بيان صحفي حول تنبيه رئيس الحكومة المؤقّت لحزب التحرير
في الوقت الذّي يتداعى فيه كثير من زعماء الأحزاب إلى السّفارة الأمريكيّة المرّة تلو المرّة ويتهافتون على موائدها الدّسمة ومن قبل ومن بعد فرنسا وبريطانيا.
في الوقت الذّي يتّصل هؤلاء وأشباههم وما أكثرهم بالسّفراء صباح مساء في مقرّات السفارات وفي منازلهم.
في الوقت الذّي يقول فيه الملحق الإعلامي في رئاسة الحكومة “هذه الاتّصالات لا تهمّنا ونحن لا نتدخّل في شؤون الأحزاب وهذا أمر يهمّها”.
في الوقت الذّي تصرّح فيه أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بحقّ “اسرائيل” في الردّ والدّفاع عن نفسها بالأسلوب الذّي تراه ضدّ إخواننا المسلمين في فلسطين وتلوذ الحكومة بالصمت ولا تبدي حتّى استغرابها من هذه التصريحات.
في الوقت الذّي ترتع فيه الجمعيّات الماسونيّة المعروفة بأسمائها عالميّا، ترتع في البلاد طولا وعرضا وتقيم للصائمين موائد الإفطار وتستدرج شبابنا إلى دهاليزها المظلمة.
في الوقت الذّي يتجوّل فيه السّفراء في البلاد طولا وعرضا ويواسون النّاس ويعدونهم بالفرج، كأنّ أهل الخضراء من رعاياهم ويعودون إليهم بالنظر ويتصدّقون عليهم بشكل مُهين وينتدبون بعضهم للقنصليات والسّفارات لغاية في نفس الغرب.
في الوقت الذّي تأتي فيه هذه الحكومة بطريقة مسقطة وتقول الصّحافة العالمية أنّ رئيس الوزراء فيها هو من اختيار الغرب وجاء برضاه.. وفي أيّ زمن؟ بعد الثورة.
في الوقت الذّي ترفض فيه حكومة “الكرامة” قبول إخواننا الفلسطينيين الفاريّن من نيران الاحتلال ودماره واللائذين بتونس العزيزة وتقبل إسرائيليين بجواز سفر إسرائيلي وتقول وزيرة السياحة “لا وجود لقانون يمنع التّعامل مع إسرائيل”.
في الوقت الذّي يدعو رئيس الحكومة إلى تجاوز الدستور في فصله 13 ولمّا يجفّ حبره لأنّ هذا الفصل في نظره يعطّل نهب الثروات في البلاد وتمعُّش السماسرة.
في الوقت الذّي رهن فيه مهدي جمعة وحكومته بتنسيق جليّ مع رجال النّظام السابق بقيادة “الرّجل اللّغز” رهنوا البلاد لصندوق النقد الدولي لعشرات السنين بنسب مرعبة.
في الوقت الذّي لم تعد فيه معيشة النّاس تطاق في حدّها الأدنى بين غلاء فاحش وأجور مُهينة وزيادات ماكرة مفروضة وبين أوساخ وفضلات عفّنت حياة النّاس في المدن والقرى.
في الوقت الذّي تتراكم فظاعات الحكومة في حقّ المساجد وبيوت الله وتتجرّأ على حرمتها وتدنّسها رغم رفض كثير من الأمنيين لهذه المهمّة القذرة التي لم تحدث حتّى في زمن الدّيكتاتوريّة.
في الوقت الذّي يعدّ كثير من المخلصين ملفّات فساد مرعبة في حقّ كثير من أعضاء هذه الحكومة تفوق فساد بن علي وعائلته.
في الوقت الذّي أوصلوا البلاد إلى مأزق غير مسبوق ويرفض النّاس المسار التأسيسي جملة وتفصيلا ويجعلون الدستور مجرّد “نكتة سخيفة” ويمتنعون عن التسجيل في الدوائر الانتخابيّة إلى حدّ أفزع الحكومة ومن ولاها ومهّد لها.
في الوقت الذّي دعا فيه كثير من السياسيين إلى التمرّد والعصيان وإلى الانتقام وهدّدوا وتوعدّوا تحت أعين الكاميرا وشتموا الأمن ونعتوه بأقذر الأوصاف.
في الوقت الذي يطالب الكثير بالتّحقيق في خبر مسك قوّات الأمن في الجنوب أسلحة بمقرّ أحد الأحزاب بشكل صادم، ويكتم الأمر رغم حجم الفضيحة ودرجة الخطورة.
في الوقت الذّي يستميت فيه حزب التّحرير في الدّفاع عن البلاد والأمّة من الخونة ويعتبر الارتهان للأجنبي خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين ويدعو إلى ميثاق شرف في العمل السياسي أحد أركانه التشنيع على العملاء.
