محاضرة – حقوق المرأة بين الإسلام والتغريب
الحمد لله رب العالمين القائل: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا أن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ أن اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [1] } وأصلي وأسلم على رسولنا محمد الذي جاءنا بالحق والبلاغ المبين، ليَحيى من حَيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
ربِّ اشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي من لدنك فرقانا، وذكّرني ما نسيت . أما بعد:
أيها الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبا بكم إذ لبيتم دعوتنا وتكلفتم عناء الحضور جعله الله في ميزان حسناتكم، وزادكم به شرفا عند مليككم.
أيها الإخوة الكرام،
لم يكن تعبير “حقوق المرأة” تعبيراً بريئاً، ولم يُنحت هذا الشعار استرداداً لحق فقدته المرأة من الرجل، أو من النظام القائم، بل كان مظهراً من مظاهر التمرد على أحكام الله، والانعتاق من هذه الأحكام شيئا فشيئا، تمهيداً لأن تنخلع هذه المرأة المسلمة من منظومة القيم التي تنتظم حياتها، وتقود سلوكَها فيها. وكان ترحيلاً لمشكلة المرأة التي كانت واقعة في حياة الغرب[2] قبل ما سمي بعصر نهضتهم. فهم كما رحّلوا إلينا مشكلة الفصام والصراع العنيف بين الدين والعلم التي عاشوها في تاريخهم فألصقوها بنا ظلما وعَدْواً ، رحّلوا إلينا مشكلة المرأة.استنساخا لمشاكلهم حتى نتقمص تاريخهم ونعيشه ونسير على هداهم ووفق مسعاهم تقليدا لهم واتباعا وتشبها واقتداءً. كأن تاريخهم يمثل طفولة لا بد أن نعيشها حتى نشب رجالاً على هداهم. اللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
ولقد كان من جرّاء تمكن الكفار المستعمرين، من بلاد المسلمين وسعيهم لتمكين الكفر من قلوب المسلمين وترسيخه في علاقاتهم، { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أن اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [3] } ،
وكذلك، من جرّاء استحكام عقدة النقص عند فئات منهم، وشعورِهم بأن الغرب لم يتفوق عليهم، إلا لأمر موجود عنده غير موجود عندنا، وهو طراز عيشه ونمط تفكيره وتسييره لنظام الحياة. فالتقى الماء على أمر قد قدر، مكرٌ يراد بالأمة لحرفها عن دينها من قِبل عدوها، وعجز مستحكم فيها بعد هزيمتها، أفضيا إلى التأسي بالأجنبي وتقليده، في ظل هذه الأجواء الملبدة نشأ مفهوم “تحرير المرأة” و”حقوق المرأة“، بل وصار للمرأة قضية تذكر وتثار، لان الأمة هزمت والمهزوم لا بد أن يفقدَ القوامة على نفسه وبيته وزوجته وأبنائه.لتُستكمل حلقات الهزيمة حتى تبلغ منتهاها.
ولقد بدأ هذه القضية أعلامٌ في الفكر والسياسة والفقه عرفوا بميلهم للأجنبي أو افتتانهم بمناهجه، أو التلقي عنه أو التأثر به، في الوقت الذي كانت الأمة ضعيفة ضعفاً يجعلها تشعر شعورا عميقاً بتفوق الكافر عليها، وتقدمِه في كافة مظاهر الحياة، لأن مبعث التميز الذي يتقدم به المسلمون وهوَ فهمُ دينهم وتسيير حياتهم بموجبِه، لم يكن حاضراً في حياتهم، بل كانت حياتهم من هذا كله خالية، مما يسّر أن يمتلئ الفراغ بما يتاح وهو الفكر الغربي الذي كان حاضراً، تدفعُ به دولٌ كافرة مستعمرة يهمها أن تزرع في نفوس المسلمين كل ما يبقيها في منصب الإمامة من عقولهم وقلوبهم، والقوامة على حياتهم وسلوكهم.
