خبر وتعليق احذروا التحول الأمريكي فيما يتعلق بالثورة السورية
الخبر:
أدلى الرئيس الأمريكي أوباما بتصريحات لتلفزيون “سي بي إس” نقلت صفحة “الحرة الأمريكية” مقاطع منها في 2014/06/22 قال فيها: “أعتقد أن تلك الفكرة التي تقول إن هناك قوة معتدلة جاهزة بطريقة ما وقادرة على هزيمة الأسد هي ببساطة فكرة غير صحيحة، وكما تعلمون فلقد قضينا الكثير في العمل مع المعارضة المعتدلة “. وقال: “فإن القول بأنهم (أي المعارضة المعتدلة) في وضع يمكنهم فجأة الإطاحة ليس بالأسد وحسب، وإنما بقوات شرسة من المجاهدين فائقة التدريب إذا أرسلنا إليهم قليلا من السلاح ليست إلا من نسج الخيال”.
التعليق:
إن تصريحات أوباما هذه تدل على أن أمريكا لم تجد ضالتها فيما أطلقت عليه القوة أو المعارضة المعتدلة، وهي التي اعتمدت على أمريكا وعلى الغرب وعلى عملائهم في المنطقة واستعدت لتنفيذ قرارت أمريكا باقامة النظام العلماني المدني الديمقراطي في ظل الجمهورية العربية السورية من أجل الحصول على المناصب والمال، وناصبت العداء لمشروع إقامة الخلافة الإسلامية. فهنا يعلن أوباما فشل هذه المعارضة التي تأتمر بأمره وهي القوة الثالثة التي تقف في وجه الأسد وفي وجه المتطرفين كما عبر عن ذلك رئيس الائتلاف أحمد الجربا في وقت سابق، وقد عبر سيده أوباما عن هؤلاء المتطرفين بأنهم “القوات الشرسة من المجاهدين”، فلم تستطع هذه المعارضة المعتدلة فعل شيء على الأرض، وقد أسماهم الناس ثوار الفنادق، لأنهم يجلسون في الفنادق في اسطنبول والدوحة وفي غيرهما من المدن وتدفع لهم الدول فواتير السكن في هذه الفنادق وتغدق عليهم بعض المال لقاء عمالتهم وتبعيتهم لها.
نعم وبكل تأكيد وحالهم هكذا فلن يقدروا على هزيمة أحد، وهذا لا يعد فشلاً لهذه المعارضة فحسب، بل فشل لأمريكا التي نظمتها وراهنت عليها في أن تقود شعب سوريا وأن تسرق الثورة من أصحابها الحقيقيين الثائرين على الأرض الذين حملوا لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبروه قائدهم إلى الأبد وهتفوا هي لله هي لله، لا للمال ولا للجاه. عندئذ حقق هؤلاء الثائرون الانتصارات الكبرى مما اضطر أمريكا إلى أن تطلق عملاءها المسعورين من أطواقهم في إيران وأحزابها في لبنان والعراق ليهاجموا أهل سوريا المظلومين وثوارهم المخلصين حتى تحافظ أمريكا على عميلها بشار وعلى النظام العلماني لأنها لم تجد البديل.
وتصريحات أوباما تدل على تحول كبير في الحركة، فيظهر أن أمريكا بدأت تتخلى عن هذه المعارضة المعتدلة فكما قال: “لقد قضينا الكثير في العمل مع المعارضة المعتدلة” أي لقد انتهى وقتها وصلاحيتها، فلم تحقق شيئا لا في إسقاط الأسد ولا في إسقاط الثوار المخلصين. وقد أزعجت هذه التصريحات تلك المعارضة وأخافتها من تخلي أمريكا عنها، فوصف رئيس الائتلاف أحمد الجربا موقف أوباما بأنه “موقف سلبي”، وعبر عن “أسفه لعدم توفير الدعم الدولي للمعارضة السورية في وجه عدوان سافر ووحشي لنظام الأسد”. (الائتلاف 2014/6/25) ووجه الناطق الرسمي باسم الائتلاف لؤي الصافي انتقادات لتصريحات أوباما قائلا: “إن المعارضة كادت أن تسقط النظام في خريف 2013 عندما تراجع أوباما عن توجيه ضربة للنظام بعد استخدامه الكيماوي وتغاضى عن التدخل الإيراني السافر عبر ميليشياته الطائفية القادمة من لبنان والعراق، وإن إدارة أوباما لم تقم بواجبها الدولي والقانوني والأخلاقي في حماية شعب انتفض للحصول على