خبر وتعليق كاميرون والحروب المقدسة
الخبر:
ذكر موقع اليوم السابع بتاريخ 2014/4/17م بأن رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون قال: “إن بلاده دولة مسيحية… وعلى ساكنيها ألا يخجلوا من أن يقولوا ذلك… وذكر كاميرون أنه من المدافعين عن دور الدين في السياسة…”.
التعليق:
يجدر بنا أولاً أن نقف على حقيقة النصرانية كما هي قبل أن نحكم عليها، وعلى ما قاله كاميرون:
إن النصرانية دين ولكنه سر روحي كهنوتي بذاته بدليل أن عقيدتها ليست عقلية، ولم تقنع العقل، ولا يوجد من يدعي أنها عقلية إلا من طمس الله على عقله وقلبه.
وسبق في حوار للشيخ الجليل أحمد ديدات في نقاشه للراهب الأمريكي حين سأله عن إثبات العقيدة النصرانية ردَّ الراهب قائلاً: هذه عقيدة لا يعلمها إلا الله! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي عقيدة لا تعطي فكرة كلية عن الوجود، ولم تعط أجوبة صريحة مقنعة عنه بل هي قائمة على فكرة غريبة عقليا، ومن ناحية أخرى لم ينبثق عن هذه الديانة نظام يعالج أفعال الإنسان فلا يوجد عند القوم أحكام ولا معالجات لذا فصلوا الدين عن السياسة لأنها أصلاً لا توجد فيها معالجات، وإلا فليعطوا إجابات عن جميع المعالجات الإنسانية من دينهم. والإنجيل الذي بين أيديهم لم يثبت بدليل عقلي بل باعتراف بعضهم أنه عبارة عن مذكرات للقديس يوحنا إذ كُتب بعد زمن من رفع عيسى عليه السلام، بل ورد في الخبر أعلاه قول رئيس وزراء بريطانيا: أن لديه العديد من الشكوك ببعض القضايا اللاهوتية!!
ثانياً: ما الذي يجعل أوروبا تتجه نحو النصرانية وهي من فصلت الدين عن الحياة – مع أنها دين لا يوجد به معالجات -؟ إن الذي يدفع هؤلاء هو شعورهم وقناعاتهم بنمو الوعي الإسلامي في الشرق الأوسط وخاصة في ثورة الشام وحركة الأمة المباركة، فكيف للسياسيين منهم أن يدفعوا شعوب أوروبا إلا من خلال الحملات الصليبية ثانية وثالثة، ويبدو أنهم سوف يسيرون في هذا المركب، ولكن سبق لهم عمل هذه الحملات، وسبق لأمتنا العظيمة كيف علَّمت أوروبا نتيجة هذه الحروب، وكيف ردَّت دولة الخلافة عليهم بالرحمة والفتح، ويبدو أننا على أعتاب فتح جديد وقريب بإذن الله تعالى وعلى أبواب روما!
ثالثاً: إن هذا الخبر على ما فيه من تحريض لما هو آت، ولكنه عزَّ على نفوس بعض أبناء المسلمين الذين نادوا بالعلمانية وبحضارة أوروبا، ما موقفهم من هذه التصريحات مع اختلاف الإسلام حقيقةً وجوهرًا مع النصرانية فهو مبدأ يتحدى بعقيدته ويقنع العقل ويوافق الفطرة ويملأ القلب طمأنينة، وفيه معالجات لكافة أفعال الإنسان، ولا زال إلى يوم القيامة. أيُعزل هذا الدين العظيم عن دوره ومكانه في المجتمع من بعض من افتتن بحضارة الغرب، والغرب ينادي بالنصرانية مرجعًا للقيم الأوروبية؟!
ومن ناحية أخرى أخاطب أصحاب الإسلام المعتدل والمنهزمين أمام حضارة الغرب الذين يخجلون من إسلامهم فتراهم يصورون الإسلام بما يتفق مع الغرب أقول لهم: أما آن لكم أن تعتزوا بإسلامكم، بحضارتكم، بدولتكم دولة الخلافة؟! أما آن لكم أن تنطقوا بالإسلام كما جاء؟ فدعوا عنكم قذارة الغرب وأفكاره فهو داسها بأقدامه، دعوا عنكم المدنية، والديمقراطية، والعلمانية، والحوار، والجهاد حرب دفاعية، وقضايا المرأة، والمساواة، والأقليات، ومداولة السلطة، وانطقوا فقط بالإسلام، وأغمضوا عيونكم عن أفكار الغرب، وأقبلوا على إسلامكم كما أراد ربكم! فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله! وكما قال ربعي بن عامر رضي الله عنه: “الله ابتعثنا وجاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه!” وأضيف فأقول: لندعوهم إليه وليس لنأخذ منهم. هذه كلمات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أولى منَّا بالفهم والاتباع؟ قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾. [الحديد: 16] قولوا: بلى يا رب قد آن.
اللهم اجعلنا ممن تخشع قلوبهم لذكرك وما نزل من الحق، واجعلنا من المؤمنين الصادقين الثابتين المخلصين إليك، فالأمر منك وإليك، نبرأ إليك من حولنا وقوتنا، ونلجأ إلى حولك ولطفك، وقوتك ورحمتك، واجعلنا اللهم كما تريد لا كما نريد، يا رب يا غفور يا ودود، ويا ذا العرش المجيد، ويا فعال لما تريد اللهم آمين!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسن حمدان / أبو البراء