يوم فقدت المرأة المسلمة درعها الحامي (مترجم)
أخواتي العزيزات، ماذا يعني لكنَّ الثالث من آذار 1924؟ أهو مجرد تاريخ عادي مدفون في كتب التاريخ؟ بالنسبة لي، إنه اليوم الذي يجلب الدموع إلى عيوني ويحرق القلب – ففي هذا اليوم قبل 90 عاما فقدت المرأة المسلمة درعها، وولي أمرها، وحاميها – إنها الخلافة الإسلامية.
فقدت المرأة قيادتَها الإسلامية التي خاضت الحروب لحماية كرامتها، وجيّشت الجيوش دون تردد لتحريرها من الظالمين، لقد فقدت الحكامَ الذين تحملوا أعباءها الاقتصادية ليلبوا لها ولعائلتها ما يحتاجونه، هؤلاء القادة الأتقياء الذين سهروا على خدمتها، وذرفوا الدموع خوفا من التقصير في رعايتها وعلى مسؤولياتهم الكبيرة تجاهها، كانوا يحملون الطعام لها بأيديهم عندما تجوع ويمتنعون عن تناوله حتى تشبع.
فقدت النظامَ الإسلامي الذي كانت تتمتع في ظله بكونها مركز الانتباه فيما يتعلق بالرعاية والحماية، حيث كان ينظر لكرامتها على أنها أغلى من كل كنوز الأرض، وكان الرجال يخشون أن ينطقوا بكلمة واحدة ضد شرفها، إنه النظام الذي أوجد الازدهار في أرضها؛ النظام الذي مكنّها من انتخاب من يحكمها، ومحاسبته علنا دون خوف؛ النظام الذي أنجب الآلاف من العالمات، والذي كان رائدًا في مجال تعليم المرأة. إنه النظام الذي في ظله تحولت الجارية إلى أمٍّ للسلاطين، هو ذلك النظام حيث الخليفة والقاضي أوصياء على حقوقها، يحمونها من الاستغلال أو الإساءة، ويبذلون كل الجهود لضمان العدالة لها كما أوجبتها أحكام الإسلام.
فقدت دولتَها الإسلامية التي رفعت شأنها كزوجة وأمّ، مما جعلها حجر الزاوية في الأسرة، فقد منحتها قيمة عظيمة، ورفعت عن كاهلها عبئا ثقيلا في توفير القوت لنفسها، وأمرت بمعاملتها باحترام غير مشروط كمربية ومعلمة للأجيال القادمة. لقد فقدت مجتمعا يحيط أطفالها بالقيم والقوانين الإسلامية الصافية النقية، ويتعلمون في بيوت ومدارس إسلامية توجِد شباباً يتمتعون بشخصيات إسلامية متميزة بالأخلاق الحميدة والسلوك القويم، عبيدًا مخلصين لله سبحانه وتعالى، أبطال الإسلام، ومواطنين مستقيمين يتحملون أعباء مجتمعهم وأمتهم، حاملين للدعوة، خصومًا شرسين للفساد والظلم، تتمثل فيهم صفات قادة البشرية.
إنها الدولة حيث كانت مكانة المرأة فيها، وضمان حقوقها، وحسن معاملتها موضع حسد من نساء العالم.
وعلى ماذا حصلت مقابل كل ذلك على مدى التسعة عقود الماضية نتيجة فقدان الدرع الحامي لها؟ حياتها أصبح يسودها الموت والدمار والفقر والمهانة والعوز واليأس، وحُكمت من قبل أنظمة دكتاتورية قمعية سرقت ثرواتها، وحكمتها بالإرهاب، وسجنت وقتلت شعبها لقولهم الحق، أُجبرت على التسول في الشوارع، وبيع جسدها، أو التخلي عن أطفالها بحثا عن العمل في الدول الأجنبية لإطعام نفسها وأسرتها. امتهنت البحث في صناديق القمامة للحصول على فضلات الطعام وشاهدت أطفالها يموتون من الجوع. لقد أصبحت أداة لتوليد الثروة للشركات والحكومات، وضحية للمبتزين، وهدفا للرأسماليين والمجرمين الذين استغلوا كرامتها من أجل الربح، وأصبح مجتمعها يعاني من انتشار العنف وانعدام الأمن والقانون. وحُكمت من قبل أنظمة لم تولِها الرعاية، وحرمتها من حقوقها، ولم تحقق لها العدالة.