بزوال سلطان الإسلام عن الوجود، وهو الذي كان يقيم دين الله في الأرض، كان لا بد من تيسير انفلات الناس رجالاً ونساءً من أحكام الله، لكن الناس مؤمنون موحّدون، فلا بد إذن من استخدام الحيلة معهم، وإيهامهم بأسلوب خبيث أن المرأة تخضع لظلم الرجل . أي رجل؟ إنه زوجها الغاشم! أو أبوها الظالم! أو أخوها المتسلط المعتدي على حريتها! أو كلهم جميعا! كل هؤلاء خصوم المرأة! فالمرأة لها خصومة مستحكمة مع زوجها وأبيها وأخيها بل وأمّها التي تود صيانتها، ولا بد لخلاص المرأة من ذلك كله من قانون يحميها و يحمي حريتَها من هذا الظلم والتعدي، وقد كان ذلك لأن المرأة والرجل بمقدورهما أن يقيما حدود الله ضمن نطاق علاقتهما إلى حد كبير دون تدخل نظام الحكم نفسه، { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أن يَتَرَاجَعَا أن ظَنَّا أن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }[4]
فأراد الكافر أن يحارب ما تبقّى في مجتمع المسلمين من فضيلة على هذا الوجه، إذن لا بد من دستور ومواثيق تمنع المرأة من أن تكون شريكاً في إقامة حدود الله مع زوجها فكانت هذه المواثيق الظالمة التي يتواثقون عليها ظلما وعدوانا وفسوقاً عن أمر الله، بافتراض خصومة مدّعاة، وحرب مفترضة بين المرأة وأبيها وزوجها وذويها لأن هؤلاء جميعا أعداؤها وهم الذين ينتقصون حريتها في الغالب.
ولم تكن في الإسلام ومجتمع المسلمين هذه الخصومة وهذه العلاقة التي تستوجب ثورة نسوية { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [5]
وحتى يتقرر في أذهاننا كيف كانت المرأة المسلمة في العهد الأول تقرأ تصويرَ أحكام الشرع لعلاقتها بالرجل ، وصلتها به، يمكننا أن ننظر إلى وافدة النساء على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقلت يا رسول الله إني وافدة النساء اليك إنه ليس من امرأة سمعت بمخرجي اليك إلا وهي على مثل رأيي وإن الله تبارك وتعالى بعثك الى الرجال والنساء، فآمنا بك وبالهدى الذي جئت به وإن الله قد فضّلكم علينا معشر الرجال بالجماعة والجمعة وعيادة المرضى واتباع الجنائز وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى وإن أحدكم إذا خرج غازيا أو حاجّا أو معتمراً حفظْنا أموالَكم وغَزلْنا أثوابَكم وربّينا لكم أولادَكم وإنّا معشر النساء مقصورات[6] محصورات قواعد بيوتكم،
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه بوجهه كله فقال: سمعتم بمثل مقالة هذه المرأة؟ قالوا ما ظننا أن أحدا من النساء يهتدي إلى مثل ما اهتدت اليه هذه المرأة، فما نشاركم فيه من الأجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إعلمي وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تَبعّل[7] المرأة لزوجها واتباعَها موافقته ومرضاته يعدل ذلك كله فانطلقت تهلل وتكبر وتحمدالله عز وجل استبشارا.[8]
هكذا كانت صورة المرأة المسلمة أمام التشريع تدرك خصوصيتها وصلاحيتها لدورها امرأة تقوم بواجب الزوجة والأم والراعية في البيت، لكنها لا ترى في ذلك ضيرا لأن هذه هي حقيقة وظيفتها التي تتناسب معها لكن ما يؤرقها هو منزلتها عند الله هل هي متأخرة عن الرجل لأجل كونها لا تعمل أعماله، فبُشرت أن وظيفتها زوجة صالحة طائعة تعدل كل أبواب الخير التي فتحت للرجل.
