Take a fresh look at your lifestyle.

لا يستوي الظلُّ والعُودُ أعوج

 

ديمقراطية علمانية كالحة، مجتثّة من فوق الأرض ما لها من قرار، نباتها نكد، بنت قلاعها وأسّست بنيانها على شفا جرف هارٍ! أدخلتها على هذه الأمّة جبرًا وقسرًا فكان السكوت غصبًا دون الرّضا، إلى أن كانت ثورة كادت تذهب بريحك وترجعك إلى شعوبك مذمومًا مدحورًا، تنتظر الفتح لتدخل شعوبك – التي ما سلمت من تضليلك – في دين الله أفواجا!

نعم، أنت المدان وعليك المحاسبة والمساءلة! لأنّك استمرأت الوقاحة والنذالة وجعلتً الكذب ديدنك أينما حللت وأينما ارتحلت، فنصّبتَ نفسك وصيّا على الأمن والأمان، نصيرًا للشعوب مناهضا ‘للإرهاب’ دون أن يكون لك نصيب من حياء تحفظ بعض قطرات ماء وجهك إن كان هناك بقيّة!

عفوًا ومعذرةً، فقد علّمني ديني ولاءً وبراءً ووعيًا سياسيًّا يجعلني أتمثّل أنّي “لستُ بالخبّ ولا الخبّ يخدعني”، علّمني أنّك لن تكون كافرًا مستعمرًا إن لم تزيّف الحقائق وتقلّب الأمور وتجعل من الحقّ باطلاً ومن الباطل حقًّا! لن تكون مضلّلا مخادعًا إن لم تجعل من الجلاّد ضحيّة ومن المجرم منقذا ورجل إطفاء! تدّعي النّور والاستنارة والعقل والعقلانيّة، لا بل بلغتَ الحداثة فـ ‘ما بعدها’، وجاهدًا تسعى لتجعل من قيمك “كونيّة” ومن نظامك “عالميًّا” لتجعل من الإسلام؛ بدولته العليّة ومشروعه العملاق، وأهل دعوته الصّادقين وأمّتهم الحاضنة لهم، مقرّنين في أصفادك؛ إمّا أن يكيّفوا أنفسهم حسبك أو يكونوا خارج سياق الكون والإنسان والحياة!!

كم أنت “مسخرة” وممتلئ بالتّناقضات الغريبة، فرُحتَ ترقّع حتى اتّسع الخرق على الرّاتق، فلا ثوبك ينفع ولا أنت تبصر ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ‌ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ‌﴾! أنتَ تعرّف الإرهاب على أنّه “تطبيق فكرة سياسيّة بقوّة السّلاح”، وهكذا تضع الأصفاد في يديك وتدخل سجنَك وتُقفل بابه خلفك، فنزيده نحن المسلمون إحكامًا والقفل إقفالاً، فأقول لك ولأبواقك ووكلائك في بلاد المسلمين عامّة وفي تونس – كاسرة الجبابرة – خاصّة:

إن كان ذاك تعريفك للإرهاب ‘فمن فمكَ أدينك’. ألم تُدخِل ديمقراطيّتك العلمانيّة ديارنا بالدبّابة الحربيّة، بل وطُبّقت وترعرعت تحت سطوة الحديد والنّار – فذاك لها أوكسجين – برعاية الدكتاتوريّة المقيتة!!

فالعلمانيّة بلا الحديد والنّار إنّما أسماك بلا بحار! أم أنّ المسلمين فرّطوا في دولتهم طوعًا وسلّموا قيادتهم لهؤلاء الرّويبضات عن رضًا واطمئنان؟!! أليست حدودكم – تلك المحطّات الآثمة – التي تمزّق جسدنا لتجعل منّا – نحن أمّة الإسلام – أممًا وشعوبًا قد رُسمت قهرًا وجبرًا؟! ألم تدخل أيّها الماكر على هذه الأمّة العزيزة بدينها، القويّة بربّها، على حين غرّةٍ من أبوابٍ متفرّقة ولكنّها كلّها “خلفيّة” لأنّك اعتدت الاختباء وراء الجدر (الرّويبضات) وإخفاء وجهك الاستعماري، فبدأت الغزو ثقافيّا فكريّا يتلوه غزوٌ سياسيٌّ وانتهيت بالاستعمار العسكريّ، تدكّ بنية أمّتنا النّفسية ونسيجها العقائديّ وكيانها السّياسيّ التّنفيذي هادمًا دولتها دولة الخلافة!! فمن الإرهابيّ ومن هو أصل الإرهاب بربّك؟!

أم أنّك أقمت على الدّيمقراطية العلمانيّة التي تتميّز غيظًا من الإسلام وأهله والتي جئتَ بها على ظهر دبّابة حربيّة، حتى إذا استتب لك الأمر أكملت الفصل الأخير من المسرحيّة وسحبت جندك لإيهامنا بالاستقلال المزيّف، فتشعر الشّعوب بأنّها في وضعيّة الاختيار… وإن هو إلا اضطرار في صورة اختيار! هل أقمت عليها – أيّها الماكر – وعيًا عامًّا فرأيًا عامًّا فكانت مطلبًا لدى المسلمين؟! أم أنّك أقمت دماءً وأشلاءً وأسلاكًا وحدودًا وسدودًا ودساتير بلا حدود! وغلّقتَ الأبواب على الشّريعة ودولتها أن تعود!! أليس هذا الإرهاب بل عين الإرهاب! غريبٌ أنت أيّها الغرب الكافر وفي الوقاحة عريق… أنت تقتل القتيل وتتّبع جنازتَه!!

وتعميمًا للفائدة أقول أنّ مكر الله هو أن يأتي اللهُ العدوَّ من طرق تخفى عليه، ويلهم أولياءه رشدهم ويجعل لهم مخرجًا يخفى على عدوّهم، ومن ذلك القبيل أتى الله بنيان الغرب من قواعده ليتأرجح ويترنّح… ولعلّي والمسلمين نشهد السّقف وهو يخرّ على رأسك ورأس عملائك في شام العزّ والإباء؛ حيث مقبرة الحضارة الغربيّة وميلاد دولةٍ قويّة “خلافة على منهاج النبوّة ” بإذن الله، سواءً انبثقت هناك أو كانت في غيرها، فتكون الشّام هي المستقرّ…

أمّا ما صدر من مهدي جمعة من تصريحات حول الوضع الاقتصادي والإرهاب وتحييد المساجد وغيرها من حركات فلن أعلّق عليها؛ إذ إنّني اخترت أن لا أتحدّث عليه لأنّه ليس إلا “رجعٌ وصدًى” لصندوقٍ نهبٍ دوليّ وإجراءاته ‘الأليمة’، وهو ظلّ لبرتيش غاز وبتروفاك وغيرها من الشّركات الاستعمارية… لذلك فضّلت أن أتحدث على الرّابضة دون الرّويبضة، وعلى العود دون الظلّ؛ إذ كما هو معلوم بداهة “لا يستوي الظلّ والعود أعوج”.

روى أبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ يا رسول الله؟ قَالَ: «السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ». (رواه الإمام أحمد في مسنده)

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد بن حسين – تونس

 

 

2014_03_13_Art_no_straight_shade_with_crooked_stick_AR_OK.pdf