خبر وتعليق كذبة دعاة المساواة بين الجنسين: “خذي كل شيء، أيتها المرأة” تُنقَض عُراها، واحدةً بعد أخرى! (مترجم)
الخبر:
نشر موقع فوربس الإخباري في 8 حزيران/ يونيو 2014 مقالاً تحت عنوان “لا يمكنكن أخذ كل شيء: 40% من النساء المهنيات “يتعلّقن بخيط”. وقد تناول فيه كاتبه دراسة جديدة تصدر هذا الأسبوع في الولايات المتحدة، أجراها الخبير الاستراتيجي في شؤون المهن المؤلف ميغان دالا- كامينا، صاحب كتاب “لنكن واقعيين بشأن أخذ المرأة كل شيء”، الذي بحث فيه حلم دعاة المساواة بين الجنسين بقدرة النساء على الجمع بين وظيفةٍ ناجحة تحلق في الأعالي وحياةٍ أسرية مستقرة وناجحة في الوقت ذاته. وكانت الدراسة عبارة عن مسحٍ شمل 1000 امرأة أميركية محترفة، حيث سُئلن عن مدى سعادتهن. وتبين أن غالبيتهن يفتقدن الرضا عن حياتهن. فقد أعربت 70% منهن عن اعتقادهن بأن فكرة تحقيق النجاح في المنزل ومكان العمل معاً ما هي إلا خرافة، وقلن أنهن يعشن حياة صراع مرير. وأفادت 40% أنهن “يتعلقن بخيط”، بينما قالت 16% فحسب أنهن راضيات جداً عن حياتهن بصورة عامة. ثم قال المؤلف عن النساء اللائي شملهن المسح: “قلن أنهن يشعرن كما لو كن يركبن جهازاً ثابتاً لرياضة المشي، ويركضن بسرعة كبيرة حتى إنهن يخشين من الالتفات يمنة أو يسرة، فلا يبقى أمامهن سوى مواصلة الركض، ومواصلة الركض فقط”.
التعليق:
كانت آن ماري سلوتر، أول امرأة تشغل منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية، وهي أم لولدين، قد أعربت في 2012 عن آراء مماثلة أيضاً. فقد كتبت “وجهة نظر” في صحيفةThe Atlantic بعنوان “لماذا لا تقدر النساء على أخذ كل شيء، بالرغم من كل المحاولات”. حيث وصفت فيها شعورها العميق بالذنب لقصر الوقت الذي قضته مع طفليها والتوتر الشديد الذي يهيمن على علاقتها معهما جرّاء ذلك. ما أدى بها إلى ترك وظيفتها الكبيرة كي تتمكن من قضاء وقت أطول مع أسرتها. كما تحدثت عن التحول الذي أصاب معتقدات المساواة بين الجنسين التي بنت على أساسها حياتها المهنية، فقالت بأن اعتقاد النساء بقدرتهن على “أخذ كل شيء” ما هو إلا نفضٌ للغبار عن الحقيقة. إذ كتبت: “لقد حان الوقت للتوقف عن خداع أنفسنا. وعلينا التوقف عن القبول بأفضليات الذكور على أنها شيء افتراضي”.
كذلك هنا، في المملكة المتحدة، احتلت الشخصية التلفزيونية المرموقة، الداعية المتحمسة المجاهرة بالمساواة بين الجنسين، كيرستي أولسوب، مكاناً بارزاً في العناوين الرئيسية للأخبار الأسبوع الماضي بآرائها التي أدلت بها خلال مقابلة مع صحيفة التلغراف. فقد نصحت الشابات بالاعتراف بتناقص خصوبة المرأة كلما كبرت في السن. ولذلك يتعين عليهن العودة إلى وضع البدء في تكوين أسرة قبل السعي للحصول على وظيفة، كي يتجنبن انكسار القلب نتيجة فقدانهن القدرة على الإخصاب والحمل في وقت متأخر من حياتهن. فقد قالت كيرستي: “في الوقت الراهن، يوجد أمام النساء 15 عاماً للدراسة في الجامعة، والبدء في مشوار تأمين الوظيفة، ومحاولة شراء منزل، وإنجاب طفل. وهذا أمرٌ أكثر بكثير مما يمكنك أن تطلب من أحدٍ القيام به.” وأضافت بأن نصيحتها هذه تستند إلى الساعة البيولوجية للنساء، وأنه إن كان في المقدور تأخير وقت بدء العمل في وظيفة، بل وحتى وقت الدراسة في الجامعة، فإن فترة القدرة على الإخصاب والإنجاب لا يمكن لأحد تغييرها أو تعديلها. ولقد أثارت هذه الآراء موجة من الانتقادات القاسية والهجمات العنيفة من قبل دعاة المساواة بين الجنسين الذين وصموها “بكارهة النساء” واتهموها بالتراجع في حربها من أجل تحرير المرأة. فردّت عليهم بتغريدة قالت فيها: “إن الطبيعة لا تدعو إلى المساواة بين الجنسين”.
إن مشكلة هؤلاء الدعاة تتمثل في أنهم دأبوا طوال تاريخهم على التنكر لعلم الأحياء، مع ما جرّه ذلك من تبعات وآثار مدمرة. وكان مكمن دائهم الأكبر عدم التوقف عند المطالبة بحق النساء في التمتع بالقدر ذاته وحقوق المواطنة كما الرجال، بل قياس مدى نجاحهن على أساس تمتعهن بكافة حقوق الرجال وتقمصهن لجميع أدوارهم وواجباتهم. وهو ما أدى بالنساء إلى استبدال شكل من أشكال الظلم بشكل آخر، لأنه قادهن إلى إقصاء طبيعتهن كمنجباتٍ للأطفال باعتبارها ليست مهمة، والتوقع منهن أن يصبحن مساويات للرجال في مكان العمل مع التعامي عن الحقيقة الصارخة بأنهن سيبقين دوماً غير مساويات لهم من ناحية بيولوجية. وهكذا، دخلت المرأة معركة لا يمكن لها الفوز فيها مع الطبيعة، وذلك تحت شعار محاولة اللحاق بالرجل، ما أدى بها في أحيان كثيرة إلى التضحية بدافع الأمومة الطبيعي لديها، في سبيل انتعالها حذاء الهوية المصطنعة الخيالية التي ابتدعها دعاة المساواة بين الجنسين المخرّفون ممن يقولون “خذي كل شيء أيتها المرأة” في الماضي والحاضر. فكانت النتيجة أنها، بسبب احتضانها لهذه الهوية، أحلت مكان شكل من أشكال الحط من قيمة النساء اللائي كن يعاملن في المجتمعات الغربية على أنهن أقل قدراً من الرجال من الناحية العقلية والروحية والاجتماعية، شكلاً آخر، ليس غير. وذلك أن المرأة بقياسها لنجاحها على مسطرة أدائها للأدوار التقليدية للرجال، وبوجه خاص دورهم كسُعاة لكسب الرزق، أزالت من حياتها حقيقة ومغزى الشيء الأهم الذي يميز المرأة ويجعلها محظوظة أكثر من الرجل، ألا وهو القدرة على الحمل بأجيال المستقبل وإنجابهم وتربيتهم. فقد بات ينظر إلى هذه النعمة الكبرى التي خُصّت بها المرأة على أنها عقبة تحول دون تأمين وظيفة ناجحة والمساعدة في الإنتاجية الاقتصادية لقطاع الأعمال وللأمم، لا على أنها خاصية حيوية للبشرية تجب رعايتها وتقديرها وحمايتها ورفع شأنها في المجتمعات. كما أصبح التحرير هو التحرر من الأمومة. فكان من آثار ذلك ما هو واقع من توتر وشعور بالذنب والحسرة والأسى وافتقاد الرضا عن الحياة ككل. ومن السمات الأصيلة الأخرى للدعوة للمساواة بين الجنسين ذلك الخلط والتخبط المتصل بشأن أدوار وأفضليات الرجال والنساء. وهو ما ينعكس في الخلافات التي لا تنتهي بين هؤلاء الدعاة حول هذه المسألة، وذلك إلى جانب الآراء التي لا تقرّ على حال بشأن مقومات تحرير المرأة. وهو الأمر الذي يدعو إلى طرح السؤال الكبير: ما دامت الحال كذلك، فلماذا إذن كل هذا الإصرار والعناد من قبل الحكومات الغربية ومنظمات الدعوة للمساواة بين الجنسين على محاولة تسويق أفكار المساواة بين الجنسين ومُثُلها، ومعها هذا النموذج الغربي الفاسد البائس “لتحرير المرأة”، إلى العالم الإسلامي؟
في خضم هذا الجدل والنقاش، كتب أحد الصحفيين: “ليس ثمة من نموذج معايرة لقياس نجاح الأنثى في أن تكون أنثى”. لكن الإسلام يرفض وينقض هذا القول جملة وتفصيلا. فلقد حدد الإسلام عبر القرون الدور الأساسي والرئيسي للنساء بأنهن: رباتُ منازل وأمهاتٌ ومربياتٌ للنشء. وهو دور يلزم المجتمع الإسلامي ويلتزم بإعطائه ما يستحق من قدر كبير وبإحاطته بحمايته. كما أنه لا يحرم المرأة بحال من حق التعليم أو العمل أو التعبير عن رأيها السياسي كما يزعم بعض العلمانيين. ويضعها في مكانة تتيح لها القدرة على احتضان هوية “خذي كل شيء أيتها المرأة” بحق وحقيقة، هوية تنيط بالمرأة دوراً يمكّنها من قضاء الوقت الكافي مع أطفالها، ويزيل الخلط والتضارب بشأن أولوياتها، ويكمّل ما تفرضه وتحتاج إليه طبيعتها، بدلاً من أن يناقضها. وذلك جنباً إلى جنب مع تمتعها بكافة حقوق المواطنة. أوليس هذا هو المعنى الحقيقي للقول “خذي كل شيء أيتها المرأة”؟!
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير