الإرث القاتل
الحمد لله رب العالمين حمد التائبين الطائعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق أجمعين والمبعوث هدى ورحمة للعالمين وبعد:
لا يجتمع في القلب الواحد ضدان، فلا يلتقي الشرك مع الإيمان ولا الحق مع الباطل، فالعقيدة ترفض أن يكون الطاغوت شريكا لها في القلب، فإما التجرد والتفرد لها وإما الانسلاخ منها.
(العقيدة) أن يكون لها الانتماء الحي والصدق والإخلاص وأن تكون هي المهيمنة والقائد، وهي المحركة والدافع، وهي التي تنبذ وترفض كل ما يتعارض معها، ولا يعني هذا أن يترهب المسلم، وأن يزهد في الدنيا إلى حد الغلو والانقطاع عن طيبات الحياة، أو ترك العمل في إعمار الكون أو ينقطع المسلم عن أهله وأصدقائه وعشيرته، أو يترفع عن الزواج، ولا يمتلك ما يمتعه في الحياة من ولد ومال ومتاع.
أ
يها المسلمون: العقيدة أولاً: بمعنى أن تكون هي الأس في الحياة فإذا ترسخت في القلب وصارت هي المرجع في الأخذ والعطاء وصارت كل شيء وكل عمل بعدها استثناء، وكل عمل استثناءا بعد العقيدة، بعدها للمسلم أن يستمتع في حياته بنعمة الزواج والولد والمال، والطيبات من رزق الله من غير إسراف ولا تقتير ولا تبتل.
أيها المسلمون: تنقطع أواصر الدم والنسب، أواصر الوطن، وأواصر المال والمصالح، إذا انقطعت علاقة المسلم مع عقيدته، فإن ولاءه لعشيرته وقومه وولده، لا تنفعه فلا بد من تقرير المبدأ أولاً وترسيخ العقيدة أولاً، وتمكين رابطة العقيدة بين المسلمين أولاً قبل أي ارتباط.
يقول الله عز وعلا في سورة التوبة: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24.
أيها المسلمون: تضمنت هذه الآيات معظم الروابط، والأواصر التي يرتبط بها الناس وأولاها الرابطة القومية، ثم الرابطة المادية والنفعية، ثم الرابطة الوطنية، وخاتمتها الرابطة الدينية، رابطة العقيدة، رابطة الإسلام.
تدعو هذه الآيات الجماعة المسلمة أفرادا وجماعات ودولة إلى التمسك برابط العقيدة (الإسلام)، وأن تكون هذه على رأس الأولويات، ولا رابطة ولا علاقة مما ذكر ينبغي أن تتقدم وترتفع وتتصدر رابطة العقيدة والجهاد في سبيل الله، وأن المسلم ليرتاح ويطمئن إلى هذه الرابطة، رابطة العقيدة، لأنها من فطرته، وفيها لذة الشعور بالاتصال مع الله وفيها رضوان الله وفيها الارتقاء والاستعلاء على الانحطاط والانحدار والهبوط مع غيرها من الروابط، وواقع المسلمين يدل دلالة واضحة لا لبس فيها على المستوى الهابط والضعف القاتل والانحطاط والهبوط عن المستوى الذي كان عليه المسلمون يوم أن كانت العقيدة لها السيادة والقيادة، وما الفتوحات والانتصارات والنهضة والحضارة، التي كان عليها المسلمون لدليل مضيء على حاجة المسلمين اليوم إلى العودة إلى عقيدتهم ومبدأهم، إلى دينهم الذي فيه عزهم ومجدهم ونصرهم وقوتهم.
