خبر وتعليق إلغاء القانون الذي يجرم التمييز العنصري في أستراليا
الخبر:
قال المدعي العام الفيدرالي الأسترالي جورج براندس إن من حق الأستراليين أن يكونوا متعصبين في آرائهم، وأن يعبروا عن تلك الآراء بكل حرية، حتى وإن ضايقت البعض. ودافع السيناتور براندوس عن حرية التعبير، وخطط حكومته لتغيير قوانين التمييز العنصري، وأضاف: “في بلد حر، من حق الناس التفوه بأشياء يراها آخرون هجومية أو عدائية أو متعصبة”. وكان توني أبوت رئيس وزراء أستراليا قد وعد خلال الحملة الانتخابية للائتلاف بحذف المادة “C18” من قانون التمييز العنصري، والتي تنص على تجريم أي ألفاظ علنية تحمل هجوما أو سبابا أو إهانة أو تخويفا، من شخص أو من مجموعة أشخاص. وعلق أبوت قائلا: “لا مكان بالطبع للعنصرية والتعصب، لكننا نريد أيضا أن تصبح أستراليا دولة يتمتع فيها السكان بحرية التعبير عن الرأي”. وتابع: “وأحيانا، قد يحمل الخطاب الحر بعض الكلمات التي قد تزعج الآخرين، أو تسيء إليهم…”.
التعليق:
اتسمت سياسة الدول الغربية تجاه سكانها المسلمين بثبات الهدف من جهة والتغيرات المثيرة والكثيرة في الوسائل والأساليب لتحقيق ذلك الهدف، سواء من حيث القوانين أو الممارسة العملية التي كانت تتخطى القوانين أحيانا كثيرة.
أما من حيث الهدف، فللوهلة الأولى بعد الحرب العالمية الأولى وبعيد الحرب العالمية الثانية، ظن الغرب أنه قادر على تحقيق انتصار استراتيجي على المهاجرين المسلمين بتذويبهم في المجتمعات الغربية، ذلك الذوبان الذي شبهه أحدهم بذوبان كأس خمر عندما تهرقه في نهر جارٍ.
الحسابات المادية البحتة التي جعلت الغرب مطمئنًا لتحقيق ذلك النصر، والتي تقول، إن مجموعات بشرية، ضعيفة، منهكة، جاهلة، خارجة للتو من هزيمة فكرية وسياسية وعسكرية، غير واثقة ومبهورة بالغرب المنتصر، تلك الجماعات لن تقوى على الصمود والتميز في مجتمعات غربية قوية، متقدمة، مبهرة.
قوة العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي وعمق تغلغل الإسلام في ثنايا نفوس المسلمين، جعل حسابات بيادر الغرب تتلاشى أمام حسابات حقول المسلمين، فذهبت أحلامهم أدراج الرياح.
فمنذ أواخر ستينات القرن الماضي بدأت آثار انتصار العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامي تتجلى في استعادة ثقة تلك المجموعات بدينها وبنفسها وانعكس كل ذلك على سلوكها وبالذات على سلوك أجيالها الشابة والتي ولدت وترعرعت في الغرب، وللمفارقة فإنها الأجيال ذاتها التي راهن الغرب عليها، وذلك فضل الله.
لم يستسلم الغرب، فالهدف ثابت ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾، فتبنى ما سمي بسياسات الدمج، معتمدا على فكرة كاذبة ومغالطة، مفادها أن المجتمعات الغربية هي مجتمعات متعددة الحضارات، متناسين أن المجتمعات الغربية هي مجتمعات رأسمالية من رأسها حتى أخمص قدميها.
وإمعانا في الخداع والمغالطة عملت الدول الغربية وعبر مجموعة من التشريعات والأعمال على إنجاح سياسة الدمج تلك، فكثر الحديث عن التسامح والحوار والتناغم، وسنت قوانين تجريم العنصرية، وهذا القانون الذي سيلغى في أستراليا الآن كان قد سن عام 1995 في ذلك السياق، ونشطت وزارات الهجرة والدمج، وقالوا للمسلمين إن تعدد الحضارات يتمثل في السماح بدور العبادة والذبح الحلال والمطاعم والألبسة الشرقية.
لقد بذلت السياسات الغربية مجهودا عظيما لإنتاج إسلام يتوافق مع منظومتهم العقائدية والفكرية والقيمية، يلغى فيه البعد المبدئي العقائدي المتميز والمتعالي على ما سواه، ويلغى الحرام والحلال كمقياس لأعمال المسلمين، ليحل مكانهما المصلحة والنفعية كما هي الحال في النظام الرأسمالي، ويتحول فيه مفهوم السعادة من نوال رضوان الله إلى تحقيق المتع والملذات المادية، وتلغى فيه مفاهيم الدولة والشريعة والأمة والولاء والبراء.
لقد شهدت هذه المرحلة ولا زالت كما هائلا من الكذب والنفاق والمغالطات، وبذلت أموال، وسخرت للأسف جمعيات وشخصيات إسلامية، إما لضعفها وانهزامها أو لعدم إدراكها حقيقة الصراع بين الإسلام والكفر أو لتحقيق مصالح ذاتية رخيصة لها، أو لخيانة سقط فيها البعض.
رغم الظاهر المخادع الذي قد يوحي بأن الغرب حقق في سياسة الدمج أكثر مما حققه في سياسة التذويب إلا أن الحقيقة هي أن الغرب قد خسر معركة القلوب والعقول، وأبت قلوب المسلمين أن تنعقد على غير الإسلام كما أبت عقولهم أن تسلم زمامها للفكر العلماني اللبرالي الغربي، بل تعدى الأمر مجرد إيمانها بالإسلام واعتزازها به إلى أبعد من ذلك بكثير عندما حملت أجيالها الشابة الدعوة الإسلامية إلى الشعوب الغربية واستطاعت بفضل الله أن تكسب الملايين للإسلام، مسطرة بذلك معجزة أخرى للإسلام.
سياسة التكشير عن الأنياب ومحاولة إدخال الرعب على المسلمين عبر إزالة القوانين التي قد توفر بعض الحماية للمستضعفين لم تبدأ اليوم، بل إن المتابع العادي يلحظها منذ سنوات، عبر سن الكثير من القوانين الجائرة التي تستهدف المسلمين تحت غطاء مكافحة الإرهاب والتطرف بل وعبر الممارسات التي تتخطى القوانين المكتوبة أحيانا.
إذا كان بعض الحاقدين أو قصيري النظر من صانعي السياسة في الغرب يظنون أنهم بإعطاء الإعلام واليمين العنصري الضوء الأخضر والغطاء القانوني للمزيد من استهداف المسلمين وإيذائهم والضغط عليهم، سيحققون ما فشلوا فيه عبر السياسات السابقة فهم جدا واهمون. وليعلموا أن المجتمعات لن تنعم بالأمن والطمأنينة إذا ما اضطهدت بعض مكوناتها، وإن أمن المجتمعات كل لا يتجزأ، ينعم به الجميع أو يفقده الجميع.
أما المسلمون، فإنهم وإن لحق بهم أذى ومهما عظم، فلن يصيبهم أحد بإذن الله في مقتل، ولن يتمكن أحد كائنا من كان أن يكسر إرادتهم أو يزعزع إيمانهم.
﴿فَاللَّـهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس إسماعيل الوحواح – أبو أنس