شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح8) – المادة (133)
نص المادة 133:
((الأرض العشرية هي التي اسلم أهلها عليها, وأرض جزيرة العرب, والأرض الخراجية هي التي فتحت حربا أو صلحا ما عدا جزيرة العرب, والأرض العشرية يملك الأفراد رقبتها ومنفعتها, وأما الأرض الخراجية, فرقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الأفراد, ويحق لكل فرد تبادل الأرض العشرية, ومنفعة الأرض الخراجية بالعقود الشرعية وتورث عنهم كسائر الأموال)) .
هذه المادة تحتوي على عدة أحكام شرعية, فلا بد من بيانها وبيان أدلتها من الكتاب والسنة وما ارشدا اليه من إجماع وقياس.
والأرض نوعان لا ثالث لهما وستبقى هكذا حتى قيام الساعة, إما أن تكون عشرية وهي الأرض التي أسلم عليها أهلها, فإنها تكون كأموال المسلمين ملكا لهم, يملكون رقبتها ومنفعتها وارض جزيرة العرب, وأما أن تكون خراجية فتحت حربا أو صلحا ما عدا جزيرة العرب, فالأرض بمنزلة المال تعتبر غنيمة أحلها الله تعالى للمسلمين, والدليل على أنها كسائر الأموال أي غنيمة للمسلمين, ما روي عن حفص بن غياث عن أبي ذئب عن الزهري قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أسلم من أهل البحرين أنه قد أحرز دمه وماله إلا أرضه, فإنها فيء للمسلمين, لأنهم لم يسلموا وهم ممتنعون).
والأرض التي لم يسلم أهلها عليها وفتحها المسلمون صلحا أو حربا تكون ملكا لجميع المسلمين إلى يوم القيامة, والخليفة يملك منفعتها للناس, وهذا ما جرى عليه خلفاء المسلمين طيلة عهود الدولة الإسلامية, من زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فهذا الحكم خرج به عمر بعد أن حصل خلاف بينه وبين بلال والزبير رضي الله عنهما, فالزبير رأى في أرض مصر لما فتحت أن تكون كالأموال المنقولة تقسم على المحاربين, ولكن عمر أبى ذلك حين كتب له عمرو بن العاص فأجابه عمر:( أن دعها حتى يغزو منها حبلُ الحِبلة) أي أن تكون ملكا للمسلمين ما تناسلوا, وبلال رضي الله عنه رأى ما رآه الزبير في أرض العراق، فكتب إليه واليها سعد،فأجابه عمر: ( وأترك الأرضيين والأنهار لعمالها ليكون ذلك في أعطيات المسلمين, فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء)، وقد كانت حجة عمر في ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ….} الحشر6
فإن الله قد قال: {… فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ …}الحشر7
ثم قال: (للفقراء والمهاجرين)، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم, فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ … }الحشر9، فهذا للأنصار خاصة, ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم, فقال سبحانه{وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ …}الحشر10، فكانت هذه عامة لمن جاء بعدهم, فقد صار الفيء بين هؤلاء جميعا, فهذا دليل عمر وكان الأقوى.
إلا أنه رضي الله عنه قد أستشار المسلمين فاختلفوا فأرسل إلى عشرة من الأنصار ,خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم, وكان مما قاله لهم: (وقد رأيت أن أحبس أرضين بعلوجها وأضع فيها الخراج وفي رقابهم الجزية يؤدونها , فتكون فيئا للمسلمين المقاتلة والذرية من بعدهم, أرأيتم هذه الثغور لا بد من رجال يلزمونها, أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر, لا بد لها أن تشحن بالجيوش, وإدرار العطاء لهم, فمن أين يعطي هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟)، فقالوا جميعا الرأي رأيك فنعم ما قلت وما رأيت.
فاستشهاد عمر بالآية وبعلة إبقاء الأرض بأنها غلة دائمة لبيت المال, استشهاد بالدليل الأقوى, ولذلك كانت الأرض التي تفتح فتحا أرضا خراجية تبقى رقبتها ملكا لبيت المال وينتفع أهلها بها, وهذا الحكم سواء فتحت حربا كأرض العراق أو فتحت صلحا كمدينة بيت المقدس.
أما إذا فتحت الأرض على خرج معلوم, فيجب على الدولة أن تعاملهم على ما صولحوا عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم لعلكم تقاتلون قوما فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم, ويصالحونكم على صلح, فلا تأخذوا منه فوق ذلك, فإنه لا يحل لكم)، هذا ان اشترطوا في عقد الصلح شرطا منصوصا عنه في الأرض, أما إذا لم يشترطوا، كما حصل في بيت المقدس, فإنها تعامل معاملة الأرض المفتوحة عنوة, لأنها تكون فيئا للمسلمين, وهذا كله في غير جزيرة العرب.
أما جزيرة العرب فلها وضع خاص فأرضها جميعها عشرية, فالرسول صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة وترك أرضها لأهلها, ولم يضرب عليها الخراج, لأن الخراج على الأرض بمنزلة الجزية على الرؤوس, فلم يثبت في جزيرة العرب, كما لم تثبت الجزية في رقابهم, لأن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف, يقول الله تعالى: (تقاتلونهم أو يسلمون)، ولذلك كانت أرضهم عشرية لا خراجية.
أما بالنسبة للأرض العشرية, فقد جعل عليها العشر وهو بمعنى الزكاة, والزكاة واجبة على المسلم ولكنها هنا واجبة في غلة الأرض, ولذلك تؤخذ بحسب الأرض لا بحسب مالكها, فإن ملك الكافر أرضا عشرية أخذ منه الخراج , لأن صفة الأرض عشرية, ولا تعتبر زكاة من الكافر, لأنه لا تؤخذ من الكافر زكاة, لأن شرطها الإسلام.
وأما كون الأرض العشرية والخراجية يحق تبادلها, وتورث عن مالكها, فلأنها ملك لمالكها أي ملك مال من أمواله, فتنطبق عليها جميع أحكام التملك, فالأرض الخراجية والأرض العشرية لا فرق بينهما إلا في أمرين اثنين:
أحدهما: بالنسبة لعين ما يملك, فإن مالك الأرض العشرية يملك رقبتها ومنفعتها, ومالك الأرض الخراجية يملك منفعتها فقط ولا يملك رقبتها, فإذا أراد مالك الأرض العشرية أن يوقف أرضه قبلت الدولة ذلك، لأنه يملك رقبتها, أما إذا أراد مالك الأرض الخراجية أن يوقف أرضه فلن يقبل منه لأنه لا يملك رقبتها أي لا يملك عينها, وإنما يملك منفعتها ورقبتها مملوكة لبيت المال.
أما الأمر الثاني الذي تختلف به الأرض العشرية عن الخراجية فهو: ما يجب على الأرض العشرية فهو ما يجب على الأرض العشرية فهو العشر, أي تجب فيها الزكاة على عين الخارج إذا بلغ النصاب.
وأما الأرض الخراجية, فيجب فيها الخراج أي المقدار الذي تعينه الدولة سنويا عليها, سواء زرعت أم لم تزرع, أنبتت أم لم تنبت, فأحكام الأرض الخراجية والأرض العشرية لا اختلاف في أحكامها إلا في هذين الأمرين, ولهذا يحق لمالكها إجراء العقود والتصرفات والتوريث .
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو الصادق