مع الحديث الشريف من أحاط حائطاً
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى أبو داوود في سننه قال:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أرض فَهِيَ لَهُ”
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا): أَيْ جَعَلَ وَأَدَارَ حَائِطًا أَيْ جِدَارًا
(عَلَى أرض): أَيْ حَوْل أرض مَوَات
(فَهِيَ): أَيْ فَصَارَتْ تِلْكَ الْأرض الْمَحُوطَة (لَهُ): أَيْ مِلْكًا لَهُ أَيْ مَا دَامَ فِيهِ.
كَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاح. قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: يَسْتَدِلّ بِهِ مَنْ يَرَى التَّمْلِيك بِالتَّحْجِيرِ، وَلَا يَقُوم بِهِ حُجَّة، لِأَنَّ التَّمْلِيك إِنَّمَا هُوَ بِالْإِحْيَاءِ وَتَحْجِير الْأرض وَإِحَاطَته بِالْحَائِطِ لَيْسَ مِنْ الْإِحْيَاء فِي شَيْء، ثُمَّ إِنَّ فِي قَوْله عَلَى أرض مُفْتَقِر إِلَى الْبَيَان إذ لَيْسَ كُلّ أرض تُمْلَك بِالْإِحْيَاءِ. قَالَ الطَّيِّبِي رَحِمه اللَّه: كَفَى بِهِ بَيَانًا قَوْله أَحَاطَ فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ بَنَى حَائِطًا مَانِعًا مُحِيطًا بِمَا يَتَوَسَّطهُ مِنْ الْأَشْيَاء نَحْو أَنْ يَبْنِي حَائِطًا لِحَظِيرَةِ غَنَم أو زَرِيبَة لِلدَّوَابِّ. قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمه اللَّه: “إذا أَرَادَ زَرِيبَة لِلدَّوَابِّ أو حَظِيرَة يُجَفِّفُ فِيهَا الثِّمَار أو يَجْمَع فِيهَا الْحَطَب وَالْحَشِيش اِشْتَرَطَ التَّحْوِيط، وَلَا يَكْفِي نَصْب سَعَف وَأَحْجَار مِنْ غَيْر بِنَاء”. كَذَا فِي الْمِرْقَاة.
أحبتنا الكرام:
الأرض من أهم مصادر الإنتاج إذ فيها المعادن الضرورية لحياة الإنسان من نحاس وذهب وحديد وملح وماء وبترول وغاز وغيرها الكثير ……كما أنها فيها تنمو النباتات المختلفة الشجرية والبرية والموسمية فيشكل إنتاج الأرض من النباتات والمعادن أهم المصادر الطبيعية لإنتاج الثروة كما يساهم إنتاج الأرض بصورة مباشرة وغير مباشرة في تنمية الثروة وزيادتها …. إذ عليه تقوم الصناعة والتجارة لتتشكل بذلك العناصر الثلاثة لإنتاج وتنمية الثروة لدى الأفراد وبالتالي لدى المجتمع وهذه العناصر هي: الزراعة والتجارة والصناعة.
من هنا نجد الإسلام قد عني عناية خاصة بالأرض ووضع لها الأحكام التي تجعلها تعطي كل ما لديها من خيرات ومنافع ولا تبخل بها على الإنسان .
ومن هذه الأحكام:
أن الشرع قد جعل الأرض أرضين:
أرضاً عُشرية وأرضاً خراجية
كما أنه جعل الأرض من حيث ملكيتها جعلها ثلاثاً: ملكية فردية وملكية عامة وملكية دولة.
ومنها حكم إباحة إحياء الموات من الأرض, والأرض الموات هي التي لم يظهر عليها أنه جرى عليها ملك أحد فرداً كان أو دولة ….فلم يظهر فيها تأثير شيء من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحوها فالشرع يملك الأرض لمن يحييها.
تشجيعا للأفراد على العمل في الأرض واستخراج خيراتها
ومنها حكم تحجير الأرض الذي هو موضوع حديثنا لهذا اليوم
وتحجير الأرض هو كالإحياء سواء بسواء، فالتحجير يملك به المحتجر التصرف بالأرض المحتجرة بدلالة الحديث، فله أن يحييها أو يبيعها أو يهبها أو يورثها ….
وتمليك الأرض لمن يحتجرها يشمل المسلم والذمي, كما أنه يشمل الأرض العشرية والخراجية ….في دار الإسلام أو دار الكفر لأن الحديث جاء عاما ومطلقاً في كل أرض وكل إنسان.
ومن الجدير ذكره أن هناك شرطاً هاما لتملك الأرض المُحْيَاةِ أو المُحْتَجَرَةِ ألا وهو استثمار تلك الأرض خلال ثلاث سنين من تاريخ وضع يده عليها وأن يستمر إحياؤها باستغلالها, لأنه إن لم يستثمرها خلال ثلاث سنين من تاريخ وضع يده عليها أو أنه أهملها بعد ذلك مدة ثلاث سنين متوالية فانه يفقد حقه في ملكيتها لما رواه أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب: قال عمر بن الخطاب: “….وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين”، وقد قال عمر ذلك وعمل به على مرآىً ومَسْمَعٍ من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعاً.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.