يقول صلى الله عليه وسلم ناهياً عن التعصب وعن الغلو وعن الدعوة إلى العصبية والتنادي بها «دعوها فإنها منتنة »، أجل إنها منتنة تزكم منها الأنوف، ومدمرة كما دمرت المسلمين ومزقت وفرقت جمعهم، وهدمت دولتهم دولة الخلافة على أيدي الكافرين الحاقدين ومعهم المنافقون من أبناء جلدتنا، وعادوا بعد هدم الخلافة، سيرتهم الأولى في العقد الجاهلي، وهذا الشاعر يعبر عن تلك الحال،
وما أنا إلا من غزيه إن غزت غزوت وإن ترشد غزيه أرشد
بل أهبط وأحط من هذا إذا غزيت دولة، اشترك العرب مع الأعداء في ضرب أخيهم المسلم واحتلال الأوطان وما أحداث فلسطين والعراق عنا ببعيدة.
أيها المسلمون هذه الرابطة، الرابطة القومية هابطة ومنحطة وضعيفة وهي موجودة عن الحيوان والطير والهوام وقد تبرز في الحيوان بقوة أقوى ما عند الإنسان، إذ تصل في هبوطها عن الإنسان إلى حد لا يساعد الأحد أباه ولا أخاه ولا جاره كما الحال عند الكافرين إذا بلغ الشاب أو الشابة رشدهما استقل في حياته وتصرف كما يحلو له، ولا يكون لوالديه أدنى اهتمام أو اعتبار أو احترام أو شفقة.
وتبرز هذه الرابطة (القومية) عند الإنسان أكثر ما تبرز في الملمات والأحداث والاعتداءات، قد يستجيب للصريخ أوالملهوف، فإذا زال الدافع عادت إلى ضعفها تتنازع على المصالح والمنافع وتؤجج نار الفتنة، التعصب رابطة منحطة بحكم العلاقات بين المنتمين إليها، والنظم الوضعية التي تطبق، أعراف وتقاليد يضعها شيخ القبيلة أو المتنفذ فيها أو رئيس الدولة من خلال المجالس التشريعية لتنظيم حياتهم وضبط سلوكهم وحل مشاكلهم.
أيها المسلمون: لا قيمة لهذه الرابطة وحال العرب اليوم بعد إقصاء الإسلام مثل حالهم في العصر الجاهلي بل أدنى من ذلك إذ ترى العدو يداهم قطراً عربياً، يحتله، يدمر ويقتل، يعتقل ويهتك دون أن يتحرك القطر المجاور الذي يرتبط معه برباط القومية لمساعدته، ودفع الخطر عنه، ودحر العدو المعتدي على أرضه.
هذا إن لم يكن قد ساعد العدو الخصم لوجستيا وعسكريا بالرجال والسلاح، إضافة إلى الخصومات والنزاعات التي تنشب بيه الأقطار، ذات القومية الواحدة، واللغة الواحدة والوطن الكبير الواحد، إذ يزعمون أنهم أمة واحدة ذات رسالة خالدة فكيف إذا وقف الشقيق العربي في صف الأعداء لمقاتلة أخيه في القومية والحس الوطني كما حدث في فلسطين والعراق لبنان.
فكيف إذا كان الزعيم العربي يحرك جيوشه لقمع أهله ورعيته ويهدم كل ما بناه في حياته باسم افتراءات التطرف والعنف والتعصب.
أيها المسلمون: الرابطة القومية لا تحمل وجهة نظر في الحياة ولا نظام حياة وليست أكثر من نوازع عاطفية مشاعرية لا تنفع المنتمين إليها ولا الداعين لها، فكيف إذا كانت من صنع الكافر الحاقد على المسلمين، يريد أن يمزقهم إلى قوميات وعنعنات وكيانات تحت شعار ((فرق تسد)).
