الجزائر مسرح الصراع الدولي
تنتقد كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية وكل أطياف الشعب نجاح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية والتركيز التام على شخصه وكرسيه المتحرك واعتبروها وصمة عار في جبين الشعوب الإسلامية عامة والشعب الجزائري خاصة، إلا أن المسألة أعمق من الخوض في شخص بوتفليقة وكرسيه المتحرك بقدر ما هو جار في كواليس الحكم ومدى نجاح الإنجليز في المحافظة على العمالة لصالحهم منذ الإتيان ببوتفليقة في التسعينات بإنقاذ الجزائر مما هي فيه من صراعات بين أركان العسكر وفراغ سياسي في الحكم وبعث الأمن والاستقرار لدى الشعب المنكوب الذي ذاق الويلات من حكم وبطش جنرالات فرنسا التي كانت تحكم الجزائر ولا زالت من وراء الكواليس.
وللحد من هذه الممارسات وتقليص نفوذهم خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي كادت أن تكون أيام غياب بوتفليقة عن الجزائر في المستشفى الفرنسي فال دوغراس بالاعتماد على المادة 88 من الدستور فكان من المفروض أن يواصل جناح السلطة الحكم وإن كان على الحالة الصحية المتردية لبوتفليقة لإتمام المشروع القديم الجديد ليكون الحكم في الجزائر مدنياً لا عسكرياً، فبوتفليقة يعتبر بالنسبة للجزائريين رمزا للمصالحة الوطنية ورمزا للجزائر المستقرة والقوية في المحافل الدولية، وكان من المؤكد لأغلب الساسة نجاح بوتفليقة في الانتخابات بالرغم من وجود منافس قوي (علي بن فليس) الذي يحظى بشعبية كبيرة لدى الجزائريين وإقراره شخصيا بالتزوير الذي سيحصل في الانتخابات لصالح بوتفليقة، إضافة إلى مباركة وزير الخارجية جون كيري لديمقراطية الجزائر وزيارته الخاصة لبوتفليقة في قصر المرادية قبيل الاستحقاقات الرئاسية وإبرامه صفقات اقتصادية وتجارية وأمنية، هذا وحده كاف لرضا الأمريكان على بوتفليقة مؤقتا ورضا بالواقع نتيجة لفقدانها للبديل الذي يمكَن لها من خلاله أخذ المنطقة.
هنا يظهر جليا للعيان خبث ومكر الإنجليز في قطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه دخول المنطقة خاصة حينما قرب بوتفليقة إليه أحمد أو يحيى رئيس حزب التجمع الديمقراطي المحسوب على ضباط فرنسا لامتصاص غضبهم وإشراكهم بممثلهم في الساحة السياسية وبالتالي يضع حدا للأعمال الإرهابية التي من شأنها أن تدخل البلاد في المجهول أو ربما تعيده إلى العشرية السوداء حسب ما هددوا به سابقا. إضافة إلى كل هذا السماح للمنافس المباشر لبوتفليقة علي بن فليس بإنشاء حزب “قطب التغيير” يضم في صفوفه 13 حزبا من المعارضة ليكون الحزب الأبرز سياسيا إلى جانب جبهة التحرير الوطني.
ولنجاح كل المخططات ورضا كل الأطراف بما أفضت إليه الانتخابات الرئاسية خاصة الشعب الرافض لعهدة رابعة تم افتعال بعض الأعمال الإرهابية وتحريك فزاعة إرهاب الشعب من عودة العشرية السوداء، ونذكر على سبيل المثال الأعمال الإرهابية في جبل الشعانبي حيث قتل جندي وجرح أربعة في إشارة إلى متشددين إسلاميين يهددون أمن الجزائر، ومقتل 14 جندياً في الجزائر إضافة إلى أحداث عبوات ناسفة من حين لآخر في الجامعات والتجمعات الأكثر كثافة سكانية. هذا لا يعني النجاح الكلي للإنجليز في المنطقة فلا بد من الإشارة إلى عدم استسلام بعض القوى الاستعمارية للواقع في محاولة منها دخول المنطقة كتحريك بعض النعرات الطائفية في غرداية والتزي وزي وفي كل منطقة القبائل الأكثر سخونة والرافضة لعهدة رابعة.
فالصراع ما زال قائما وعدة سيناريوهات يمكن أن تقع في الجزائر كثورة شعبية عارمة في كل المناطق أو انقلاب عسكري أبيض يقوم به قايد صالح رئيس الأركان على جناح الرئاسة لاختيار واحد منها يكون حاكما للبلاد خلفا لبوتفليقة أو انقلاب عسكري تقوم به أجنحة المخابرات على المؤسسة العسكرية وجناح السلطة وهذا بدرجة أقل وفشله مرتبط بمدى نجاح الإنجليز في تطهير المؤسسة العسكرية والسيناريو الرابع والأخير والأقل حظا على الأقل في الوقت الراهن بالذات هو انقلاب ضباط الأحرار على كل من الجنرالات والمؤسسة العسكرية وجناح السلطة.
هكذا هي الحال في كل بلاد المسلمين مسرح الصراع الدولي بين القوى الاستعمارية إلى بسط النفوذ ونهب الثروات ما دام المسلمون يفتقدون إلى دولة الخلافة حامية بيضة الإسلام والمسلمين.
قال تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سالم أبو عبيدة – تونس
2014_04_26_Art_Algeria_palce_of_international_conflict_AR.pdf