أصبحت أرضها محتلة من قبل حكومات أجنبية دمرت ممتلكاتها وذبحت عائلاتها وأفلتت من العقاب. شاهدت أطفالها يذبحون أمام أعينها من قبل الحاقدين على الإسلام، فانتهكوا كرامتها وطردوها من بيتها، ولم يأت جيش لإنقاذها، ولا دولة توفر لها عيشا طيبا في أمن وسلام، وأصبحت تُشتم وتُهان وتُهاجم للباسها الإسلامي وتُضطهد وتُسجن وتُعذب لقولها الحق أمام حكام ظلمة يعتبرون الدعوة للإسلام جريمة.
لقد أصبح دورها كزوجة وأم مُهملاً لا قيمة له، وأصبح أبناؤها عرضة للفجور، وفساد الأخلاق، والقيم الرأسمالية والليبرالية الغربية السامة المستوردة بحرية والتي تطبقها وتروج لها الحكومات العلمانية. ونتيجة لذلك تأثرت بالمصائب الفردية والمادية ذاتها التي تصيب المجتمعات الغربية فتولّد العصيان وعدم الاحترام تجاه الآباء والأمهات وكبار السن. لقد أصبحوا نسخة عن الغرب في الهوية واللباس، وتبنوا ثقافة الرضا عن النفس المدمِّرة ونمط الحياة الذي يروَّج له بالحريات الشخصية والجنسية التي تدفع الكثيرين إلى شرب الخمور وتعاطي المخدرات وإقامة العلاقات غير الشرعية. وانتهكت وحدة الأسرة المسلمة المقدسة مع ظهور الزنا والطلاق، مما أدى إلى حسرة الرجال والنساء والأطفال على حد سواء.
أخواتي العزيزات، هذا هو الواقع المؤلم الذي أعقب ما حدث في الثالث من آذار عام 1924، ذلك اليوم المشؤوم الذي فقدنا فيه درعنا، وولي أمرنا، وحامينا. يوم لا يجوز أن يكون مهملا في التاريخ، بل يجب أن يظل محفورا بقوة في عقولنا، إنه يوم يلفّه الحزن والأسف – يوم ينبغي أن يكون بمثابة تذكير عظيم لما فقدناه نحن النساء المسلمات جراء زوال نظام الله سبحانه وتعالى، الخلافة الإسلامية عن الأرض.
حقا تكفي تسعة عقود طويلة مظلمة من المعاناة التي لا تطاق، والإهانة، والبؤس والشقاء لبنات هذه الأمة! فإن القلب ينكسر عندما نفكر في كل تلك الامتيازات ونِعَم الله سبحانه وتعالى التي لا تحصى التي أسبغها على المرأة المسلمة في ظل نظامه، والمسطرة في كتب التاريخ وفي بطون النصوص الإسلامية بدلا من أن نتشرف بها في حياتنا. ومع ذلك لا زال هناك أمل كبير في عودة درعنا الحامي وعلوّه مرة أخرى من بين الدمار لينير هذا الكون بعدالته وقيمه السامية كما كان. وسنشهد بإذن الله نسائم التغيير عندما تُرفع راية الإسلام في جميع أنحاء العالم فيلبّي النداء الرجال والنساء على حد سواء.
أخواتي الحبيبات، ندعوكنّ أن تكنّ جزءا من هذا التغيير التاريخي الكبير من عودة للخلافة المجيدة التي ستستأنف الحياة الإسلامية على أرضنا الإسلامية وتعيد الكرامة والعدالة والحماية للنساء المسلمات، ندعوكنَّ أن تكنَّ جزءا من هذا العمل لإعادة الحياة إلى الدولة التي ستُعلم العالم الاحترام والمكانة العالية التي تستحقها المرأة وكيف يجب أن تُعامل، ندعوكنَّ للانضمام لأخواتكنَّ في حزب التحرير لبذل كل جهد ممكن لتحقيق هذا الفرض بتحكيم شرع الله في هذه الأرض والتي سوف تؤمن لكنَّ إن شاء الله المكانة العالية والثواب العظيم في الآخرة.
لنجعل هذا الظلم الذي طال عقودا طويلة ومؤلمة على نساء هذه الأمة، والمعاناة في غياب الدرع الحامي، لا يقتصر على كتب التاريخ، ولنبدأ فجر حياة جديدة ملؤها الكرامة والهدوء في ظل الخلافة النبيلة.
﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نوّاز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
2014_03_03_Art_Nazreen_The_day_the_Muslim_Woman_lost_her_shield_AR_OK.pdf