خبر وتعليق النخب السودانية وصناعة الفشل
الخبر:
أوردت صحيفة الأخبار الصادرة في الخرطوم بتاريخ 21 شوال 1435هـ الموافق 17 أغسطس 2014م العدد (1178) نص ما أسمته بخارطة طريق الحوار الوطني، وقد جاء في متن الخبر ما يلي: (فرغت الأحزاب والقوى السياسية المنضوية في آلية الحوار الوطني من إعداد خارطة طريق وقد أعلنت لجنة الحوار الوطني في مؤتمر صحفي اتفاقها حول أهداف وغايات الحوار الوطني التي لخصتها في عدد من النقاط الأساسية على رأسها التأسيس الدستوري والسياسي والمجتمعي في إطار توافقي بين السودانيين لإنشاء دولة راشدة، بجانب التوافق على دستور وتشريعات قانونية تكفل الحرية والعدالة والاتفاق على نظام يكفل تلك الحقوق، فضلاً عن التوافق على تشريعات وإجراءات لقيام انتخابات عاجلة ونزيهة تحت إشراف مفوضية مستقلة سياسياً ومالياً).
التعليق:
لم تسلم أُذن في السودان من سماع ما يسمى بالحوار الوطني، فقد امتلأت وسائط الإعلام بتفاصيله، وما يجب أن يكون عليه، باعتباره هو الملاذ الأخير لمشكلات السودان، كما اتخذته معظم الأحزاب التي نسميها مجازاً سياسية غاية الغايات بالنسبة لها، فقدمته عبر خطابها الرسمي، ولاكته الألسن في المجالس، فلا يمضي يوم أو ليلة إلا ونسمع فيه ضجيجا وعجيجا حول الحوار، فهل فعلاً تتم معالجة المشكلة في البلاد عبر الحوار؟ وهل هذه التنظيمات الكرتونية المصلحية تعبّر عن مشكلات أهل السودان في أدبياتها ومسعاها؟ وما حقيقة ما يجري في دهاليز المؤامرات والمؤتمرات التي تعقد للحوار؟
إزاء هذا الوضع فإننا نذكر بالآتي:
أولاً: إن هذا الحوار الوطني لم يناقش مشكلة من مشكلات السودان التي ترتع وتجوب الطرقات كالفقر والجهل وغياب الأمن وتفكك رابطة الإسلام لدى أهل السودان بعد أن ابتلعتهم النعرات القبلية، وكادت أن تقضي عليهم الجهوية، نعم لم تناقش قضية الانهيار الاقتصادي في كافة المشاريع التي كانت العمود الفقري للبلاد قبل مجيء الإنقاذ، كما لم تناقش مشكلة الفساد الإداري والبنيوي الذي ينخر في أجهزة الدولة، فعن أي حوار تتحدثون؟ وأي علاج تطلبون؟ فقضية المشاركة في السلطة ليست مشكلة بالنسبة لأهل السودان بل هي مشكلة الوسط السياسي الذي ينظر للسلطة باعتبارها مطلباً ومغنماً.
ثانياً: ما هي المرتكزات الفكرية التي بني عليها الحوار، هل هي مستمدة من عقيدة الأمة السياسية؟ أم أنها مستمدة من الأسس الرأسمالية الكالحة؟ والجواب يكمن في خارطة طريق الحوار الوطني، حيث جاء فيها: (التأسيس الدستوري والسياسي المجتمعي في إطار توافقي بين السودانيين لإنشاء دولة راشدة)، فكيف يمكن للسودانيين أن يتوافقوا على دستور – وهو أم القوانين وأبوها – يفضي إلى إنشاء دولة راشدة؟ فأين الرشد في ذلك والحكومة تدعونا إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لإيجاد حلول الوسط التوافقية؟! فهل توجد منطقة وسطى بين الخير والشر أو بين الإسلام والكفر؟! إن هذا الأساس الذي يبنى عليه هذا الحوار هو العلمانية بعينها التي لم نجْنِ من تنفيذها علينا طوال العقود الماضية سوى الشقاء والتعاسة والبؤس، وها هي الحكومة اليوم تسعى لخلع جلباب العلمانية المتخفية في ثوب الإسلام، وارتداء جلباب العلمانية الصارخة، فأين قاعدة (الحل الوسط) من الآية الكريمة التي وردت في مقدمة خارطة طريق الحوار الوطني وهي قول الله عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾؟! فهل التوافق على حل وسط هو الاعتصام بحبل الله المتين؟ أم هو عينه الاعتصام بحبل الشيطان والسير في ركاب الأمريكان؟!
ثالثاً: إن التحاور مع الجماعات المسلحة التي ترتكب أفظع الجرائم في حق أهل السودان يعتبر خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، فتلك الحركات محل مساءلة وملاحقة من قبل الأمة لطلب القَصاص والعدل، ولقد خسر السودان ثُلثه جراء إقرار مبدأ التفاوض مع من حمل السلاح من أجل المطالبة بأهداف سياسية، فهل يعقل بعد ذلك أن نعاود الكرة مرة أخرى وبالأساليب والمناهج المنحرفة ذاتها؟! يا قوم أليس فيكم رجل رشيد؟!
رابعاً: إن الحوار الجاري الآن يراد له أن ينتج حكومة عريضة يشترك فيها الأفرقاء من سياسيي البلاد حتى تكتمل الخطة الأمريكية بتفتيت ما تبقى من السودان فيتفرّق دم البلاد بين الأحزاب التحاورية العلمانية، التي ارتضت أن يعتليها الغرب لمخططاته وخبثه ومكره الذي يريده للبلاد، فقد جاءت في اتفاقية الدوحة التي دعت الحركات المتمردة لإدراجها ضمن مرتكزات الحوار في الفصل الثاني، البند المتعلق بقسمة السلطة المادة (27): (يقام نظام حكم اتحادي يخول فيه السلطات بشكل فعال وتوزع المسؤوليات توزيعاً واضحاً لكفالة المشاركة العادلة) وهذا هو التآمر على البلاد والعباد بعينه.
هكذا ترسم القوى السياسية خارطة طريق تتواكب مع موجة المخططات الغربية لتمزيق ما تبقى من السودان عبر الحوار المزمع دون وعي ولا إدراك. وهذا ما يفضح حالة الإفلاس الفكري لدى النخبة السياسية في السودان، فهي تمارس الفشل بأسوأ درجاته وتكرر نفس السيناريوهات التي حدثت في السابق لتصنع مزيداً من الفشل.
إن مشكلة أهل السودان تكمن في غياب الفكرة السياسية المنتجة التي تعبر عن عقيدة الأمة الإسلامية وتراثها الفقهي، ولا يكون الحل إلا بهذه العقيدة السياسية الولود، ففيها من الكفاية ما يخرج الناس من ظلم الأديان إلى عدل الإسلام العظيم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام الدين أحمد أتيم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان