Take a fresh look at your lifestyle.

كلمة المؤتمر الصحفي تحت عنوان: الفدرالية: هي مطلب الشعب أم مطلب الغرب؟!!  

 

خرج أهل اليمن في ثورةٍ سرعان ما عمل الغرب على احتوائها عن طريق عملائه من منظمات وأحزاب وسياسيين، وقد كان أهل اليمن يصبون إلى إزالة الظلم والاستبداد الذي لحق بهم في جميع مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، وذلك من جراء تطبيق النظام الرأسمالي عليهم حيث يتسلط أصحاب رؤوس الأموال على الناس وعلى ممتلكاتهم وحقوقهم لجمع أولئك بين السلطة والمال معتبرين المسؤولية غنيمةً وفيئًا.

إن أهل اليمن لم يخرجوا في ثورتهم ليطالبوا بالفيدرالية والأقاليم ولم يكن ذلك في بالهم، ولكن الغرب وجد الفرصة السانحة لتحقيق أهدافه، وخاصة أمريكا التي تريد فصل اليمن وتفكيكه بدعمها للحراك وللحوثيين عن طريق إيران؛ فقد كانت أمريكا وراء خيار الإقليمين تمهيدا للانفصال.

أما بريطانيا فقد سارعت للحفاظ على مصالحها معتبرةً ما يجري في البلاد أزمةً وصراعا شخصيا بين العائلات الثلاث الحاكمة للبلاد كما صرح السفير البريطاني آنذاك، فعملت على إيجاد التسوية فلم تتهدد مصالحها ومصالح تلك العائلات وعملت على قطع الطريق على أمريكا، وكانت من وراء طرح فكرة الأقاليم المتعددة حتى لا تضيع مصالحها وتتفتت.

من المعلوم أن الشعب لم يخرج حين خرج في ثورته مطالبا بالفدرالية، ولم يكن في باله ذلك، وإنما كان خيار الفدرالية حلا مستوردا من سفارات الغرب على اختلاف مصالحه، وتجلى فيها الصراع على الثروات من نفط وغاز ومعادن وغيره من ثروات البلاد.

خرج الشعب شاكيا مرضه الذي ابتلي به من قبل المتنفذين والمتسلطين عليه وعلى ثرواته، وظهرت عليه آثار ذلك المرض من فقر وجهل وبطالة وظلم سياسي وتردي أوضاع في جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها.

فإذا بالغرب يتدخل ويشخص له المرض ويعطيه علاجا لمرض غير المرض، وشاركه في ذلك السياسيون الموقِّعون على ذلك التشخيص والذين خانوا الشعب ولم ينصحوا له بل شاركوا الغرب في إقناع الشعب بأن “مرضك هذا علاجه”، فكان العلاج هو الفدرالية.

إن المشكلة التي يعاني منها أهل اليمن يكون حلها بعد معرفة واقع المشكلة ودراسة أسبابها وعلاجها من قبل أمناء من أبناء الأمة، لا من قبل الغرب المستعمر وعملائه المنتفعين والسياسيين المنبطحين.

فالفدرالية باطلة ومتهافتة شرعا وواقعا:

أما شرعاً: فليس نظام الحكم في الإسلام نظاماً اتحادياً، تنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي، وتتحد في الحكم العام، بل هو نظام وحدة تعتبر فيه مراكش في المغرب وخراسان في المشرق، كما تعتبر مديرية الفيوم إذا كانت العاصمة الإسلامية هي القاهرة. وتعتبر مالية الأقاليم كلها مالية واحدة، وميزانية واحدة تنفق على مصالح الرعية كلها، بغض النظر عن الولايات. فلو أن ولاية كانت جبايتها من المال المشروع ضعف حاجاتها فإنه ينفق عليها بقدر حاجاتها لا بقدر جبايتها.

ولو أن ولاية لم تسدد جبايتُها حاجاتِها فإنه لا ينظر إلى ذلك، بل ينفق عليها من الميزانية العامة بقدر حاجتها، سواء وفت جبايتها بحاجاتها أم لم تفِ.

فنظام الحكم وحدة تامة وليس اتحاداً. ولهذا كان نظام الحكم في الإسلام نظاماً إسلامياً متميزاً عن غيره من النظم المعروفة الآن في أصوله وأسسه، وإن تشابهت بعض مظاهره مع بعض مظاهرها. وهو فوق كل ما تقدم مركزي في الحكم، يحصر السلطة العليا في المركز العام، ويجعل له الهيمنة والسلطة على كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كبر، ولا يسمح بالاستقلال لأي جزء منه، حتى لا تتفكك أجزاء الدولة. وهو الذي يعين القواد والولاة والحكام والمسئولين عن المالية والاقتصاد، وهو الذي يولي القضاة في كل إقليم من أقاليمه، وهو الذي يعين كل مَن عمله يكون حكماً، وهو المباشر لكل شيء من الحكم في جميع البلاد. فهو مركزي في الحكم ولا مركزي في الإدارة.

إنه مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية دولة الخلافة ورغم الوسائل البدائية آنذاك إلا أن الثروات كانت تصل لكل فرد من أفراد الرعية ولو كان في طرف البلاد بل إن الخليفة كان يعتبر نفسه مسئولا حتى عن الحيوان.