حريته ولم تمنع نظام الأسد من استخدام سلاح الجو والصواريخ بعيدة المدى والأسلحة الثقيلة ضد المدنيين…” وبعد ذلك قال: “لا بد للشعب وكافة أطيافه المعارضة السياسية الاعتماد على قواها الذاتية وعدم التعويل على تقلبات الخارج، والتسليم بأنه لا يمكن الانتصار إلا برص الصفوف وإعادة ترتيب الأولويات عندها نرسم الخيال السياسي الذي تكلم عنه أوباما عن استحالته في الواقع السوري”. (صفحة الائتلاف 2014/6/22) فبعدما كان جل تعويل واعتماد هذه المعارضة العميلة لمدة ثلاث سنين على تقلبات الخارج أي على تقلبات أمريكا التي تتقلب تبعا لمصلحتها فقط يريدون أن يعتمدوا على قواهم الذاتية وهم لا يمكلونها، ولا يقدرون على رص الصفوف فلا أحد يثق بهم ولا يتبعهم أحد من الثائرين المخلصين على الأرض. فهذا هو مصير العملاء عندما يرتبطون بقوة خارجية لتنصرهم ولا يرتبطون بأمتهم ولا يعتصمون بحبل الله، بل يقومون بمهاجمة دينهم ومشروع أمتهم بإقامة الخلافة ويعتبرون ذلك تطرفا وإرهابا، ويعتبرون قبولهم بنظام الكفر العلماني الذي يقوم عليه النظام السوري الحالي برئاسة الأسد وسيرهم مع أمريكا والغرب يعتبرون كل ذلك اعتدالا وحكمة وعقلانية!
إن على الثوار المخلصين في الداخل أن يحذروا من هذا التحول الأمريكي في الحركة، فهناك إشارات من أوباما بتحول أمريكا نحوهم في عملية لجذبهم إليها لأنه لم يصفهم هذه المرة بالإرهابيين ولا بالمتطرفين كما دأبت عليه دائما، بل وصفهم “بالمجاهدين”، مثل الوصف الذي وصفت به أمريكا الثوار الأفغان في أعوام الثمانينات من القرن الماضي الذين هبوا لمقاومة الاحتلال السوفياتي حيث وصفتهم “بالمجاهدين”. فاستطاعت أمريكا أن تستغل شراستهم في القتال ضد الاتحاد السوفياتي عندما قبلوا بمساعداتها وسلاحها وتذوقوا طعم المال السعودي المسموم ورضوا عن توجيه المخابرات الباكستانية لهم قائلين إن ذلك ما تقتضيه المرحلة والظروف الحالية، فنحن نستفيد منهم مؤقتا وعندما نطرد الاتحاد السوفياتي سوف نطرد أمريكا ومن معها. وبعدما هزموا الاتحاد السوفياتي وطردوه دخل الثوار الموصوفون “بالمجاهدين” في قتال بعضهم بعضا، فقتل المسلم أخاه المسلم للحصول على الغنائم وخاصة تقسيم المناصب، ولم يتمكنوا من طرد أمريكا ولا عملائها في السعودية والباكستان. وقد بدأ الاقتتال بين الثوار في سوريا مبكرا قبل هزيمة بشار أسد وإسقاطه وقبل تقسيم الغنائم، فبدأ المسلم يقتل أخاه المسلم في سبيل السيطرة على المناطق وخدمة لجهات خارجية ممولة.
فنوجه النصيحة للثوار بأن يتعلموا من درس أفغانستان، ونحذرهم من أمريكا وسلاحها ومن الغرب كافة ومن أموال السعودية وغيرها من دول الخليج المسمومة، فلا يقتل بعضُهم بعضا، فليرجح المسلم الفرار من وجه أخيه المسلم على أن يقتله وليكن كخير ولدي آدم ولا يَبُؤْ بإثمه وإثم أخيه فيكون من أصحاب النار، وأن يتجه نحو إسقاط النظام العلماني في الشام والعمل مع العاملين على إقامة الخلافة، ولا يهتم بسيطرة هذا أو ذاك على هذه المنطقة أو تلك، لأن الشعب سيعرف إخلاصه فيمسك بيده وينقاد له ولو بعد حين، وسوف يرفض الشعب الذين أهمتهم أنفسهم وانشغلوا بالسيطرة على المناطق وخدمة جهات معينة. واعلموا أن النصر من عند الله العزيز الحكيم فحسب، لا يعطيه إلا لمن يستحقه، وأنه آت لا محالة، ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلى أمْرِهِ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور