بأي ذنب قتلت بتول حداد!!
نرى تزايد جرائم القتل بشكل عام وجرائم قتل النساء في العالم الإسلامي والعربي على أيدي أقاربهن خلال الأعوام الأخيرة ولأسباب مختلفة؛ ميراث، ما يسمى بجرائم الشرف، خلافات عائلية، نزاعات زوجية.. وغيرها، وعند حدوثها تنطلق الأفواه والأقلام تطالب بحقوق المرأة محاولين إلصاق هذا الوضع وهذا العنف بالإسلام كونه يحصل في بلاد المسلمين، مع أن الحقيقة هي أن كل هذا يحصل بسبب تغييب شرع الله وعدم تطبيق أحكام الإسلام التي وضعت لكل مشكلة معالجات عادلة لأنها قائمة على أحكام شرعية من خالق الكون وليس قوانين وضعية من صنع البشر..
إن الازدواجية في المعايير وفي الحكم على الأمور هي من سمات المبدأ الرأسمالي الذي وضع تلك القوانين ويعامل الناس على أساسها.. المبدأ القائم على المصلحة المتقلبة، حيث تنبري الجمعيات النسوية ومؤسسات حقوق المرأة بعقد الندوات والاجتماعات والمحاضرات واللقاءات التلفزيونية والإذاعية مستنكرة تلك الجرائم ومطالبة بأقصى عقوبة لمرتكبيها وبحماية المرأة من العنف.. ويشرّقون ويغرّبون في تحليلاتهم وأحكامهم التي تتفق في النهاية على أن حق المرأة مهضوم في مجتمع ذكوري تحكمه العادات البالية في ظل التقدم الحضاري الذي يعيشه الناس، فتُشْحَذُ الألسن والأقلام مطالبة بتغيير قوانين الأحوال الشخصية، وتبنّي قوانين غربية بعيدة عن ديننا ومعتقداتنا وحتى عاداتنا وعلى رأسها اتفاقية سيداو.. مطلب حق وهو الحفاظ على المرأة يُراد به باطل وهو تحكيم شرع الغرب أكثر وأكثر في حياتنا الاجتماعية، ويستغل أعداء الإسلام الفرصة ويطالبون بتنفيذ بنود اتفاقيات غربية مغرضة تدعو للمساواة التامة والحرية المطلقة للمرأة بأن تفعل ما تشاء وقتما تشاء بحجة الحريات مثل الحرية الشخصية وحرية العقيدة.. هذه الحرية التي يبيحونها لهم وينكرونها على غيرهم. ومثال ذلك الشابة التي قتلت في عجلون بالأردن مؤخرا لأنها اعتنقت الإسلام…
نعم.. “بتول حداد” فتاة كانت نصرانية ثم اعتنقت الإسلام عن اقتناع فقتلها أبوها بكل وحشية ودم بارد بدق رأسها بحجر دون رحمة!! فلم نسمع جمعيات حقوق المرأة والمنظمات النسوية تدينه على أنه ظلم لتلك الفتاة وسلب لحياتها وانتهاك لحريتها وشخصيتها وكيانها وإرادتها وكل ما يتشدقون به حين يتعلق الأمر بقتل امرأة مسلمة في أي ظرف كان.. بل أدرجوها ضمن حملة شجب العنف ضد النساء! فكما جاء في صحيفة القدس العربي “إن قصة الفتاة بتول حداد في جريمة عجلون شمال الأردن ليست لها علاقة بفتاة مسيحية أشهرت إسلامها بقدر ما لها علاقة بمظاهر العنف الغريبة التي اجتاحت المجتمع بعد موجة الربيع العربي.”!!.. وكما جاء في تصريح أصدرته لجنة الحريات وحقوق الإنسان في حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن استنكرت فيه تزايد الجرائم التي تستهدف النساء، وآخرها الجريمة التي ارتكبت في محافظة عجلون بحق الطالبة بتول حداد، وكأنها جريمة قتل عادية وليست بسبب إشهار إسلامها!!