في الوقت الذّي يدعو فيه حزب التّحرير إلى جعل ثروات البلاد الباطنيّة ملكيّة عامة كما أمر الله ويكون مردودها للنّاس جميعا لا نهبا للشركات ما يضاعف مستوى عيش النّاس أزيد بأربع مرّات.
في الوقت الذّي يرفض فيه حزب التّحرير كلّ الأعمال الإجراميّة الإرهابيّة التي فيها سفك لدماء المسلمين ويدعو إلى كشف المؤامرة والحقيقة كاملة حتّى لا يذهب رجال الأمن والجيش في لعبة قذرة وسياق إقليمي ماكر.
في الوقت الذّي يلقى حزب التّحرير دعما شعبيّا منقطع النّظير ويقوم بأرقى الندوات والمؤتمرات شكلا ومضمونا ويحظى بإعجاب البعيد قبل القريب.
في الوقت الذّي يتقاطر النّاس على شبابه وعلى مكاتبه طالبين الحلّ والبديل في مقابل سياسات في البلاد ماكرة وهزيلة ومتعالية على النّاس، داست كرامة الأمّة والثورة وبلغت درجة الحضيض.
في هذا الوقت ومن عجب يرسل رئيس الوزراء تنبيها إلى حزب التّحرير (فقط حزب التّحرير) خاليا من البسملة وأي لفظ من ألفاظ الاستهلال والأدب وخاليا من السّلام ومن أيّ شكل من أشكال الملاطفة يطلب من حزب التّحرير أن يغيّر مساره وما عليه قام أصلا منذ عشرات السنين وما على أساسه أخذ الاعتماد الإداري منذ سنتين ويحاسبه على عدم الاعتراف بالدستور وعلى دعوته إلى مقاطعة الانتخابات وملاحظات أخرى مجموعة من فتات..
والأمر عندنا غير مستغرب بل منتظر، فقد أكدّنا منذ مدّة أنّ موضوع حزب التّحرير على طاولة سماسرة السياسة وبائعي البلد والذمّة مع دولتين أجنبيّتين، وأمر محاربة الحزب هو من الغرب عليهم شرط، وهو منهم للغرب عربون مصداقيّة وقبول وجدارة، وما مكتب الوزارة الأولى إلاّ المحطّة الأخيرة في هذا المخطّط.. سبقناهم بالكشف فخبرهم عندنا وصورهم شفّافة.
وأخيرا نؤكّد أنّنا نفوّض أمرنا إلى الله من قبل ومن بعد وهذا التنبيه الهجين من الحكومة يؤكّد لنا أنّنا على النقيض من كلّ مخادعتهم وألاعيبهم السياسيّة وأنّنا نَصْدُقُ اللهَ والنّاسَ ونؤكّد للرأي العام أنّنا حين قدّمنا للإدارة “إعلام وخبر” قدّمنا أنفسنا سافرين بدون تورية ولا نفاق ولا أقنعة بهويّتنا الفكريّة والسياسيّة وعلى ذلك الأساس جرى الأمر والوثائق عندهم وعندنا زائداً أنّنا قدّمنا لهم نسخة من الدستور الذّي نتبنّاه.
وهم قلّبوا الأمر ظهرا لبطن وعلى كلّ الوجوه ومع كلّ الأطراف داخليّا وخارجيّا بدليل أنّ جوابهم جاءنا في آخر يوم من موعد الردّ أي بعد شهرين كاملين، فالإشكال أيّتها الحكومة عندكم وليس عندنا ولا تتعالوا علينا بمرسوم أمضاه رجل بن علي الثاني فؤاد المبزّع أيام القرارات الاستعجاليّة والاضطراريّة ونقول للحكومة:
مسحة من صدق، وقليل من رشد يجعلكم تدركون أنّكم بصدد عمل خاطئ مع سبق الإصرار والترصّد.
ونقول للحكومة، كثرت تناقضاتكم وكثرت تجاوزاتكم وكثرت مظالمكم.. كثرت مكابراتكم.. لقد عقّدتم على البلاد والعباد أمرهم.. وأحبطتم عزائم الثورة.
ونحن نعلم أنّ من أوكل إليكم هذه المهمّة يريد أن يتخفّى بكم وأن يتهرّب من المجاهرة بالمسؤوليّة السياسيّة وهو يعلم أنّ حكومتكم بصفتها هذه هي حكومة عابرة سبيل لا تتحمّل مسؤوليّة حزبيّة أو سياسيّة مباشرة ولكن تذكّروا الزمن الذي أنتم فيه وأنّ القياس على الماضي قياس باطل ولاغٍ، وتذكّروا قول النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الحكم.. «إنّها أمانة وإنّها يوم القيامة خزي وندامة إلاّ من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها» وتمثّلوا عبر القرآن الكريم فهو الهادي سواء السبيل.
﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾
المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس