شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام الحلقة العاشرة – المادة 135
نص المادة 135:
((يمنع تأجير الأرض للزراعة مطلقا, سواء أكانت خراجيه أم عشرية, كما تمنع المزارعة, أما المساقاة فجائزة مطلقا)).
تبين هذه المادة أن الأرض سواء أكانت عشرية أم خراجيه لا يجوز تأجيرها للزراعة, ولا مزارعتها, وذلك لكثرة النصوص التي منعت إجارة الأرض, فلا تؤجر بالنقود ولا بالمبادلة ولا بغيرها, كما لا يجوز مزارعتها أي تأجير الأرض بشيء مما تخرج, أو بشيء مما تنبته من الطعام أو غيره, لأن كله إجارة.
فقد روى رافع بن خديج قال: ((كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر أن بعض عمومته أتاه فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا, وطواعية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع, قال: قلنا ما ذاك؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت له أرض فليزرعها, ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى)).
وعن أبن عمر رضي الله عنهما قال: ما كنا نرى بالمزارعة بأسا حتى سمعنا رافع بن خديج يقول: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها)).
وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها, فإن أبى فليمسك أرضه)).
وفي سنن النسائي ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض, قلنا يا رسول الله: إذن نكريها بشيء من الحب, قال: لا, قال نكريها بالتبن, فقال لا, قال نكريها على الربيع, قال: لا ازرعها أو أمنحها أخاك)) .
فهذه الأحاديث صريحة في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن تأجير الأرض, والنهي وإن كان يدل على مجرد طلب الترك, غير أن القرينة هنا تدل على أن الطلب للجزم.
أما بالنسبة لتحريم المزارعة, فقد أخرج أبو داوود عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من لم يذر المخابرة (المزارعة) فليؤذن بحرب من الله ورسوله)).
ومما تقدم نرى وضوح الإصرار على التأكيد عن النهي, والأحاديث ظاهر فيها الجزم, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاهم عن كراء الأرض على الإطلاق. فقد قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: نكريها بشيء من الحب, قال: لا, ثم قالوا نكريها بالتبن فقال لا, ثم قالوا نكريها على الربيع فقال لا, ثم أكد ذلك بقوله: ((أزرعها أو أمنحها أخاك))، فتكرار اللفظ يفيد التوكيد على الرفض, وتنوع الحالات التي جاء بها النهي تدل على الجزم, وما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أزرعها أو أمنحها أخاك)) يفيد الحصر, وحرف (أو) للتخيير بين شيئين افعل هذا أو هذا, ومعناه لا تفعل غيرهما، فهذا الحصر يدل على الجزم , فهو قرينة على أن النهي الوارد في الأحاديث عن إجارة الأرض للزراعة نهيا جازما, ويؤيد أن النهي للتحريم ما ورد في رواية أبي داوود عن رافع قال: (( انه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها, فسأله لمن الزرع ولمن الأرض؟ فقال: زرعي ببذري وعملي, ولي شطر ولبني فلان الشطر, فقال: أربيتما, فرد الأرض على أهلها, وخذ نفقتك)), فهنا وصف الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المعاملة بأنها ربا, والربا حرام بالنص القطعي, وأيضا طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من رافع أن يرد الأرض على صاحبها بما فيها من زرع ويأخذ نفقته, أي طلب منه فسخ المعاملة, فدل على أن النهي نهي جازم فهو حرام.
فالأدلة التي أستند أليها بعض الفقهاء في جواز إجارة الأرض للزراعة, أدلة جرى تمحيصها ومحاولة تبيان ما فيها من عدم الانطباق على ما أجازوه من أن تأجير الأرض الزراعية جائز فتبين بوضوح أن استدلالهم لم يكن في محله, وذلك عند محاكمتها.
أما المساقاة الواردة في المادة: وهي تأجير الشجر على جزء من ثمره أو تأجير الشجر مع الأرض التابعة له, على جزء من التمر والزرع على أن يكون الشجر أكثر من الأرض.
والدليل على أن هذا هو معنى المساقاة شرعا, وعلى جواز المساقاة, الأحاديث الواردة في ذلك,
فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال)( قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم, اقسم بيننا وبين إخواننا النخل, قال: لا, فقالوا تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة, قالوا سمعنا وأطعنا)).
وأخرج البخاري عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما , أخبره, أن النبي صلى الله عليه وسلم, عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع, فكان يعطي أزواجه مائة وسق, ثمانون وسقا تمرا, وعشرون وسقا شعيرا, فقسم عمر خيبر، فخير أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم, أن يقطع لهن من الماء والأرض, أو يمضي لهن الأوسق, وكانت عائشة اختارت الأرض.
وأخرج مسلم وأبو داوود والنسائي: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم, ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمرها)).
فهذه الأحاديث تبين معنى المساقاة, أنها تأجير الشجر وحده على جزء من ثمرة كما هو ظاهر في حديث أبي هريرة من فعل الأنصار, وتدل على أنها أي المساقاة تأجير الشجر ومعه الأرض على جزء من ثمر الشجر وزرع الأرض, كما هو ظاهر في حديث نافع عن عبد الله بن عمر ((عامل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرا أو زرع))
وكما هو ظاهر في حديث مسلم وأبي داوود والنسائي((نخل خيبر وأرضها))، فتدل على أن التأجير إما للشجر وحده وإما للشجر والأرض معا, وتدل أيضا على أن الأرض تكون أقل من الشجر, فواقع المساقاة التي أجازها الشرع هي: تأجير الشجر بجزء من ثمره أو تأجير الشجر والأرض بجزء من الثمر وجزء من الزرع على أن يكون الشجر أكثر من الأرض .
وإلى حلقة قادمة ومادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعدها للإذاعة: الأستاذ أبو الصادق