إلا أن الكافر لا يريد لمثل هذا التصور القويم، وهذه العلاقة السليمة أن تنجح، فسارع إلى الفساد
فبدأ حملاته على المسلمين شارك فيها جيوش من من الكتاب والمفكرين والسياسيين والثوار منهم المحامي القبطي مرقص فهمي في كتابه “المرأة في الشرق” الذي أراد فيه خروج المرأة المسلمة عن أحكام الإسلام فقال : أن المرأة في الشرق مظلومة؛ وسبب ذلك هو التشريعات الإسلامية، وطالب بإلغاء الحجاب، وبخروج المرأة من البيت… حتى طالب بان يسمح للأقباط -لأنه قبطي- أن يتزوجوا النساء المسلمات.. هكذا يريد هذا الهدام! ولكنه لم يتمكن من تحقيق ما يريد.[9]
ثم تولى الأمر أعلام من أمثال محمد عبده الذي كان حريصا على التشبه بالأجنبي ابتغاء النهوض بالأمة على المنوال ذاته الذي نهض عليه الغرب فأوحى فيما أوحى لتلميذه قاسم أمين بكتابة كتابهِ المشهور “تحرير المرأة”[10] الذي راح يذكر فيه قضايا كانت بدايةَ البداية في انعتاق المرأة من أوامر الله واستسلامها إلى وساوس المفسدين، الذين يبشرون بنمط الحياة الغربية وطراز عيش الغرب في لباسهم وعلاقاتهم ونظمهم.
ولما كان طغيان الجديد مسيطراً على عقول الناس عاد قاسم أمين ليكتب كتابه الثاني وهو المرأة الجديدة وكان كتابه هذا دفقاً أملاهُ طغيان الفكر الغربي على العقول، حتى صار الناس المضلَّلون يريدون امرأة جديدةً تخرج من لباسها الذي لا يبدي شيئا من جمالها ولا يظهر شيئا من مفاتنها، بل تخرج من طهرها وعفتها، كل ذلك في إطار يبدو جادّاً تكتنفه الدعوة إلى تعليم المرأة وتوظيفها لتحسّنَ من أدائها، وتكونُ عنصراً فعّالا في المجتمع، وكأن المرأة لا يمكنها أن تكون عنصرا فعّالاً في المجتمع إلا أن هي خرجت من بيتها لتكون في قلب حركة المجتمع، موصولة بكل ما يجري فيه من تجارة وصناعة وزراعة وتعليم، اتصالا لا يختلف بحال عن علاقة الرجل بذلك كله!
مع أن للمرأة دوراً هاما يتصل بأمومتها وأنوثتها وزوجيتها لا يسمح أن تنطلق في ذلك كله كما يفعل الرجل تماما لأجل خصوصيتها، وهذه قضية يسلم بها كل عاقل مبصر، هل من أحد يقول أن المساواة بين الرجال أنفسهم تقتضي أن يسمح لكل رجل عاقل أن يكون رئيسا للدولة مثلا؟ لا أحد يقول بذلك بل يشترط الناس في كل الشرائع شروطا أخرى أقلها أن يكون قادرا على تولي هذا العمل مناسبا له علماً وقدرة. فهل المرأة تستطيع أن تكون مرضعة أو مربية لأطفالها الصغار الذين يحتاجونها كل لحظة وراعية لبيت الزوجية وهي في الوقت ذاته تشتغل في منجم بين الرجال! أو خارجة مع الجيش جندية في أطراف الأرض؟! المراة في وضعها الطبيعي أم قد تكون حاملا أو حاضنة أو مربية فكيف ستجد الطريق لتمضي جنباً إلى جنب مع الرجل في كل ميدان.
أن الغرب المخادع نفسه لم يوصل المرأة إلى المواقع القيادية الحساسة ولا المواقع التي تحتاج قوة وبأسا في الجيوش إلا في مرات قليلة نادرة مفتعلة.رغم انه أعطاها الحرية والحقوق كما زعم.
استغل قادة الحركة الوطنية -التي كان الانجليز ينظمونها ويرعونها، وكان على رأسها حزب الوفد الذي كان يتزعمه سعد زغلول – ما يسمى بقضية المرأة، وتبنى أولئك ما يسمى بتحرير المرأة، فكانت زوجة سعد صفية[11] قد نسبت نفسها إليه، فسمت نفسها صفية زغلول وتركت اسم أبيها، وتبنى هو الآخر امرأةً هي التي تلقب برائدة الحركة النسائية -لأنهم وجدوا أن قاسمَ أمين رجل، ولابد أن تكون الرائدة امرأةً- وهذه المرأة هي هدى شعراوي[12] ، فدخلت في حزب الوفد وتبناها سعد زغلول ، وأفسح لها المجال، ، ومن هنا بدأت المؤامرة بأيادٍ نسائية.
