Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق مشروع السلام سراب يحسبه الظمآن ماء


الخبر:

لقد تعددت زيارات وزير خارجية أمريكا للمنطقة، حتى لكأنه أصبح مقيمًا فيها، ووقع عباس بعض الاتفاقيات ذات الشأن الدولي، ورفضت يهود الإفراج عن الأسرى، وأوقفت يهود المحادثات، وتبادلوا الاتهامات، وتعددت التصريحات.

 

التعليق:

أولاً: إن تعدد جولات كيري وزير خارجية أكبر دولة ليدل دلالة واضحة على عجزها وضعفها، وتراجع مكانتها الدولية. صحيح أن الأوراق لم تخرج من يدها، لكنها فقدت المقدرة على التحريك أو التأثير أو القيادة نتيجة لظهور عجزها وارتباكها، وتعدد تجاربها حتى فقدت هيبتها، لدرجة أن وزير دفاع كيان يهود قال: “جاء إلينا كيري وهو عاقد العزم، وينطلق من منطلق فكرة غير مفهومة سيطرت عليه، ويشعر بأنه المخلص المنتظر، لا يمكن أن يعلمنا شيئًا واضحًا عن الصراع مع الفلسطينيين”.

ثانيًا: إن مقومات القيادة الأمريكية تلاشت، والضعف الشديد الذي طرأ على الولايات المتحدة نتيجة الأزمات الداخلية (السياسية والاقتصادية المالية والاجتماعية) وتعدد وظهور تناقض المصالح بين المجال الدولي لأمريكا مع المجال الإقليمي لبعض الدول، مما جعل بعض وسائل الإسناد الخارجي لها أبعد عما كانت عليه سابقًا.

ثالثًا: إن أرضية الانقياد لأمريكا في المنطقة لم تعد كما كانت سابقًا أيضًا من حيث ثورة الأمة، وضعف أدوات ووسائل أمريكا في المنطقة وهم الحكام، وزوال حاجز الخوف من الحكام، والتطلع لمشروع سياسي منبثق عن عقيدة هذه الأمة، وعلى رأسها ثورة الشام المباركة التي خلطت الأوراق، وكانت طليعة أمة عظيمة ذات تاريخ عريق!

رابعًا: إن مشروع السلام الأمريكي هو مشروع إطار لاتفاقية، وبمعنى أدق: ليس هناك خطة واضحة المعالم، ولا خارطة طريق، ولا تصور للحلول، ولا وقوف على حقيقة المنطقة، وإنما لملمة الطرفين لالتقاط الصور وتبادل القبلات، والزعم أن أمريكا لا زالت موجودة، وأن الأمور لا زالت بيدها، مع إدراك أمريكا لضعفها، فهي تهدد يهود بزوال مفهوم الأمان والعقوبات الدولية، ووجودها في بحر من العرب والمسلمين: أرضهم ثائرة، وشعوبهم متحدة على فكرة واحدة، ولديهم مفهوم للقضاء على يهود، فتريد أمريكا أن تستبق الأحداث خشية ظهور مشروع جديد في المنطقة، يقضي عليها وعلى بقية وجودها، وعلى ربيبتها كيان يهود، وعلى أدواتها حكام المسلمين وأذنابهم وعملائهم.

وأخيرًا: إن سنن الله ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، فزوال القوة الأمريكية حقيقة ماثلة للعيان، وهي ليست قدرًا محتومًا، ولا قضاءً لازمًا، بل إن زوالها مدرك حتى لمفكريها وأغلب دول الغرب، فأكثر الكتب تتكلم عن صعود أمريكا السريع، والسقوط الأسرع والهاوية، وهي مثل بقية الحضارات والدول التي زالت قديمًا، فأقدام أمريكا على التراب، وليست عميقة في المنطقة، فبريطانيا ذات الجذور زالت، وسقوط أمريكا سيكون مدويًا وكبيرًا كما سنَّهُ الله رب العالمين بسقوط الكفر.

قال تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾. [الحج: 31]

فأمريكا غير قادرة على البقاء في المجال الدولي، فلا بد لها من العودة بداية لمكانها في نطاق حدودها فهناك حاليًا مكان للعيش لها. أما حال أمتنا فهي ترتقي من درجة لأخرى، ولو مع التضحيات والصبر، فلا نصر بدون تضحية، ولا عز بدون دماء.


قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾. [البقرة: 155-157]

وقال الشاعر:

دَبَبْتُ لِلمَجدِ وَالسَّاعُونَ قَد بَلَغُوا            جُهْدَ النُّفُوسِ وَألقَوا دُونَهُ الأُزُرَا

وَكَابَدُوا المَجْدَ حَتَّى مَلَّ أكثرُهُمْ          وَعَانَقَ المَجْدَ مَنْ أوفَى وَمَن صَبَرا

لا تَحْسَبَنَّ المَجْدَ تَمْراً أنتَ آكِلُهُ            لَن تَبلُغَ المَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرَا

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان / أبو البراء