مع الحديث الشريف شركات غير شرعية
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن ابن عباس قال: كان العباس بن عبد المطلب «إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه: لا يسلك به بحرا، ولا ينزل به واديا، ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجازه».
كان العباس رجلا ثريا, وكان يستثمر أمواله بشتى وسائل الاستثمار, بالتجارة وبالربا وبالشراكة وربما بغيرها من وسائل الاستثمار ……ففي الجاهلية لم تكن هناك معاملات محرمة, لكنه عندما دخل الإسلام, ونزلت أحكام البيع والشركة وحرم الربا ……التزم تلك الأحكام وانضبط بها شأنه شأن عامة المسلمين وخاصتهم.
فعندما نزل حكم تحريم الربا ألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم عقود الربا التي كان العباس عقدها في الجاهلية فأطاع العباس راضيا مستسلماً ومُسَلِّمَاً نفسَهُ وماله لله رب العالمين, ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ, فما كان من العباس إلا الطاعة والتسليم .
وها هو في حديثنا لهذا اليوم يرفع شرطه الذي كان يشترطه على من يشاركه فيضارب في ماله, يرفعه للرسول صلى الله عليه وسلم, ليعلم حكم الشرع فيه …ليستمر عليه إن كان حلالا, ويتوقف عنه إن كان حراما مخالفاً للشرع …. ذلك ليواصل أعماله وهو عالم بما يصنع مطمئن بها ……. فيقره صلى الله عليه وسلم ويطمئنه إلى جواز هذه الشروط.
فهلا صنع المسلمون ما صنع العباس حين عرضت عليهم أشكال من الشركات الحديثة التي لم تكن زمن الرسول ولم يقرها صلى الله عليه وسلم ……هلا درسوا واقعها وقاسوها على واقع الشركة في الإسلام ليعرفوا ما ينطبق عليه منها تعريف الشركة في الإسلام وشروطها فيتعاملوا بها مطمئنين لشرعيتها ويتبينوا ما يخالفها ليجتنبوه ؟؟؟ …
لقد دخل إلى عالمنا الإسلامي مع دخول النظام الرأسمالي أنواع من الشركات الغربية, الغريبة عن ثقافتنا الإسلامية وإرثنا الشرعي …..شركات متعددة الصور والأشكال لكنها بعد البحث تبين أنها مع تعددها تنضوي تحت نوعين من الشركات هي:
شركات الأموال: ومثالها الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم.
وشركات الأشخاص: ومثالها شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة.
ولقد اندفع الناس للاكتتاب بهذه الشركات والمساهمة فيها بل وتأسيسها دون بحث ولا تمحيص في ماهيتها لمعرفة مدى موافقتها أو مخالفتها لأحكام الشرع …وعلى وجه الخصوص الشركات المساهمة وشركات التضامن.
إن للشركة في الإسلام شروطاً لا بد من التزامها حتى يكون عقدها صحيحا وأرباحها حلالا,
فمن شروط انعقاد الشركة: أن يتم العقد بين طرفين, بإيجاب وقبول: إيجاب من الأول وقبول من الآخر لأن عقد الشركة من العقود اللازمة للطرفين, وليس عقد التزام من طرف واحد.
ومن شروط صحة عقد الشركة: أن يكون محل العقد (أي ما يقع عليه العقد) تصرفاً وأن يكون هذا التصرف قابلا للوكالة ليكون ما يستفاد بالتصرف (وهو الربح) مشتركا بينهما.
كما يجب تحديد نوع العمل الذي ستقوم به الشركة.
وتحديد حصص الشركاء في رأس المال والأرباح.
ومن محاولة تطبيق هذه الشروط على الشركات الرأسمالية نجد أن:
الشركات المساهمة تفتقد لشروط الانعقاد وشروط الصحة للشركة في الإسلام فهي لم تنعقد كشركة أصلاً.
بينما تفتقد شركات التضامن لشروط الصحة
فشركة التضامن: هي عقد بين اثنين أو أكثر يتفقان على الاتجار معا بعنوان مخصوص ويلتزم جميع أعضائها بديون الشركة على جميع أموالهم بالتضامن من غير قيد وَحَدْ.
وتشترط على أعضائها:
أن يلتزم جميع أعضائها بديون الشركة على جميع أموالهم بالتضامن من غير قيد وَحَدْ. مسؤوليتهم في ذلك غير محدودة فكل شريك مطالب بأداء جميع ديون الشركة ليس من أموال الشركة فقط بل من أمواله الخاصة أيضا.