وهكذا كان فقد تدحرجت كرة ما يسمى بحقوق المرأة وتحريرها، لتكون آلة فساد وإفساد تنطلق في مجتمعات المسلمين، ليستكمل من خلالها تغريبُ المرأة المسلمة ابتداء من خلع اللباس الذي يواري عورتها الذي أمر الله به ، حتى خلعها لباس التقوى الذي هو خير.
ولقد صارت فكرة حقوق المرأة وتحريرها مرتبطة بحركات نسوية موجودة في العالم الإسلامي كله وصارت تقوم على تشجيعها أنظمة تحمل في حقيقتها عداءً للإسلام ظاهراً بعض الأحيان، ومستترا أحياناً أخرى.
ولقد أنشِئت في كل بلد جمعيات كثيرة تُعنى بحقوق المرأة، ولكن حقوق المرأة هذه تتجاهل كتاب الله في الغالب، وترد على الله شريعته! وما أنزله في كتابه!، فصارت حقوق المرأة تعني أن تتعرى! وتزاول “الفن” الهابط! وتختلط بالأجانب وتخلو بهم وتعمل في صفوف الرجال بلا حرج! لأنها والرجل سواء لا تختلف عنه في شيء.
أما عندنا في فلسطين فقد نشأ العديد من الجمعيات النسوية تتصدى لهذه القضية وقد نشر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بالتعاون مع وزارة شؤون المرأة وثيقة في هذا الاتجاه تتضمن ما يسمى بحقوق المرأة الفلسطينية، وهي وثيقة تخالف تصوير الإسلام للمرأة في المجتمع من حيث أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان وتجعل المرأة مدفوعة إلى صفوف العمال ومواطن العمل كأن العمل هو البيئة الأصلية للمرأة والظرف الطبيعي الذي يتلاءم مع طبيعتها.
وهي تدفع بالمرأة لتقلد كل المناصب المتاحة ولأجل أن المرأة لا ترغب أن تنخرط بحكم تكوينها وتربيتها في مثل هذه البيئات، وبالتالي يصعب نجاح مثل هذه الفكرة في بيئتنا استحدثت الوثيقة ما يسمى بنظام الكوتة حتى يضمن للمرأة مقاعد في كل المؤسسات المتصلة بالحكم والإدارة قسراً عن المجتمع وتوجهاته.
والوثيقة في مجملها تتجاهل كتاب الله بل وترد على الله شرعه وحكمه في كثير من بنودها وإليك بعض ما ورد فيها:
جاء في البند الثامن من حقوقها الجنائية
تلتزم السلطة الفلسطينية بمقاومة كافة الأعراف والتقاليد والمعتقدات الدينية التي تبيح العنف ضد المرأة، وان تُدرج جزاءات قانونية رادعة لكل من يمارس مثل هذه الأفعال، مع تعويضها عما أصابها من ضرر وأذى، وكفالة تأهيلها ومساعدتها على التخلص من كافة آثار هذا العنف المادية والنفسية، وتقديم العون والتسهيلات لمؤسسات المجتمع المدني العاملة للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمع الفلسطيني.
وهذا مبارزة لله واستعداد لمقاومة التشريع الإلهي صراحة والأعراف الشرعية المتصلة بهذا.
وهذا البند مثلا يجعل تأديب الأب لابنته إن هي أساءت أدبها جناية تستوجب العقاب وتعتبر تأديب الزوج لزوجته إن هي نشزت وعصت وخرجت عن الجادّة أمرا يستوجب العقاب هو الآخر فماذا يصنع من تحتاج ابنته أو زوجته لتاديب؟! ببساطة ليس هذا من وظيفته، ما دامت زوجته أوابنته حرة، لكن الله تعالى يقول : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا انفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَان أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أن اللَّهَ كَان عَلِيًّا كَبِيرًا } (34) فالله تعالى يرد هذا الأمر إلى الأب أو الزوج وهم يمنعونه من ذلك.
ومما يتصل بحقوقها المدنية جاء في البند الأول:
للمرأة متى أدركت سن الثمانية عشر ، حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهي متساوية مع الرجل في كافة الحقوق عند الزواج وخلال قيامه ولدى انحلاله.
