هل يصبح السيسي مشرف الجديد؟
على الرغم من نفي الجيش المصري، إلا أن الأنظار تتجه في الترشح للرئاسة إلى المشير عبد الفتاح السيسي، وفي الواقع، فإن تأييد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لترشيح السيسي قبل بضعة أيام يبرهن أن السيسي مستعدٌ لتولي منصب رئاسة الجمهورية، حتى رئيس مصر السابق (الطاغية مبارك) توقّع أن يكون السيسي الرئيس الجديد، بحيث يُضاف إلى قائمة الفراعنة بجانب مبارك.
وإذا كان يُزعم بأن هناك استطلاعات للرأي العام تقول أن هناك تصوراً واسع النطاق عند الجمهور بأن السيسي سيجعل الأوضاع تتحسن في مصر، إلا أنه نظراً لسلوك الحكومة المؤقتة لغاية الآن، فإن هناك دلائل تشير إلى أن الوضع في مصر لن يتحسن بأي شكل من الأشكال في حقبة ما بعد مبارك، فقد سُحقت الثورة بقبضة من حديد، وثبُت للمراقبين أن الحرس القديم من “الناصريين” قد عادوا للانتقام.
وإذا رغب المصريون في معرفة كيف سيدير السيسي دفة الحكم، فما عليهم إلا النظر إلى فترة حكم مبارك، أو عهد مشرف كمثال أوضح.
فمشرف، وبطلب من أمريكا، قام بإزالة رئيس وزراء باكستان المنتخب ديمقراطياً (نواز شريف)، من خلال انقلاب غير دموي، ثم قضى عشر سنوات في السلطة، رافعاً فيها شعارات تبرر حكمه، مثل “ديمقراطية حقيقية”، و”استعادة الديمقراطية الحقيقية”… الخ.
إنّ السيسي بالفعل يشابه مشرف بشكل مذهل، فكلا الرجلين يشتركان في توجههما القوي نحو تعزيز الديمقراطية العلمانية الكافرة في بلدانهما، ومكافحة كل من يعاديها، من خلال تبنّي أساليب مقيتة، باعتبارها الطريقة الوحيدة لتحقيق الديمقراطية. وباختصار، فإنهما يبرزان أنفسهما بأنهما منقذان للديمقراطية، لا طغاة متعطشين للسلطة، فتناسيا قيامهما بانقلاب غير دموي في كلا البلدين، وإطاحتهما بحكومات منتخبة ديمقراطيا!
إلا أن مشرف والسيسي يختلفان قليلاً في طريقة الوصول إلى السلطة، فمشرف قد استلم السلطة بالقوة، وقام في وقت لاحق بإجراء تعديلات على الدستور؛ لتبرير استمراره في الحكم. بينما استولى السيسي على السلطة بالقوة، ونصب حكومة مؤقتة كوسيلة لتمهيد الطريق أمام توليه السلطة بصورة شرعية عبر انتخابات رئاسية. وهناك فرق آخر، هو أنه على عكس فترة ما بعد انقلاب مشرف في باكستان، رافق انقلاب السيسي العنف الذي لا يزال قائماً في مصر لغاية اليوم، وهنا تنتهي المقارنة.
مع أن السيسي لم يتقلد السلطة رسمياً، إلا أن باستطاعة المرء أن يعتمد على استقراء فترة تسلم مشرف منصبه ويقيس عليها ما قد يفعله السيسي، فالسيسي مثل مشرف، متعصب للعلمانية، ملتزم بتكميم أفواه الإسلام السياسي، ومشرف قد استخدم غطاء الاعتدال المستنير لقيادة حملة شرسة للقضاء على الإسلام في المجتمع الباكستاني، وكل المؤشرات تدل على أن السيسي سيمر بنفس الطريق الذي سار فيه مشرف، ولكن معركته ضد الإسلام ستكون أكثر شراسة.
لقد انضم مشرف إلى حرب أمريكا العالمية على الإرهاب، واستخدم القوات المسلحة الباكستانية لملاحقة المجاهدين في المناطق القبلية في باكستان، وحتى بعد مرور أحد عشر عاماً، لا يزال الجيش الباكستاني غارقاً في مستنقع المناطق القبلية، ولا يحظى بشعبية. ويعادل المنطقة القبلية في باكستان شبه جزيرة سيناء، والمُرجح أن يكرر الجيش المصري الأخطاء نفسها هناك بقيادة السيسي في عهده المقبل.
وكما تخلى مشرف عن الشعب الكشميري لصالح تطبيع العلاقات مع الهند، فلربما حذا السيسي حذوه مع الفلسطينيين، لصالح علاقات أوثق مع دولة يهود، وتدمير الأنفاق التي تورد السلع الضرورية لأهل غزة بتوجيه من السيسي، وتضييق الخناق على حكومة حماس في غزة، يُنبئ بما هو آت.
وأخيراً، فإنّ الطريقة التي تخلت فيها أمريكا عن مشرف على الأرجح ستكون الطريقة نفسها التي ستتخلى فيها عن السيسي، وسيقع بعدها في المأزق نفسه الذي يعاني منه مشرف حالياً، وسيطارده الشعب المصري لمحاكمته على تهم الفساد والخيانة، هذا إن تعاملت أمريكا معه باللين نفسه.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عابد مصطفى