خبر وتعليق على ماذا يتصالحون
الخبر:
قالت الولايات المتحدة أنها ستعيد النظر في مساعداتها للفلسطينيين إن هم شكّلوا حكومة وحدة لا تعترف “بإسرائيل”، ولا تنبذ العنف بصراحة. وذلك بعد يوم من إعلان مصالحة فلسطينية في غزة، انتقدتها “إسرائيل” بشدة، ورأتها مناقضة للسعي إلى السلام، في حين لم ترَ السلطة الفلسطينية تناقضًا بين المصالحة والسلام. وقد عبّرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية (جينفر بساكي) قبل ذلك عن خيبة أملها في اتفاق المصالحة الذي وقّعه الفلسطينيون في غزة، وحذّرت من أنه قد يعقّد جدّيًا الجهود الجارية لتحريك عملية السلام. وفي “إسرائيل” قال أوفير جندلمان (المتحدث باسم نتنياهو): “إن على الرئيس الفلسطيني أن يختار بين المصالحة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والسلام مع إسرائيل، ولا يمكنه اختيار سوى أمر واحد، لأن هذين الخيارين متوازيان ولا يلتقيان”!
التعليق:
يؤكد طرفا المصالحة (سلطة عباس في رام الله، وحكومة حماس في غزة) على الالتزام بالشرعية الدولية والمبادرة العربية، التي تؤكد على شرعية دولة يهود على أكثر من ثلثي أرض فلسطين، والرضا بإقامة دويلة مقطّعة الأطراف على أقل من ثلث أرض فلسطين، فيما يُسمى بخط الرابع من حزيران. كما أن كلا الطرفين قد اختار السلام الاستراتيجي مع دولة يهود، فهذا الخيار لعباس وأزلامه عقيدة، وأنشودة طالما رددوها على مسامعنا، وهو لحكومة غزة كان ضمن ما يُسمى باتفاقية التهدئة التي وقّعتها مع دولة يهود برعاية المخابرات المصرية، التي تمسك بملف غزة منذ عام 2008م، بالرغم من عدم التزام دولة يهود بها وخرقها مرات عديدة.
وإن كان كلا الطرفين ملتزمان بتحقيق ما لا تحلم به أمريكا وربيبتها دولة يهود، فما تفسير تصريحات أمريكا ويهود؟ جواب ذلك هو أن تسويق المصالحة للمسلمين وأهل فلسطين يتطلب أن تبدو المصالحة مخالفة لرغبات أمريكا، وربيبتها دولة يهود وعلى غير إرادة منهما. وها هي دولة يهود تمدّ للقاء المصالحة “المغضوب عليه” أسباب النجاح، فتدعمه بسماحها لوفد عباس بالذهاب إلى غزة مرورًا بمناطق فلسطين المحتلة، التي تعتبرها دولة يهود ملكًا لها، في الوقت الذي تمنع فيه المرور أو حتى التنسيق من أجل معالجة مريض من أهل غزة في مستشفيات الضفة الغربية!
وكذلك الأمر، فإنه في الوقت الذي يُغلق فيه معبر رفح أمام الطلاب والمرضى وأهل غزة ويُمنعون من السفر عبره، بحسب الاتفاقيات المبرمة بهذا الشأن بين مصر ودولة يهود، يُفتح المعبر أمام موسى أبو مرزوق والوفد المرافق له لحضور لقاء المصالحة “المغضوب عليه” بإذن من دولة يهود. كما أن الجميع يعلم حقيقة المخابرات المصرية وعمالتها لأمريكا بحيث لا تخالف لها أمرًا، ووقوفها حرسًا لدولة يهود فلا تسمح لأي شخص غير مرغوب به بالتنقل بين طرفي الحدود الفاصلة بين غزة ومصر عبر معبر رفح. أفبعد كل هذا يُقال بأن “المصالحة” حصلت على غير إرادة من يهود وأمريكا؟!
إنّ التسويق لتفريط سلطة رام الله وحكومة غزة يتطلب هكذا مسرحية هزلية وكذبًا وتدليسًا على المسلمين، مسرحية تُعرض فيها الخيانة على أنها انتصار، والتفريط على أنه إنجاز. لذلك يجب على المسلمين وعلى أهل فلسطين إدراك هذا الفصل الخياني الذي تخطط له كل من سلطة رام الله وحكومة غزة، والذي يُعبّر عن رؤى الديناصور الأمريكي (جون كيري)، فمصالحتهم هذه هي على تصفية قضية فلسطين وليس على تحريرها، وأنّى لهم تحرير فلسطين وقد أسقطوا هذا الخيار منذ البداية، عندما عرّفوا فلسطين على أنها الضفة الغربية وغزة، أي أقل من ثلث فلسطين، وقبلوا بوجود دولة يهود على أكثر من الثلثين الباقيين.
إن هؤلاء الأقزام العملاء المتصالحين على الشر لن يقدروا على تصفية قضية المسلمين العقدية، وسيظلون يسترزقون من سحت الدولارات الأمريكية وما ينهبونه من أرزاق أهل فلسطين حتى تقوم دولة الخلافة قريبًا بإذن الله، الدولة التي ستقاتل كيان يهود وتقتلعه من جذوره، وتلقن هؤلاء الرويبضات المتآمرين دروسًا تنسيهم وساوس أنفسهم. ﴿…وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو عمرو