فالمرأة هنا لها الحق في التزوُّج يعني أن الحق لها هي أن تزوج نفسها دون علاقة لأحد فلا قيد في ذلك من الدين، والدين يجعل لها وليا يزوجها ويرفض تزويجها لبعض الناس ممن لا يرى تزويجهم لفساد دينهم او كفرهم، ويعطي الولي حق رفض الزواج في احوال مثل من فسدت معادنهم، لكنهم يحاربون هذا كله فالمرأة لها الحق دون قيد من الدين!لانهم متحررون من قيود الدين ونحن هنا نتبرأ من كل ممن يتحرر من حدود الله وشرائعه ونعوذ بالله مما يصنع ونسأل الله تعالى أن لا يؤاخذنا بما يفعلون، وان يجيرنا من وزر هذا الطغيان والفسق.
وفي هذا تجويز لنكاحها من المشرك والكتابي خلافا لما نهى الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانهِنَّ فَان عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا انفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أن تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا انفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا انفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[13]
وهؤلاء الذين وضعوا هذا القانون انما يضعونه تقليدا للكفار الذين تشربوا من ثقافتهم ما خالط القلوب وهم رغم هذا لا يتقيدون بما يقررونه حقا للمرأة ولا للرجل فأشهر امرأة في هذا المضمار هدى الشعراوي التي نادت بحقوق المرأة رفضت أن يتزوج ابنها مطربةً عشقها ولحق بها من صالة إلى أخرى لا يخفي حبه لها وتعلقه بها لكن أمه ترفض زواجه منها بدعوى انها مطربة ولا تتناسب معها ؟لانها من طبقة عالية، ورغم انه انجب من هذه المطربة بعقد سري استماتت أن تنفي نسب حفيدها حتى قضت المحكمة بإثبات بنوة حفيدتها لابنها بعد جلسات طويلة.
فهم عندما يتعلق الأمر بانفسهم يتدخلون في هذه الحرية وعندما تكون هذه الحرية أداة تدمير لغيرهم وتحطيم للمجتمع برمته لا يرون في ذلك بأسا.
ومن هذه البنود البند الثالث المتصل بالحقوق المدنية أو الأحوال الشخصية:
يلتزم المشرع الفلسطيني باعتبار الحد الأدنى لسن زواج الفتيات الثمانية عشرة سنة شمسية، كون هذا السن متوافقا مع ما أخذت به أحكام القانون المدني من سن الأهلية القانونية اللازم لمباشرة التصرفات القانونية.
وهذا يتعارض مع الأهلية الشرعية للتصرف التي رُبطت بالبلوغ وفيه سعي مقصود لتأخير سن الزواج، حتى تتسع الفترة الزمنية التي تتعطش فيها الغريزة، وتكون احتمالية الفواحش أكثر وأبلغ وإلا أي قانون هذا الذي يمنع امراة من الزواج لان عمرها أربعة عشر عاما أو خمسة عشر عاما؟!! إن هذا يتناقض حتى مع مبدأ الحرية الذي يقرروه.كما يتعارض مع شرع الله الذي أجاز ذلك. لكنهم يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله.
ومن هذه المواد المادة الخامسة من الحقوق المدنية:
الأصل في عقد الزواج الوحدانية والديمومة، ويجوز للقاضي استثناء السماح للرجل بالزواج من ثانية شريطة إبداء أسباب ضرورية وملحة، على أن يثبت القدرة على الانفاق والعدل، بالإضافة إلى اشتراط علم الزوجة الأولى بهذا الحق، وعلم الزوجة الثانية بوجود زوجة سابقة.