أعضاء الشركة متضامنون في تعهداتهم قِبَلَ الغير في تنفيذ جميع تعهدات الشركة …..
ولا يمكن أن يتنازل أي شريك عن حقوقه في الشركة لغيره إلا بإذن باقي الشركاء
تنحل الشركة بموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إفلاسه …..
5- لا تسمح هذه الشركة باتساع المشروع ويتم تكوينها من أعضاء قلائل يثق كل منهم بالآخر ويعرفه معرفة جيدة.
6- أهم اعتبار في هذه الشركة هو لشخصية الشريك ….. ليس من حيث كونه بدنا فقط بل من حيث مركزه وتأثيره في المجتمع.
وجميع هذه الشروط تخالف شروط الشركة في الإسلام بل إنها تناقضها تماما مما يجعلها شركة فاسدة شرعاً لا يجوز الاشتراك بها.
أما الشركة المساهمة:
فهي نوع من أنواع التصرف بإرادة منفردة (أي عقد التزام من طرف واحد)
فقد عرفها الرأسماليون بأنها عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهما في مشروع مالي بتقديم حصة من مال, لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو خسارة .
وهي على هذا الأساس باطلة شرعاً …لأن الشركة في الإسلام عقد بين طرفين يقوم على الإيجاب من طرف والقبول من الطرف الاخر …..وليست التزاماً بإرادة منفردة من طرف واحد….. والإيجاب والقبول من طرفي العقد هو شرط انعقاد في الشركة الإسلامية لا تنعقد الشركة بدونه فشركة المساهمة إذ تكتفي بالتزام الشريك بتقديم مال للشركة ليصبح شريكا دون حاجة لموافقة باقي الشركاء …..يجعلها شركة باطلة لم تنعقد ابتداء. وهذا كاف لنقض هذه الشركة وبيان عدم شرعيتها وحرمة إقامتها أو المساهمة بها.
هذا إضافة إلى أن العقد لم يكن على القيام بعمل وانما التزم فيها شخص بتقديم مال فهي تخلو من بدن يباشر التصرفات بوصفه الشخصي في الشركة لأنها شركة أموال فقط لا بدن فيها كما تشترط الشركة في الإسلام فهي شركة بين أموال فقط كما أسلفنا …..والشركاء في هذه الشركة يتصرفون فيها رغم أنهم مشاركون بأموالهم دون أبدانهم وهذا أيضا مخالف لشروط الشركة الإسلامية إذ شريك المال لا حق له بالتصرف في الشركة, وإن مخالفة هذه الشركة لشروط الشركات في الإسلام لا تقف عند هذا الحد لكن ثبوت مناقضتها للشرع إذا جاء من الأساس الذي قامت عليه فلا حاجة لذكر باقي شروطها فكلها إما مخالفة للشرع صراحة أو لأنها مبنية على أساس باطل.
وإنه ومهما كان الترويج لهذه الشركات واسعاً وإغراءات أرباحها كبيرة ووجودها منتشر في بلادنا …. إلا أن هذا لا يعفي المسلمين من مسؤولية التأنِّي في قبول هذه الشركات ولا التعامل معها فهي طريقة لتنمية الأموال نعم لكنها طريقة مخالفة للشرع وأرباحها وإن كانت مضمونة إلا أنها حرام. فما بال المسلمين يتعامَون عن هذه الحقائق وينغمسون في التعامل بهذه العقود الباطلة دون تحفظ …. أَهُوَ الطمع بالدنيا وزينتها أم الجهل بأحكام الشرع الحنيف …. أم الاستهانة بحرمات الله ….. إنه والله ليحز في النفس أن نرى هذه المؤسسات الرأسمالية تسيطر على الأسواق التجارية والمالية في بلاد المسلمين على شكل شركات استثمارية وبنوك وجمعيات تعاونية فكل هذه المؤسسات هي شركات مساهمة لم تنعقد شركة أصلا ومع ذلك يتعامل بها المسلمون بسذاجة وجهل بحكمها ….وإنه والله لا عذر لجاهل في معرفة أحكام الشرع …. لأن الأصل في أعمال المسلم: التقيد بحكم الشرع …..وهذا يتطلب تعلم أحكام الأعمال قبل القيام بها …..هكذا كلفنا الخالق المدبر وبين لنا الرسول الكريم وعلمنا الصحابة الأجلاء …..فهلا سرنا على دربهم, واهتدينا بهديهم؟
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.