فهذا عمر بن الخطاب يقول (لو عثرت شاة أو بغلة في العراق لخشيت أن يسأل عنها عمر لماذا لم تصلح لها الطريق)، أما في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز فكان يقول (انثروا الحَبَّ على سفوح الجبال، حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين).

هذا هو الإسلام ودولته وهذا هو عدله ونظامه فبم يفاخر المفاخرون؟!

وأما واقعا: فالفدرالية ليست علاجا لمشكلة أهل اليمن؛ فمشكلة توزيع الثروة لا يتم حلها بالفدرالية لأن الفيدرالية ليست نظاما يمكِّن كل فرد من الانتفاع بثروته داخل الأقاليم، بل إن الذي يضمن توزيع الثروة لكل فرد من أفراد الرعية هو النظام الاقتصادي في الإسلام ودولته، فلم يكن المركز في دولة الخلافة يستأثر بالثروة بل كان يأخذها من الولايات ثم يوزعها حسب أحكام الإسلام لتصل كل فرد ولو كان في طرف الدولة، وها هو هارون الرشيد يخاطب السحابة (أمطري حيث شئت فإن خراجك سيأتي إليّ).

لقد عانت الأنظمة الفدرالية وخاصة أمريكا أزماتٍ اقتصاديةً خانقةً وهي نظام اتحادي، وبعد فوز أوباما قدمت 20 ولاية من ولايات أمريكا الغنية عريضة بأنها تريد الانفصال لأنها لا تريد تحمل أعباء الولايات الفقيرة.

ورغم أن أمريكا قائمة على ثروات العالم باستعمار الشعوب وامتصاص خيراتها فها هي ديونها ترتفع إلى ما يقارب 17 تريليون دولار ويعيش فيها أكثر من 40 مليون نسمة من سكانها تحت خط الفقر. وهكذا لو نظرنا إلى بقية الدول الاتحادية القائمة في العالم لوجدنا أن أهلها يكتوون بنار النظام الرأسمالي المطبق عليهم.

إن الفيدرالية لا يحصل منها توزيع عادل للثروة، وإن كان الذي يحصل منها إنما هو توزيع وتقاسم للسلطة بين المتصارعين، أما الثروة فلن تذهب إلا لشركات الغرب وعملائه المتنفذين في ظل النظام الرأسمالي الذي يحكم العالم.

إن الفدرالية في واقعها ظلم عظيم؛ حيث يستأثر الإقليم بثرواته دون غيره من الأقاليم، مع أن هذه الثروات في الإسلام هي ملكية عامة لجميع الرعايا في الدولة الإسلامية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار»، فالنفط والغاز والمعادن والبحار والشواطئ والمنتزهات العامة والموانئ… وكل ما ينطبق عليه أنه من الملكية العامة إنما هو ملك لجميع رعايا الدولة الإسلامية وليس ملكا للدولة أو لأي فرد دون غيره، وإن كانت الدولة هي من تشرف عليها.

والفدرالية تؤدي إلى النعرات الطائفية والمناطقية في الإقليم الواحد أو بينها وبين الأقاليم المجاورة.

ثم إن الفدرالية تظلم الناس وتوجد الضغينة بينهم بسبب تمييزها بين إقليم وآخر ومفاضلة بعضها على بعض، حيث تشترط أن يكون المتقدم للوظيفة في الإقليم من الإقليم نفسه مقدما على المتقدم للوظيفة من الأقاليم الأخرى.

الإخوة الحاضرون: إن الفدرالية هي تفتيت للبلاد، وهي مقدمة لانفصال الأقاليم خاصة في ظل الصراع الدولي وشراهة الاستعمار على الثروات، وما مخططات الغرب الخبيثة وخاصة أمريكا عنكم ببعيد.

إننا لا نلوم أولئك الذين حسموا أمرهم مع الدين من العلمانيين بقدر ما نلوم أولئك الذين يسمون أنفسهم أحزابا إسلامية ومفكرين إسلاميين، أولئك الذين يفتون للناس أن الفدرالية من الإسلام لتشابه مصطلح (الولايات) في الدولة الإسلامية في الظاهر مع مصطلح (الولايات الفدرالية) في ظل الرأسمالية، مع العلم أنها تخالف ذلك في الشكل والمضمون.

والغريب أن يقول أولئك إن الإسلام ليس فيه نظام حكم أو اقتصاد ولم يرد نص في ذلك من كتاب أو سنة؟! فماذا يكون الإسلام في نظرهم إذنْ؟! هل هو أحكام حيض ونفاس؟!

إنكم إذنْ بقولكم هذا هُنتم على الله فهُنتم على الناس.

وإذا كان ما تقولونه صحيحا، فلماذا إذنْ تلهثون وراء الحكم، وبماذا ستحكمون الناس؟! بأهوائكم وقوانينكم الوضعية المستوردة؟!

إن حزب التحرير قد وضع بين يدي الأمة مشروعا نهضويا جديرا بأن تحتضنه الأمة؛ فهو الفرض والوعد، كيف لا وهو مستمد من عقيدة هذه الأمة ومتجانس معها وهو يعالج جميع مشاكل الحياة، فما على أهل اليمن إلا أن يأخذوه بقوة ويتركوا تلك الحلول المستوردة من أوكار السفارات.

 

لمثل هذا فليعمل العاملون، والحمد لله رب العالمين

 

 

عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

 

البيان الختامي للمؤتمر الصحفي

 

2014_02_17_Yemen_MO_1.pdf