وهذا يصادم كلام الله و فيه تعدٍ على الأحكام الشرعية، فالإسلام أباح تعدد الزوجات ، ولم يشترط إبداء أسباب ضرورية وملحّة، وليس من شروط التعدد علم الزوجة الأولى ولا الزوجة الثانية، قال الله تعالى:{ وَان خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَان خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}[14]
وورد في الوثيقة:
[ يؤخذ بشهادة المرأة في جرائم الزنا على نحو مساوٍ لشهادة الرجل، على اعتبار تساويهما في شروط الأهلية القانونية.]وهذا يصادم كتاب الله تعالى وفيه جرأة على الله نستعيذ به منها فيقول تعالى:{ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ }[15] وقال الله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [16]
ومن بنود هذه الوثيقة [ يحق للمرأة الفلسطينية تقلد جميع المناصب العامة في الدولة، وممارسة جميع الصلاحيات القانونية المرتبطة بعمل هذه المناصب، وذلك وفقاً للحاجات والشروط القانونية والمهنية دونما تمييز بينها وبين الرجل.]
ومعلوم شرعاً أن المرأة لا تتولى الولايات العامة لقوله صلى الله عليه وسلم:( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) رواه البخاري ولغير ذلك من الأدلة.وهذا تناقض صريح مع حكم الله. { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[17]
ورد في الوثيقة:[ للمرأة الحق في الحصول على تعويض عن الطلاق التعسفي، ومنحها الحق في طلب التفريق القضائي عند وجود المبرر لذلك، مثل إصابة الرجل بالعقم أو بمرض مزمن أو عدم قدرته على مباشرة حياته الزوجية أو تعدد زوجاته] فهذه الوثيقة جعلت تعدد الزوجات من أسباب طلب الطلاق وهذا مخالف للشرع مخالفة واضحة.بالإضافة للقيود الخرى التي لا تجوزطلب المرأة الطلاق لأجلها، كالعقم مثلا.
ورد في الوثيقة:[ للمرأة حق المساواة المطلق مع الرجل في جميع مجالات القانون المدني، كالمساواة في حق الملكية والتوريث]، ونحن نؤمن [الإيمان المطلق بان دين الإسلام هو دين العدل، ومقتضى العدل التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ويخطىء من يقول إنه دين المساواة دون قيد؛ لان المساواة المطلقة تقتضي أحياناً التسوية بين المختلفين، وهذه حقيقة الظلم، وقد جاء الإسلام يأمر بالعدل، قال الله تعالى:{إن اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان } [18] ، فأحكام الشريعة قائمة على أساس العدل، فتسوي حين تكون المساواة هي العدل، وتفرق حين يكون التفريق هو العدل، قال الله تعالى:{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }[19] ، أي صدقاً في الإخبار، وعدلاً في الأحكام].
وكذلك فان الدعوة إلى المساواة بين الذكر والانثى في الميراث فيها مصادمة صريحة للنصوص الشرعية، قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ}[20]
وورد في الوثيقة:[ للمرأة حرية التنقل والسفر والعمل دون اشتراط الحصول على إذن من أحد، متى بلغت الأهلية القانونية المطلوبة لذلك دونما تمييز عن الرجل ].
وهذا مخالف للنصوص الشرعية، قال النبي صلى الله عليه وسلم:( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم ). رواه البخاري ومسلم. وفي رواية عند مسلم: ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم:( لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها ) رواه مسلم.
وفي الختام فان هذه الوثيقة تتسق مع كل ما سبقها من مواثيق في بلاد المسلمين كانت قد خطتها أياد خبيثة دفعا للمسلمين إلى مزالق المعصية ، وانتكاسا بالمرأة المسلمة التي أكرمها الله وأعزها ونوّلها المراتب العاليات، لتكون كما يريدونها سلعةً في سوق النخاسة، ومتعة لكل طالب، ومنالاً لكل طامع، وهو حال المرأة الغربية المرتكسة في الرذيلة، وحال من تشبه بها وقلّدها، من بنات المسلمين بفعل انخداعهن بسراب الكافر وغياب دولة الإسلام التي تقيم الدين في الأرض.
يوسف مخارزة – أبو همام
[2] كان مسيطراً على العامة بان المرأة موطن الشيطان متعمدين في إلصاق فكرة الشر بالمرأة وكانت المرأة عند النصارى وسيلة الشيطان، ويجردونها من العقل، وهي منكر، وكانت كنيسة روما تنفي وجود الروح في المرأة، وهي عندهم نجسة، وترتب على ذلك التحذير من الزواج بها، فلجأت النساء للأديرة وحياة الرهبنة، وكان هذا الوضع في العالم المسيحي حتى جاء عصر النهضة الحديثة.