Take a fresh look at your lifestyle.

قل كلمتك وامشِ – سنون من عمر النكبة، ج3

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين

        تكلمنا في حديثنا السابق عن المحاولات المستميتة لبني يهود لانتزاع اعتراف من الدولة العثمانية -دولة الخلافة- ممثلة بالسلطان عبد الحميد – رحمه الله-، لكنه وقف سدا ً مانعا ً حصينا ً أمام محاولاتهم، وكان – رحمه الله- كالطود الشامخ أمام هذه الأطماع.

 

        ونتيجة لهذه المواقف المشرفة التي تنم عن عمق إيمان يدعوه للاحتفاظ بالأرض المقدسة وعدم التفريط بها بأي شكل من الأشكال وبأي ثمن مهما كان، أقول نتيجة لهذه المواقف بدأت عداوة اليهود للسلطان وللسلطنة تطفو على السطح وبدأت المؤامرات تحاك ضد السلطان، وكان التآمر على أيدي اليهود في أوروبا ويهود الدونمة داخل السلطنة وجمعية الاتحاد والترقي الماسونية المجرمة، وفي نهاية المطاف نجح هذا الثالوث الشيطاني ومن خلفه بريطانيا الصليبية الحاقدة في خلع السلطان عبد الحميد عن عرش السلطنة ونفيه إلى خارج إستانبول.

 

        بخلع السلطان عبد الحميد فتح الباب على مصراعيه لهجرة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها، ويقيت الأمور بين مد وجزر إلى أن استطاع العملاء من حزب الاتحاد والترقي الزج بالسلطنة في الحرب العالمية الأولى على غير ما يشتهي السلطان.

 

         وفي عام 1917م قامت بريطانيا المجرمة بإصدار وعد بلفور تعد فيه اليهود بالسماح لهم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

 

        وما أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها إلا وابتدأت بريطانيا الصليبية الخطوات العملية لزرع كيان غريب عن المنطقة هو كيان يهود، فقد أوعزت إلى عميلها ابن عميلها مدعي النسب الهاشمي زورا ً وبهتانا ً فيصل بن الحسين لتوقيع اتفاقية مع وايزمن يعطي فيها اليهود تسهيلات في إنشاء وطن في فلسطين والإقرار بوعد بلفور، وبالفعل فقد وقعت الاتفاقية بتاريخ الثالث من يناير سنة 1919م وكان من أهم ما جاء منها:

 

  • 1. تحدد بعد إتمام مشاورات مؤتمر السلام مباشرة الحدود النهائية بين الدول العربية وفلسطين من قبل لجنة يتفق على تعيينها من قبل الطرفين المتعاقدين.
  • 2. عند إنشاء دستور إدارة فلسطين تتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها تقديم أوفى الضمانات لتنفيذ وعد الحكومة البريطانية المؤرخ في الثاني من شهر نوفمبر سنة 1917م (أي وعد بلفور).

 

        أما بريطانيا الصليبية فما أن أنشئت عصبة الأمم إلا وقد سعت جاهدة لتكون الدولة المنتدبة على فلسطين وقد تم لها ذلك، وأصدرت عصبة الأمم قرارا ً بتعيين بريطانيا دولة انتداب على فلسطين.

 

         وما أن صدر قرار تعيين بريطانيا دولة منتدبة على فلسطين حتى بدأت مساعيها الحثيثة وبكافة الطرق والوسائل تنفيذ وعد بلفور بإقامة كيان لليهود في فلسطين.

 

         فكانت أول ما فعلته هو تعيين اليهودي هربرت صموئيل مندوبا ً ساميا ً على فلسطين، فقام بفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مصراعيه، فصارت قطعان اليهود تتوافد على فلسطين بالمئات والآلاف والمندوب السامي يمنحهم من الأراضي الأميرية (ملك الدولة) ما يشاء لتثبيت المهاجرين اليهود في فلسطين.

 

        قاوم أهل فلسطين مخططاتهم بكافة الأساليب والوسائل من مذكرات وعرائض ووفود إلى الحكومة البريطانية ومؤتمرات تعقد بترخيص من حكومة الانتداب في فلسطين، ولكن هذا لم يفلح في وقف الهجرة اليهودية واستيطان اليهود في فلسطين.

 

         فبدأت الثورات تندلع في فلسطين، وكانت أول ثورة قام بها أهل فلسطين عام 1920م، حينما حاولت سلطات الانتداب منع أهل الخليل من دخول القدس للمشاركة في موسم النبي موسى – عليه السلام- يحملون أعلام سيدنا إبراهيم – عليه السلام- وكان قد خرج أهل القدس ونابلس لاستقبالهم، فاقتحم أبناء الخليل باب الخليل في سور القدس ودخلوا وحصلت اشتباكات مع اليهود والإنجليز، كانت الحصيلة أربعة قتلى من العرب وتسعة من اليهود و250 جريحا ً.

 

         ثم كانت ثورة 1929م عندما علم أهل فلسطين بمحاولة اليهود الاعتداء على حائط البراق قرب المسجد الأقصى فقاموا بثورتهم في معظم بلدان وقرى فلسطين، وكانت أعنفها عندما قام أهل الخليل بمهاجمة حارة اليهود فقتلوا أكثر من 60 يهوديا وجرحوا أكثر من 50.

 

        استمرت القلاقل في فلسطين واندلعت ثورة 1936م التي امتدت إلى 1939م ولم يوفقها إلا مناشدة الخونة حكام الدول العربية لأهالي فلسطين أن يوقفوا ثورتهم ويثقوا ببريطانيا التي ستنصفهم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فاستجاب أهل فلسطين لنداء الخونة وأوقفوا ثورتهم.

 

        وما أن وضعت الحرب أوزارها وقد تيقنت بريطانيا الصليبية من أنها قد نفذت من جانبها وعد بلفور فأتت بمئات الآلاف من اليهود وأقطعتهم مئات الآلاف من الدونمات  والأراضي الأميرية، قامت بعرض القضية على الأمم المتحدة التي ولدت من رحم الاستعمار الكافر فصدر قرار تقسيم فلسطين إلى جزءين: الجزء الأكبر لليهود لإقامة كيانهم، والجزء الأصغر لإقامة دولتهم المزعومة.

 

         وبناء على هذا أعلن اليهود عن قيام دولتهم وساعدتهم الأمم المتحدة على ذلك، وحتى تتم عملية الإخراج حسب الأصول قامت بريطانيا بالإيعاز إلى عملائها حكام الدول العربية السبعة بإرسال جيوشها إلى فلسطين لقتال اليهود.

 

         وكانت الخطة تقتضي أن تتظاهر الجيوش العربية بالهزيمة أمام عصابات اليهود حتى يتم حبك المؤامرة على أهل فلسطين.

 

         وفعلا ً دخلت الجيوش وقامت بمعارك وهمية هنا وهناك ومكنوا اليهود من أخذ أكثر مما أعطاهم قرار التقسيم من أراضي فلسطين.

 

        ولنا إن شاء الله – تعالى- لقاء آخر نستعرض مرحلة أخرى من مراحل نكبة المسلمين في فلسطين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أخوكم، أبو محمد الأمين