يقول صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى عصبية فعضو على هم أبيه ولا تكنوا)
هذه الرابطة التي محاها الإسلام، وآخى بين المسلمين بديلاً عنها ،وجعل لهم سلطاناً يبايعونه على السمع والطاعة والحكم بما أنزل الله يرتبطون برباط الإسلام وعقيدة الإسلام ويحميهم ويعزهم سلطان المسلمين ويعدل بينهم على اختلاف أعراقهم ومنابتهم ولغاتهم، وأقطارهم وهم أمة واحدة من دون الناس، وهم سواء أمام الأحكام الشرعية بصرف النظر عن المركز والموقع والوطن واللون، فسلمان الفارسي أولى به المسلمون من أبي لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
إذا كانت هذه الرابطة القومية منحطة لا تصلح لأهلها ولا للداعين لها، فإن الروابط الأخرى من وطنية ومادية ومصلحيه أسوأ وأحط وأضعف ولا يصلح للمسلمين بخاصة وللعالم بعامة إلا الرابطة المبدئية، رابطة العقيدة، وهذه العقيدة لا تصلح إلا إذا كانت هي صالحة ومبدأها صالحاً ومن بعث الخالق عز وجل للبشرية كلها ألا وهي العقيدة الإسلامية عقيدة السماء التشريع والأحكام والأفكار والأفهام من السماء ومن الله عز وجل للناس أجمعين.
أيها المسلمون الإسلام معه الحل، ومعه العلاج، فهو من تنزيل الله عز وجل وهو مبدأ عالمي للبشرية كلها ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الطواغيت إلى عبادة الله عز وجل، ومن ظلم الأنظمة الوضعية إلى سماحة وعدل الإسلام.
ولقد كانت للإسلام حياته وفترته المشرقة التي استمرت أكثر من أربعة عشر قرناً في دولة الإسلام دولة الخلافة مع سلطان المسلمين وإمامهم.
ومن عاش في كنف المسلمين واستظل بفيء الإسلام تذوق نعيم الحياة وأمنها وعدل الإسلام والمسلمين واستقرار حياتهم حتى تآمر على دولة الخلافة الغرب الحاقد ومعه اليهود والمنافقون فهدموها ومزقوها إلى كيانات ودويلات، وقوميات عربية وفارسية وتركية وهندية وبربرية وأفغانية و….. .
وصار المسلمون باد دولة وبلا خليفة يعيشون في ضياع وانحلال وتفكك في حياة مريرة يتكالب عليهم الكافرون ينهبون خيرات بلادهم ويحتلون أرضهم وأوطانهم ويفرضون نظمهم من ديمقراطية واشتراكية ورأسمالية كما هو حاصل اليوم، فتجرع مآسي هذه النظم الفاسدة ،وعلى أيدي أبناء جلدتنا من حكام العرب والمسلمين الموالين لأعداء الإسلام والمسلمين، وصار المسلمون في حال يفرح لها الأعداء ويمعنون في ترسيخها شاعت المنكرات وكثر التنازع والتهاوش والتعصب بدافع القوميات والوطنيات هذه الفتن والمفاهيم المغلوطة التي غرسها الغرب في عقول ونفوس الأجيال حتى وصل الحال أن يقف المسلم في صف الكافر يدافع عنه ويقاتل معه أخاه المسلم.
أيها المسلمون: الإسلام وحده هو الرابطة الصحيحة والقوية هو حبل الله المتين وهو في موضع الالتفاف حولها والاجتماع بها وتطبيق ما جاء فيها من أحكام ونظم التي تحكم العلاقات وتطبق الحدود والعقوبات وتنتظم حياة الناس وينضبط سلوكهم، ويعيش الجميع في دعة ورغد وآمان.
المسلمون اليوم مدعون، ومكلفون بنقل وحمل الإسلام دعوة للعالمين بطريقته الشرعية وهو الجهاد في سبيل الله من وراء خليفة سلطان المسلمين الذي يستنفر المسلمون ويعد الجيوش ويعقد الألوية لرفع كلمة الله وتطبيق شرع الله.
ما أحوج المسلمين اليوم إلى إمام يقاتل من ورائه ويتقى به، يحمي بيضة الإسلام، ويسترد ما أغتصب من الأوطان ويمكن لهذا الدين في الأرض ويرفع راية الإسلام خفاقة على ولاية من ولايات المسلمين في دولة الخلافة.
ليس للمسلمين خلاص إلا بعودة الإسلام وسلطان المسلمين والجهاد في سبيل الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الأستاذ أبي أيمن