التعاون الأمريكي الإيراني والطائفية في منطقة الشرق الأوسط هل نشهد ظهور الهلال الشيعي؟
ورد في افتتاحية صحيفة الجارديان: “لو قال شخص قبل عام أن الولايات المتحدة وإيران قد تتعاونان في الأزمات الدولية الكبرى، فإنه كان ليوصف بالجنون”.
لقد ظلت الرواية الرسمية التي تنادي بها كل من واشنطن وطهران على مر السنين هي أنهما عدوتان، تتنافسان مع بعضهما البعض على النفوذ في الشرق الأوسط. لكن الحرب الأهلية في سوريا، والاقتتال الطائفي في العراق مؤخراً تكذّب هذه الرواية من جهات متعددة، فهناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى وجود تواطؤ وتعاون بين هذين البلدين – بدلا من التنافس -، وهذه الأدلة هي العامل الرئيسي في تشكيل العلاقات بينهما.
فبمجرد إلقاء نظرة على بعض عناوين الأخبار مؤخرا، نجد أن صحيفة الواشنطن بوست تقول: “إن ظهور تنظيم دولة العراق والشام هو أفضل حدث ساعد على تطوير العلاقات بين إيران والولايات المتحدة منذ سنوات”، وتقول صحيفة ديلي ستار: “المواقف الغريبة: الولايات المتحدة وإيران تتعاونان في الأزمة العراقية”، وبحسب شبكة CNN: “الولايات المتحدة وإيران: من العداء الشديد إلى الشراكة في العراق”، في حين قالت صحيفة هآرتس اليهودية: “يتعين على الولايات المتحدة أن لا تتوسل إيران للتعاون معها في العراق وسوريا”، وفي الشأن الاقتصادي قالت محطة روسيا اليوم: “الشركات الأمريكية توقع اتفاق طاقة بمليار دولار مع إيران”.
لقد أصبح التعاون بين البلدين منذ إعلان الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) عن اتفاق نووي مع إيران في كانون الثاني/ يناير 2014م أكثر شفافية. وقد أجبر هذا الانفتاح الواضح طهران على القيام بالعديد من الإجراءات السياسية الأمريكية في سوريا والعراق، حيث تشارك في تقديم الدعم غير المحدود لكل من الأسد والمالكي.
ولنأخذ سوريا على سبيل المثال، فإن أمريكا كانت تراقب دعم إيران لنظام الأسد من خلال مدّه بمليارات الدولارات من المساعدات والأسلحة، وتعاون القوات الخاصة الإيرانية مع مقاتلي حزب الله في دعم الأسد، على الرغم من تخطيه العديد من خطوط أوباما الحمراء وفي مناسبات عديدة، إلا أن أمريكا رفضت معاقبة الأسد أو القوة الداعمة له (طهران).
وبالمثل، فقد قدّمت إيران – ولعدة سنوات – المال، والسلاح، والرجال، لمساعدة المالكي في قهر المقاومة السنّية في العراق. واليوم تعمل إيران على توفير المراقبة من خلال الطائرات بدون طيار ضد المسلحين السنّة؛ مغبة تقدمهم نحو بغداد وإيران، وعلى تقديم المستشارين العسكريين وغيرها من أساليب الدعم لمساعدة الشيعة في بغداد وفي الجنوب.
ومرة أخرى، وعلى الرغم من خوار الخطاب الأمريكي ضد التدخل الإيراني، فإن إدارة أوباما تواصل البحث عن سبل التعاون مع طهران، لاستكشاف أفضل التدابير لوقف تقدم المقاتلين السنّة، وأحد هذه التدابير التي رحبت بها واشنطن هي تسديد ضربات مشتركة نفذتها المقاتلات النفاثة السورية والعراقية ضد أهداف سنّية.
إن الصورة الواضحة في العراق وسوريا هي أن حكومة العلويين في سوريا والشيعة في العراق تشنّ حرباً وحشية ضد سكان تلك البلاد تحت رعاية إيران. وأمريكا ترفض المشاركة العلنية في هذه الصراعات، مفضّلةً الدعم الإيراني، مما يترك انطباعاً بأن أمريكا تدعم تغيرات الوضع الراهن. وبالتالي، فإن المرء يصل إلى استنتاج أن أمريكا ترغب في إنشاء الهلال الشيعي، الذي يمتد من لبنان إلى اليمن، ومثل هذه المجموعة من الدول -بمساعدة وتحريض من إيران – ستمكّن الشيعة من السيطرة على نفط الشرق الأوسط، ومن شأن ذلك أن يخدم مصالح أمريكا ويحافظ عليها. لقد حذّر الملك عبد الله (ملك الأردن)، في مقابلة مع فريد زكريا في دافوس سويسرا، في يناير/ كانون الثاني 2010م، من جهود إيران في تغذية الكراهية الطائفية وصعود الهلال الشيعي، فقال: “بعض الأعضاء في الحكومة الإيرانية لديهم تصور لوجود الهلال الشيعي، حيث يمسك السنّة والشيعة برقاب بعضهم البعض، وشق الصف يكون بين الشيعة والسّنة من بيروت وصولا إلى بومباي، وهذه لعبة كارثية”.
ولكي يضمن صانعو السياسة الأمريكية ضبط التوسع الإيراني، عملت أمريكا من خلال المملكة العربية السعودية، ودول الخليج الأخرى على تسليح العديد من الجماعات الجهادية السنّية. فكانت النتيجة هي صراع طائفي على نطاق واسع، حيث السنّة والشيعة يقاتلون بعضهم بعضا خارج نطاق مصالحهم. وبعض هذه الحركات يمكن أن تتحول إلى أن تصبح دويلات، فعلى سبيل المثال إعلان تنظيم دولة العراق والشام الأخير هو إحدى هذه المحاولات، ودفع الأكراد نحو الاستقلال مثال آخر، وهناك حديث كذلك عن تقسيم سوريا إلى عدة أجزاء. وليس هناك شك في أن أمريكا قد حرضت هذا التوجه عمدا، وأن إيران والمملكة العربية السعودية المستفيد الإقليمي الرئيسي.
ومرة أخرى شعوب المنطقة هي التي تعاني من فرض أمريكا رؤيتها الخاصة من اتفاقية سايكس وبيكو من خلال الحكام العملاء، وهي لا تهتم بعدد الذين يقتلون من المسلمين خلال هذه العملية، طالما هي قادرة على تأمين مصالحها الحيوية، حتى لو تطلب الأمر إنشاء دول جديدة مقتطعة من القديمة.
إنّ الخلاص الوحيد للمسلمين في المنطقة لا يكون إلا عبر وضع خلافاتهم جانبا. والخطوة الأولى في هذه العملية هي توحّدهم على أساس الإسلام، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
والخطوة الثانية هي إيجاد سلطة سياسية مستقلة عن أمريكا والعملاء الغربيين. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إعادة إقامة الخلافة الراشدة من قبل المسلمين بإعطاء البيعة للخليفة الذي سيحكم بالقرآن والسنة النبوية المطهرة، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً» صحيح مسلم.
والخطوة الثالثة هي رد المخططات والمؤامرات الغربية، التي تركّز على تقسيم البلاد الإسلامية واستغلالها، وجعل المسلمين يقاتلون في نضال رخيص. يجب على دولة الخلافة استخدام كل قوتها وطاقاتها لقطع يد أية قوة أجنبية تتجرأ على محاولة تقسيم الأمة الإسلامية، وعندها فقط ستكون الأمة الإسلامية قادرة على العيش بأمن وسلام، قال تعالى: ﴿… وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو هاشم