هل طريق التغيير يمر عبر الانتخابات؟!
على غرار “يا عزيزي كلنا لصوص” كتب أحدهم مقالة بجريدة الوفد بعنوان “يا عزيزي كلنا سيساوية” فرحا بالـ97% التي حصل عليها المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، ويبدو أن كلمة “سيساوية” مصطلح جديد على الساحة السياسية في مصر، ربما عنى به كاتبه أننا بصدد مرحلة جديدة على غرار الناصرية التي أكل عليها الدهر وشرب، أو ربما أراد أن يقول أن من صوت للسيسي في تلك الانتخابات، هم فقط الشعب المصري، هذا إن لم يكن قد قصد المعنى في الجملة التي نسج على غرارها، بحيث تساوي “كلنا سيساوية”، “كلنا لصوص”. وإنه لمن المفارقات العجيبة في مسرحية الانتخابات، هذا التحول المفاجئ لإعلاميّي النظام من العويل ولطم الخدود وشق الجيوب لرؤيتهم مشهد مقرات اللجان الانتخابية خاوية على عروشها، إلى الفرح والرقص لنسبة التصويت التي فاقت الـ47% التي يدري الجميع من أين أتت؟، وكيف أتت؟.
بل لقد أقر الجميع باختفاء الشباب من المشهد الانتخابي بشكل مشابه لما حدث في مهزلة الاستفتاء على الدستور، ولأن الذين شاركوا بشكل كبير ولافت كانوا من كبار السن، وهذه مثلبة عظيمة لنظام ما زال يردد أنه يمثل ثورة شعبية شارك فيها 33 مليونا رفعها أحد سدنة النظام الجديد – القديم إلى 40 مليونا، وقد قامت إحداهن بتوجيه شكر لكبار السن هؤلاء في مقالة تحمل عنوان “شكرا للعواجيز” حاولت أن تبرر ارتفاع نسبة مشاركة كبار السن في تلك الانتخابات، وبغض النظر عما ساقته كاتبة المقالة هذه من مبررات، فإن ما نريد قوله أن هناك وعياً حقيقياً بدأ ينمو في الشارع المصري على حقيقة أن طريق التغيير الحقيقي لا يمر من خلال أكذوبة الديمقراطية، وأن الانتخابات وإن كانت وسيلة مشروعة لمعرفة رأي الناس فيمن يريدونه، إلا أنها وفي ظل النظام الديمقراطي العفن أصبحت وسيلة للدجل والخداع، وفي أحيان كثيرة يتم محو نتائجها إن هي أسفرت عن نتائج غير مرضية لأصحاب السلطان الحقيقي في البلاد. كما أن هذا التغيير لا يمر أيضا من خلال ثورة شعبية تكون مجرد هبة شعبية لا تمتلك مشروعاً حقيقياً للتغيير ولا يقودها حزب مبدئي يعرف طريقه للتغيير، وهذا التغيير لا يمكن أن يمر إلا من خلال وعي عام على الإسلام يسنده أهل القوة والمنعة الممثلة في الجيوش.
وبغض النظر عما جرى في الأيام الثلاثة من الانتخابات الرئاسية، وهل تم تزوير النتائج ليضفي النظام الجديد على نفسه شرعية هو يفتقدها؟، فالمؤلم أن البعض عندما تحدثه عن فرضية العمل للتغيير وأن التغيير الحقيقي هو الذي يقوم على أساس الإسلام، وأنه لا نجاة ولا فلاح ولا نهضة إلا بإقامة الخلافة الإسلامية، هذا البعض لأنه يعرف تبعة هذا الكلام وأنه معني به ومكلف به يهرب منك وينهي النقاش بقولة: “ربنا يولي من يصلح”، أو تراه يطالبك بالصبر على الرجل فلعل الخير يأتي على يديه، وكأنه يحتاج للصبر ثلاثين سنة أخرى ليدرك أنه كان مغفلا مخدوعا، وأن القضية لا تتعلق بالشخص، بل تتعلق بنظام فاسد مستورد غريب عن عقيدة الأمة وحضارتها وتراثها الفكري والتشريعي، وأن هذا النظام الجمهوري بكل أشكاله هو مكمن الداء وأس البلاء، وأن الديمقراطية التي يتبجحون بها تعطي حق التشريع لعقول البشر الناقصة والعاجزة والمحتاجة، مما يؤدي إلى وضع تشريعات تسبب شقاء الإنسان وتعاسته، ولا يمكن أن تنجو مصر وباقي بلاد المسلمين من ضنك العيش وفساد الدنيا إلا بنبذ كل هذا الهراء ووضع الإسلام موضع التطبيق، ممثلا في دولته دولة الخلافة التي ظل نورها يشع على البشرية لقرون طويلة.