فيظهر هنا مرة أخرى التناقض والازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين حين يتعلق الأمر بالإسلام، فهذه الفتاة اعتنقت دين الإسلام وهذا من المفترض أنه أمر مكفول لها بحسب الحريات المزعومة التي يدعون إليها.. مضمون لها ضمن سياسة حوار الأديان والتعايش الديني وكل هذه الشعارات التي نسمعها حينما نسمع أن أحدا ارتد عن الإسلام والعياذ بالله، والذي حينها تظهر الحريات وتظهر هذه الشعارات الرنانة! يستنكرون قتل المرتد عن دينه في الإسلام، ولكنهم لا يستنكرون قتل هذه الفتاة بسبب إسلامها بل يدرجونه كما قلنا تحت سقف العنف ضد النساء! جريمة تظهر الحقد على الإسلام، وكما قال رب العزة ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
وها هي أيام مضت ولم نسمع أحدا ممن يسمون أنفسهم علماء ورجال دين يستنكر هذا العمل الإجرامي ويصفه بأنه انتهاك لحرمة الله ودينه أو حتى انتهاك للتعايش والتسامح الديني الذي ما فتئوا يتكلمون عنه حين قيام أحدهم بقتل نصراني أو حرق كنيسة، بحيث تقوم الدنيا ولا تقعد، وتتوالى الاعتذارات والتبرؤ ممن فعل هذا.. ثم: أين الحكومة من هذا! أم تعتبرها جريمة قتل عادية لا تستحق التدخل!
وأظننا نذكر موقف الحكومة ومن يسمون أنفسهم رجال دين في مصر من وفاء قسطنطين وأخواتها ماريان وتريزا ممن أتين مستنجدات بمن يعينهن على إسلامهن وعدم إرجاعهن إلى الكفر، فكانت النتيجة خذلانهن وإرجاعهن إلى النصارى ليفتنوهن عن الإسلام.. فأين كان صوت دعاة حرية العقيدة وحقوق الإنسان والديمقراطية من الذين يتعاملون بمعايير مزدوجة حسب مزاجهم وأهوائهم! وأين الغيورون على دين الإسلام؟! ماذا فعلوا للدفاع عن هؤلاء النسوة المهاجرات بدينهن خوف الفتنة؟! أين علماء السلاطين من كل هذا؟! وها هي الأجهزة الأمنية في الحكومة الأردنية الأمنية تتدخل حين أصر أهل الفتاة على دفنها وفق الطقوس النصرانية وأراد المسلمون دفنها حسب الطريقة الإسلامية وتعطي الحق لذوي بتول بدفنها وفقا لطقوسهم!
وتتزامن هذه الجريمة مع زيارة ما يسمى ببابا الفاتيكان للأردن المرتقبة أواخر أيار الحالي، وكان وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الدكتور محمد المومني، أعلن قبل أيام قليلة من الكشف عن هذه الجريمة، عن أن زيارة البابا “تمثل شهادة بتوفر الأمن والاستقرار في الأردن”… لكن بعد الكشف عن هذه الجريمة، وجد المومني نفسه مدعوا للإعلان عن جائزة تقدم لأفضل تغطية إعلامية صحفية لزيارة البابا، كي يتنافس الصحفيون من مختلف الانتماءات الدينية في الإشادة بالزيارة وشخص البابا، لعل ذلك يخفي معالم آثار جريمة قتل بتول وردود الفعل عليها، التي أصبحت تهدد بآثار سلبية تنعكس على زيارته.. وضع نتحسر فيه أكثر وأكثر على حال المسلمين في ظل حكام الضرار، فإن ما حصل هو تحد للإسلام والمسلمين واستهتار بهم وبقدرتهم على الدفاع عن دينهم في ظل غياب الراعي والحاكم المسلم الغيور على دين الله ورسوله.. والذي بغيابه تكشر الصليبية المسعورة عن أنيابها، وتسفر عن وجهها بالغ القبح والدمامة بقتل تلك الفتاة المسكينة لأنها جهرت بعقيدة الحق وأسلمت وجهها لله الواحد الأحد.
ولا نملك هنا إلا أن نطلب الرحمة لأختنا بتول التي نحسبها شهيدة ولا نزكي على الله أحدا، ونؤكد أن غياب أحكام الإسلام التي توجب القصاص العادل هو ما غيّب حمايتها وأمثالها، ففي دولة الإسلام تُحفظ الأرواح وتًصان الأعراض..
﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم صهيب الشامي