تتارستان، وسر العداء الروسي المتجدد الجزء الرابع التتار منذ الفتوحات الإسلامية الأولى
تتارستان، وسر العداء الروسي المتجدد
الجزء الرابع
التتار منذ الفتوحات الإسلامية الأولى
أما التتار، فقد وصلهم الإسلام في القرن الرابع الهجري، في العام 922 ميلادي ومدينة بلغار تقع في جمهورية تتارستان على ضفة نهر الفولجا، وتبعد عن العاصمة قازان 140 كلم، وسميت بلغار على غرار عاصمة بولغار الفولجا التاريخية، حين قدمها أحمد بن فضلان في البعثة البغدادية المشهورة لنشر الإسلام في العام 922 ميلادية، وجد فيها ما يقارب الخمسة آلاف مسلم، ويورد المرجاني بالاعتماد على مؤرخين شرقيين، معلومات حول انتشار الإسلام بين البلغار منذ عهد الخليفتين هارون الرشيد وابنه المأمون (النصف الأول من القرن التاسع الميلادي). وعلى ما يبدو أن أول تعرف مبكر للبولغار على الإسلام جرى في ظروف نشر الإسلام في إمارة الخزر نتيجة الفتوحات الإسلامية، وتغلغل أشخاص من خوارزم. وتدل على هذا الاكتشافات الأثرية الحديثة. ومع ذلك، لعبت أهم دور في انتشار الإسلام في بولغاريا القديمة العلاقات مع آسيا الوسطى، حيث كان الدعاة الأوائل يرافقون القوافل التجارية.
ومنذ القرن العاشر الميلادي، والحضارة الإسلامية تتجذر في تتارستان، وأشار الرحالة المسلم ابن فضلان وقتئذ إلى رفض البولغار أتباع المذهب الشافعي، الذي كان سائدا في بغداد، وفضلوا المذهب الحنفي.
ومن المعروف أن أول المدارس الدينية الإسلامية أنشئت في خراسان وما وراء النهر في القرن العاشر. وكان الفقه مادة التعليم الأساسية فيها، وأصبح حتى ذلك الوقت مادة دراسية مستقلة. وعلى ما يبدو، أن الدعاة البولغار الأوائل كانوا إما مما وراء النهر وخراسان مباشرة، أو من بين الذين درسوا في أحد مراكز آسيا الوسطى التعليمية، وبالتالي اعتبروا نظام التعليم هذا بمثابة نموذج ونقلوه إلى وطنهم.
وتعود المعلومات المبكرة جدا عن العلماء البولغار إلى القرن الحادي عشر. ومنهم الحاج أحمد البولغاري أستاذ السلطان محمود الغزنوي (998 ـ 1030). وعلى ما يبدو أن هذا السلطان من البولغار، حصل على التعليم في أحد مراكزها التعليمية منذ عهد السامانيين، ومن ثم انتقل إلى غزنى. ويدل على درجة السلطان العلمية تجمع أفضل علماء العصر في حاشيته، بمن فيهم البيروني (973)، والمرجاني الذي كان يلقب بعارف الشريعة، ومعاصره شمس الإسلام السرخسي (توفي عام 1090)، وفخر الإسلام البزدوي (توفي عام 1098)، وشيخ الإسلام ظواهر زاده (توفي عام 1090)، ويؤكد أنه كان بمنزلتهم. وكافة هؤلاء الأشخاص كانوا كبار فقهاء ما وراء النهر، ومُعدّي مؤلفات هامة في المذهب الحنفي، ما زالت من أمهات كتب الفقه والأصول وما زالت تحظى بشهرة واسعة وأهمية عظيمة، ومنها كتاب السرخسي “المبسوط في فروع الفقه”، وكان هذا الكتاب مرجعا للمسلمين في مناطق شتى من العالم الإسلامي ومنها في حوض الفولغا. وكذلك الشروحات لمؤلف “أصول الفقه” للإمام فخر الإسلام البزدني، جرى إعدادها وإعادة كتابتها على مدى قرون عديدة. ويذكر المرجاني اسم عالم بولغاري آخر ـ أبو العلاء حامد بن إدريس البولغاري (النصف الأول من القرن الثاني عشر)، الذي ذكر في كتابه عالما بولغاريا آخر ـ سليمان بن داود السكسايني، عالم الحديث. ومن المميز بين كافة النصوص المنقولة عنه قدمها فقهاء ومحدثون من آسيا الوسطى، لا يقلون شهرة، مثل أبو المنعم ميمون بن محمد النصافي (توفي عام 1144) وأبو بكر بن عبد الله السرخسي (توفي عام 1124) وأبو بكر محمد بن حسن السرخسي (توفي عام 1111).
تتارستان في عهد القياصرة
عندما احتل قياصرة روسيا تتاريا في سنة (960 هـ -1552م) كان الإسلام منتشراً بين سكانها، واضطهد أهلها، وحاول الروس جذبهم إلى النصرانية بالقوة والقهر ولكنهم فشلوا، وقد بذلت الإمبراطورة كاترين الثانية جهودا جبارة في هذا المجال في سنة (1192هـ – 1778م) فأمرت بأن يوقع كل من الذين اعتنقوا النصرانية (الجدد) على إقرار كتابي يتعهد فيه بترك خطاياه ويتجنب الاتصال بالكفار، ويظل على الدين المسيحي، وطبق هذا بالقوة على التتار المسلمين ولكنهم كانوا نصارى اسماً، ثم تخلصوا من هذا التعسف، وظلوا على إسلامهم، ولقد دونت أسماؤهم في السجلات النصرانية زوراً، ووقف التتار في ثبات وقوة ضد النصارى وحملاتهم، وشهد القرن التاسع عشر الميلادي عدة قوانين تحد من انتشار الدعوة، لدرجة أن القانون الجنائي الروسي كان يعاقب كل شخص يتسبب في تحويل روسي إلى الإسلام بالأشغال الشاقة لمنع المسلمين المتخفين سرا من ممارسة الدعوة إلى الإسلام، ورغم هذا انتشرت الدعوة بصورة سرية، ولما صدر قانون حرية التدين في روسيا القيصرية في سنة (1323هـ – 1905م) حانت الفرص لإعلان أنهم ما تركوا الإسلام يوما، فأعلنوا أنهم مسلمون بصورة جماعية، فلقد بلغ من أعلنوا أنهم على الإسلام في سنة (1323هـ – 1906م) ثلاثة وخمسين ألفاً، ولم يكتف التتار بإعلان أنهم مسلمون بل أوصلوا الدعوة الإسلامية حتى إلى سيبيريا.
كان في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتاريا جامعة إسلامية بها سبعة آلاف طالب، وكان بها مطبعة أخرجت مليون نسخة من 250 كتاباً في سنة (1310هـ – 1902م) كما كان في مدينة قازان مكتبة إسلامية كان يزورها 20,000 قارئ سنوياً، وكان يوجد فيها مسجد لكل ألف مسلم، وكان يوجد مركز للدعوة الإسلامية، واجتهد علماء قازان في نشر الدعوة، وطبعوا منشورات لها، واهتموا بالتعرف على الإسلام باللغة التتارية، وانتشر الدعاة (مليات) وطلاب جامعة قازان في القرى والفيافي يدعون إلى الإسلام، ونشطوا في هذا الأمر بعد صدور قانون حرية الأديان في روسيا في سنة 1905م، ونجحوا في بث الدعوة الإسلامية بين تتار سيبريا.
التتار في العهد الشيوعي
واجه التتار حرباً قاسية على عقيدتهم وهويتهم الإسلامية من قبل الاتحاد السوفياتي، فأغلقت المدارس الإسلامية، ودمرت المكتبات والمطابع الإسلامية في قازان عاصمة تتاريا.
وثار التتار ضد الاٍضطهاد الديني وقدموا العديد من الشهداء، وأعدم حتى أولئك الذين تعاونوا مع السوفيات، ورفض السوفيات وحدة الأراضي الإسلامية، وعملوا على تفتيتها إلى قوميات للقضاء على الوحدة. وقد أدمج الروس كل المناطق الإسلامية التي توجد في روسيا الأوروبية في إدارة دينية واحدة مقرها أوفا عاصمة جمهورية بشكيريا، وتشرف على المسلمين في سيبريا أيضاً، وجردوا هذه الإدارة من كل السلطات فأصبحت أمراً شكلياً.
وعلى غرار ما حصل مع إخوانهم المسلمين في آسيا الوسطى، تعرض المسلمون التتار في عهد ستالين للمجاعة والقتل والتشريد والتهجير والدمج المفروض عليهم لإزالة كل علاقة لهم بالإسلام.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو مالك
لقراءة الجزء الأول اضغط هنــــا |
لقراءة الجزء الثاني اضغط هنــــا |
لقراءة الجزء الثالث اضغط هنــــا |
لقراءة الجزء الخامس اضغط هنــــا |
2014_02_16_Art_Tatarstan_and_the_Russian_Hostility_P4_AROK (1).pdf