قد ينتظر البعض تغييراً يذكر بعد هذه الانتخابات ويراهن عليه برِهانه على شخص الرئيس الجديد، ولكنه رهان في غير محله، فكما قلنا للتغيير الحقيقي طريق واحد، والذي يبدو لنا وللكثيرين أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة أمريكية أخيرة للالتفاف على الثورة وتيئيساً للناس من إمكانية التغيير، خاصة وقد نجحت أمريكا وأدواتها في مصر من إظهار جماعة الإخوان المسلمين عاجزة ضائعة ولا تملك مشروعا للنهوض بالأمة، في محاولة أخيرة منها لصرف الناس عن الالتفاف حول المشروع الإسلامي الحقيقي مشروع الخلافة، ومن الملاحظ أنها ما زالت تدرك أن الأمر لم يحسم لها بعد في صراعها مع الأمة التي لا يمكن أن تتخلى عن تطلعها للعيش في ظل الإسلام وخلافته، فأنت ترى أبواقها ما تزال توجه سهامها نحو الخلافة، ففي حوار مع الإعلامي أحمد الشاعر؛ مقدم برنامج “صوت الناس” على فضائية المحور، قال اللواء محمد رشاد؛ وكيل المخابرات العامة الأسبق: “إن جماعة الإخوان كانت تريد إقامة الخلافة الإسلامية في مصر إبان حكمهم خلال السنة التي تولوا فيها الحكم”، كما ويكتب أحدهم في صحيفة الوفد بتاريخ 2014/6/3م، “الجماعة الإرهابية تريد إقامة دولة الخلافة.. الإخوان أمراء العنف والإرهاب يريدون خليفة للمسلمين”، بل تسمع من أطلقوا عليه خطيب الثورة يذهب بعيدا بقوله أن الإخوان كانوا يريدون أن يؤسسوا للخلافة الصهيونية. فهل هناك انحطاط أشد من هذا الانحطاط وحربٌ على الخلافة أشد من هذه الحرب؟! إن الصراع الدائر في مصر هذه الأيام ليس صراعاً بين الدولة المدنية والدولة العسكرية كما يريد أن يصوره البعض، بل هو بين مشروع الدولة العلمانية أيا كان وسمها ومشروع الخلافة، وهكذا يجب أن يكون، وعلى الصعيد هذا يجب أن يستمر وإذا لم يدرك الإخوان هذا الأمر ويصطفوا مع الأمة ومع حزب التحرير الذي يحمل هذا المشروع وبقوة، فسيكونون ومن حيث لا يدرون حجر عثرة في طريق التمكين لشرع الله. وقد لوحظ في المسيرة التي قام بها عدد من أنصار محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين والتي انطلقت الجمعة 5/30 في مليونية تحت مسمى “تقدموا ننتصر”، أنه كانت هناك صور كُتب عليها “جيل الخلافة القادم”، فلعل هذا يكون بداية لإدراك حجم الصراع، وإلى ما يجب أن يكون هدفاً تسعى له الجماعة لتنضم لقافلة الرجال الرجال الذين يسعون لإقامة الخلافة الإسلامية.
فهلموا أيها المسلمون نقيم خلافتنا التي هم منها وجلون، ومن صولجانها يرتعبون، ومن عودتها التي يحسبون لها ألف حساب هم يتوجسون، ومن هيبتها يرتعدون، فعند قيامها عما قريب ستدرك الأمة أن ثمة تغييراً حقيقياً حدث في واقع حياتها، وأن لا سلطان لكافر عليها مهما كانت قوته وسطوته، فالخلافة هي مبعث عزنا وفخرنا، وبها تصان أعراضنا ويلم شعثنا وتتوحد كلمتنا وتحفظ ثرواتنا.
يقول تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون﴾ [النور: 55]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلّ ِذَلِيلٍ،عِزًّا يُعِزّ ُاللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلّ ُاللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» (رواه أحمد).
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر