النفط سلاح ذو حدين
يقع هذا البحث في ستة محاور، تلقي الضوء وبشكل موجز ومفهم إن شاء الله على موضوع النفط وآثاره الدولية في محاولة لإدراك ما يجري من صخب تثيره الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم أسأل الله التوفيق والسداد.
المحور الأول: مناطق وجود النفط كمياته واحتياطاته.
تشير الخارطة النفطية إلى وجود النفط في المناطق التالية، أولاها تنازلياً بحسب المخزون المقدر لها، الخليج العربي 65% أمريكا الجنوبية 12% أوروبا 9% إفريقيا 6% وكل من أمريكا الشمالية ومنطقة شرق آسيا 4%.
هذا مع العلم بأن آخر التقديرات للمخزون النفطي العالمي تقدره مراكز الدراسات بحوالي 1000 مليار برميل، ويستهلك العالم الآن ما يقرب من 100 مليون برميل يوميا أي ما يقرب من 36 مليار برميل سنوياً، وهناك احتياطي للنفط غير مؤكد يقدر بثلاث ترليونات برميل.
المحور الثاني: النفط آيل للنضوب.
يقول ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي بوش في اجتماع مغلق نظمه المعهد البريطاني للبترول في لندن عام 1999 “من الواضح لنا جميعاً بأن إنتاج النفط آيل للنضوب… الخ” ويقول العالم الإنجليزي كامبل والجيولوجي الفرنسي جان لاهيريري في مجلة سينتيك أمريكان “من تحليلنا لواقع الحقول النفطية المستكشفة والمنتجة حول العالم يمكننا القول بأن حجم العرض من النفط التقليدي لن يكون كافياً لتلبية الطلب خلال السنوات العشر القادمة” ويضيفان “بأن هذا النضوب سيبدأ قبل عام 2010″ ونقلاً عن كنغ هوبرت أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة سيسجل ارتفاعاً خلال السنوات الثلاث عشر القادمة أي بدأ من سنة 1956- ليبدأ رحلة التراجع عام 1969 مع هامش خطأ لا يتجاوز العام الواحد” حسب تقدير كنغ هوبرت، وبالفعل وصل الإنتاج الأمريكي ذروته عام 70 ليبدأ رحلة الانحدار، ومثال ذلك حقل (برودهوباي) في ألاسكا، بدأ حجم الإنتاج ب 1.5 مليون برميل يومياً لمدة 12 عاماً قبل أن يبدأ عملية انحدار سريع حتى بلغ إنتاجه إلى 350 ألف برميل يومياً فقط، وكذلك حقل ساموتلور في روسيا انحدر من 3.5 مليون برميل يومياً إلى 325 ألف برميل، وكذلك حقل فورتي فيلد في بحر الشمال من 1/2 مليون برميل إلى 50 ألف برميل يومياً فقط.
بينما يتوقع لإمدادات النفط من منطقة الشرق الأوسط بالاستمرار بقوة خلال القرن القادم.
ولا يفوتنا أن عملية النضوب هذه سينتج عنها ارتفاع في تكلفة الإنتاج يؤثر في السعر العام للبرميل، وكذلك يحتم القيام بدراسات لتوفير مصادر أخرى للطاقة أهمها الطاقة النووية غير المفعلة على نطاق واسع في العالم حتى الآن وذلك بحظر من الولايات المتحدة الأمريكية.
المحور الثالث: سيطرة أمريكا على النفط.
بدأت أمريكا مشوارها مع النفط مع نهاية القرن التاسع عشر حيث بدأ اكتشاف النفط في أراضيها ونتيجة لغزارة الإنتاج آنذاك خرجت خارج حدودها تبحث عن أسواق لنفطها، ومع تطور الصناعة النفطية والاكتشافات الدولية للنفط شعرت الولايات المتحدة بخطورة الأمر فأصدرت التشريعات التي تقنن عملية الإنتاج وتوزيع الحصص داخل ولاياتها، وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية بل وخلالهما سعت جاهدة بالحيلة السياسية والقوة العسكرية للسيطرة على منابع النفط الدولية، وتجدر الملاحظة أن مبدأ مونرو حافظ على إنتاج الأمريكيين من النفط تحت سيطرة الولايات المتحدة وجاء مبدأ كارتر في أوائل السبعينيات وبعد انتهاء ذروة الإنتاج النفطي الأمريكي يقول بأن منطقة الخليج (الشرق الأوسط) مهمة للأمن القومي الأمريكي، ومنذ ذاك الوقت وضعت الخطط السياسية والعسكرية للسيطرة على الخليج ودوله، وما الحراك العسكري ابتداءً من كوسوفا مروراً بالبلقان وأواسط آسيا إلى أفغانستان ثم العراق وها هي في الصومال وتخلق شغباً في اليمن والسودان وغير ذلك من الأماكن لدليل على حرص الولايات المتحدة على سيطرتها على النفط.
وأسوق هنا ما سمي إستراتيجية وولفتز لعام 1992، كلف الوزير ديك تشيني مساعده وولفتيز بإعداد إستراتيجية عسكرية أمريكية للسنوات القادمة، جاء فيها سيكون هدفنا الرئيسي الحيلولة دون ظهور منافس جديد للولايات المتحدة سواء في أراضي الاتحاد السوفيتي السابق أو في أي مكان آخر، منافس قد يشكل تهديداً مماثلاً لما كان يشكله لنا الاتحاد السوفيتي من قبل، إن هذا الهدف يشكل أساساً للإستراتيجية الدفاعية الإقليمية الجديدة، ويتطلب منا العمل على منع أية قوة معادية من الهيمنة على منطقة تملك من المصادر ما يكفي لتغذية ولادة قوة إقليمية، ويتابع، وتشمل هذه الأقاليم كلاً من أوروبا الغربية وشرق آسيا ودول الإتحاد السوفيتي السابق وجنوب غرب آسيا.
ويقول في موضع آخر “إن هدفنا الإجمالي في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا هو إبقاء المنطقة خارج نفوذ أي قوة إقليمية، والحفاظ على حرية وصول الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى نفط المنطقة كما نسعى إلى ردع أي عدوان في المنطقة…الخ” انتهى الاقتباس.
وقد فعلت أمريكا حتى الآن ما تريد.
المحور الرابع: محاولة روسيا المحافظة على محيطها الإقليمي.
مع انهيار الاتحاد السوفيتي انفلتت من عقالها دول كانت تحت سلطانه قهراً فاستقلت كل منها منفردة وحازت لنفسها ما كان بني فيها من الناحية العسكرية والاقتصادية، ولكن ذلك لم يستمر لها طويلاً فحاولت روسيا إعادة ربط معها أو إقامة علاقات دولية معها تسمح لها بالسيطرة على نفطها من جهة وعلى المنشئات العسكرية والنووية في بعضها الآخر كما في أوكرانيا، وبالمقابل حاولت الولايات المتحدة أن يكون لها وجود مسيطر فكان لها مستشارين ومدريين عسكريين في كثير من هذه الدول في محاولة لا بعادها عن روسيا وبنفس الوقت للحصول على ثروة هذه البلاد خاصة النفطية كالدول المحيطة ببحر قزوين.
وكذلك تلك الدول التي يحتمل أن تمر بها الخطوط البديلة للخطوط الروسية الناقلة للنفط، ولكن لما استقر الرأي على أن احتياطات النفط في قزوين أقل مما أشيع أولاً قل الاهتمام الأمريكي بهذه الناحية وانسحبت الشركات الغربية بطريقة أو بأخرى، فالتوقعات الأولى لنفط قزوين كانت توازي نفط الخليج العربي ولكن في أخر المطاف ظهر أن الاحتياطي لا يتعدى العشرين بليون برميل من النفط، وما تزال العلاقات الأمريكية والروسية مع دول المنطقة بين مد وجزر.
المحور الخامس: نشوء دولة الخلافة.
أما الأمر الأكثر خطورة والذي سطع كما الشمس في ظهيرة العلاقات والاهتمامات السياسية الدولية هو تجلي فكرة وجود دولة الخلافة في منطقة العالم الإسلامي، والذي عبرت عنه الدول الكبرى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة في أكثر من مقام ومقال بشكل صريح، وأصبح مدار البحث الاستراتيجي على طاولات الأعمال السياسية والعسكرية، وأصبح الأمر ضرورة منع عودة دولة الخلافة إلى الظهور، لأن ظهورها يعني ضرب المصالح الغربية في المنطقة وقطع إمدادات النفط ورفع سيطرة دول الكفر عن طرق الإمداد الجوية والبرية والبحرية واقتلاع نفوذها من المنطقة بإذن الله، وهذا يعني على الأقل نشوء مصادمات وعدم استقرار أو حرب فعلية، فكلها تؤدي إلى إما اضطراب أو انقطاع الإمداد نهائياً وهو عين الكارثة بالنسبة للغرب وعلى رأسها أمريكا، لأنها ليست مستعدة بعد لبدائل الطاقة الأخرى، بل إن الحديث عن المسألة سيكون أكثر عمقاً وأهمية من مجرد استعراض صورة مخففة عنه الآن وفي هذا المقال.
إن الغرب قد وصل إلى قناعة مفادها أنه لا يستطيع أن يجابه دولة الخلافة إذا قامت والدليل ما يجابهه من معوقات ومشاكل عميقة ومقاومة عنيفة سواء في العراق أو أفغانستان أو الصومال، فإذا كانت هذه دول ضعيفة والمقاومة فيها ليست على مستوى الدولة والأمة، ومع ذلك تلاقي كل هذه الصعوبات في وجودها فكيف بدولة ستشحن الأمة الإسلامية كلها خلفها وتقودها جهاداً في سبيل الله فلا شك أن الأمر سيكون مخيفاً إلى الحد الذي تعمل معه الدول الغربية مجتمعة منذ وقت أن لا تقوم هذه الدولة، وسيخيب فألهم إن شاء الله، فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }الأنفال36
المحور السادس والأخير: إن هذه الثروات هي من الملكية العامة للمسلمين ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن ترتهن أو أن تخضع لأي قوة غير قوة
المسلمين ولا أن يستغلها أحد غير المسلمين، ولا يجوز لأي حاكم حتى ولو حكم بالإسلام أن يخص نفسه أو أحدا غيره بأي شيء منها، بل إن يده عليها يد أمانة يستخرجها ويبيعها بحسب الأحكام الشرعية المتعلقة بالعلاقات الدولية أو يصنعها ويكون مردودها للأمة ينفقها عليها سواء بإقامة المشاريع أو بالتوزيع مباشر على أفرادها أو تنفق على أمور واجب على الأمة أن تنفق عليها كالجهاد مثلاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو عمر البد راني