن الإسلام مبدأٌ سياسي بطبعه، والإسلام والسياسة لا ينفصلان، فالسياسة عمل الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ»، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائدا سياسيا منذ بداية دعوته في مكة، وحتى استلم الحكم في المدينة، ثم استمر حاكمًا سياسيًّا بأحكام الإسلام حتى توفاه الله، فحمل رايته خلفاؤه الراشدون الذين قدَّموا أمر الخليفة السياسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر دفنه صلى الله عليه وسلم، وسياسة الإسلام تعني أن أحكام الإسلام تتضمن رعاية كاملة لجميع شؤون الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، بأحكام الإسلام التي تعالج هذه النواحي جميعها، كما جاءت في كتاب الله وسنته، وهو ما يحقق للمسلم الطمأنينة في الدنيا والرضوان في الآخرة. وبذلك يتضح أن الدعوات التي تنادي بعدم خلط الدين بالسياسة وتهاجم الدعاة والأئمة الذين يمزجونهما ليست إلا دعوات محاربة لدين الله سبحانه مناقضة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصادمة لصريح النصوص الشرعية..
5) إن نظام الحكم الذي هو أساس النظام السياسي بشكل عام، ثابت في الإسلام، فآيات كتاب الله جاءت مستفيضة بوجوب الحكم بالإسلام كقوله تعالى في سورة المائدة: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾، ثم جاءت سنته صلى الله عليه وسلم لتبين أن كيفية هذا الحكم هي الخلافة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» و«إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا» رواهما مسلم، وفي مسند أحمد: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ … » وغيرها الكثير من النصوص الصريحة، ثم انعقد إجماع الصحابة على ذلك بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما استمر عليه المسلمون حتى هدم الكفار وأعوانهم الخلافة الإسلامية عام 1924م..
6) إن الهجوم على السياسة في الإسلام أو نظام الحكم فيه أو رفض تدخل الإسلام في السياسة والحكم، هو تماما كالهجوم على أحكام العبادات كالصلاة والصيام والحج، وكالهجوم على أحكام النظام الاجتماعي كأحكام الاختلاط ولباس المرأة والزواج، وكمهاجمة منع الربا أو الغش أو السرقة، أو غيرها من الأحكام، والهجوم على أيٍّ منها منكرٌ عظيمٌ لا يجوز لمسلم السكوت عليه، فكلها أحكام الله سبحانه التي أنزلها لتُطبَّق وتُمتثل لا لتُنحى وتُعتزل..
7) إن رعاية هذه الدولة لهؤلاء العلمانيين، واستخدامهم كأدوات لتغيير أو تمييع ما تبقى من قليل من قليل من أحكام شرعية مطبقة بشكل جزئي في هذه البلاد، نحو العلمانية الصريحة، ليدعو كل مسلم مخلص إلى البحث الجاد عما يبرئ ذمته أمام الله، ويقيم دين الله بحق، ويمحق العلمانية، ويزيح عملاء الغرب وأعوانهم، ويعيد بلاد الحرمين كما تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إسلامية نقية خالصة، لا راية فيها إلا راية الإسلام، ولا رابطة فيها إلا رابطة الإسلام، ولا حكم فيها إلا حكم الإسلام، ولا ولاء فيها إلا للإسلام، ولا سياسة فيها إلا سياسة الإسلام…
لقد آن لأبناء بلاد الحرمين وعلمائه الذين ما زالوا يعطون الشرعية لهذا النظام الطاغي الذي بانت كل سوءاته وعوراته، أن يدركوا حقيقته فيتبرأوا من طغيانه وعمالته وخيانته لله ورسوله والمؤمنين، فلا يبيعوا دينهم بدنياه بل يفرّوا من الله إليه، ويعلنوها صريحة بوجوب خلعه وإقامة حكم إسلامي حقيقي راشد، ويختاروا لأنفسهم مقام أعظم الجهاد “كلمة حق عند سلطان جائر” الذي اختاره أسلافهم ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد السلام من قبل، وعند من كان خيرا وأطهر من هؤلاء الحكام العملاء..
وختاما، فإن على شيوخ وعلماء ودعاة الإسلام المخلصين الذين جربوا فكرة التصالح مع الحكومات والعلمانيين مع ما فيها من مخالفات لنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة، فلم تجلب لهم إلا المحاربة والمهاجمة والاعتقال والتضييق، أن يتبرأوا من كل مداهنة أو مواربة، وأن يصرحوا بدعوتهم لدين الله لا شريك له دون أن يخافوا فيه لومة لائم، فيبينوا لجميع أبناء بلاد الحرمين عدم شرعية هذه الدولة وعدم تطبيقها لشرع الله، وأن شريعة الله يجب أن تقام كاملة في كيان إسلامي سياسي، دولة خلافة إسلامية راشدة على منهاج النبوة، تطبق الإسلام كاملا في داخلها، وتحمله كاملا إلى العالم كله بالدعوة والجهاد، وتتبرأ من كل تبعية وكل موالاة لغير الله..
﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين الشريفين