Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق تجريد القوات المسلحة في تركيا من نفوذها بصورة تدريجية هادئة (مترجم)

الخبر:

عقد المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير في 15 آب/أغسطس 2014 مؤتمراً إعلامياً عالمياً يدعو إلى إنقاذ غزة… بل كل فلسطين المحتلة، وبيان الطريقة الشرعية الواجب اتّباعها لإنقاذها من هجوم كيان يهود، وذلك تحت عنوان: “غزة… بل كل فلسطين تستنصر جيوش المسلمين“. وكان من بين الكلمات التي ألقيت خلال المؤتمر كلمة محمود كار، التي كان عنوانها: “نداء حار إلى الجيش التركي.. آخر جيش حمى فلسطين“. وقد وجّه فيها نداءً قوياً عاجلاً إلى ثامن أقوى جيش في العالم، الجيش التركي، داعياً إياه لأن يهبّ على عجل لتحرير أرض فلسطين المباركة باعتبار ذلك واجبه أمام الله سبحانه وتعالى، ومستشهداً بالعديد من الأمثلة الناصعة من تاريخ تركيا العثمانية المجيد.

ما يطرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات حول جرأة هذه الدعوة (النداء) وموقعها وواقعيتها. فقد كانت القوات المسلحة التركية على مدى عقود هي محل الثقة الذي لا تدانيها فيه أي مؤسسة أخرى في تركيا. غير أنه مما لوحظ خلال العقد الأخير ذلك التجريد الخفيّ المحكم والبطيء لهذه القوات من نفوذها وتأثيرها في مجريات الأمور، ونقل مركز القوة والنفوذ من العسكر إلى الطبقة السياسية. وهو الأمر الذي خلّف أثراً [سلبياً] حاداً وقوياً على القوات المسلحة التركية، خصوصاً أثناء الحملات الشرسة على الفساد في أوساط العسكر، التي أدت إلى تقوية الطبقة السياسية في السنوات الأخيرة، ومعه استنزاف المزيد من نفوذ هذه القوات. وإن هذا كله ليثير القلق العميق خصوصاً في ظل بروز الإسلاميين على طول الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا. [المصدر: مقال “ما وقع من تطورات على دور الجيش التركي في السياسة”، في موقع صحيفة ALMONITOR، 27 آب/أغسطس 2014]

 

التعليق:

لقد قدحت الكاتبة زناد العديد من النقاط في مقالتها التي تحدثت فيها عما وقع من تطورات على دور الجيش التركي في الحياة السياسية في تركيا. إذ كان حزب التحرير في كلمته التي ألقيت في المؤتمر قد وجّه خطابه الجريء إلى الجند القابعين في معسكراتهم في وقت كانت فيه الأمة تعيش في ضيق ما بعده ضيق. كما لم يلق هذا الأمر الجلل ما يستحقه من تغطية في وسائل الإعلام التركية. واللافت أن دعوات محمود كار المتكررة للجهاد، ولتحريك القوات المسلحة التركية، ولتحرير فلسطين، لو كانت قد أطلقت قبل عقد من الزمان، لكانت لقيت ربما الكثير من الردود التصاعدية. فلماذا هذا الرد الفاتر الآن؟ ولماذا لا نجد شعوراً بالقلق والحذر اليوم، خاصة مع وجود كثير من الجماعات الإسلامية الجهادية على مقربة من حدود تركيا؟ وماذا عن تغطية وسائل الإعلام التركية للعدوان على غزة وردّها على ذلك؟

إن السحب البطيء للنفوذ من القوات المسلحة التركية وإعطاءه لسياسيي حكومة حزب العدالة والتنمية له العديد من الأضرار الكامنة تحت رماد. فهو الذي أتاح المجال لهذا الموقف الفاتر بصورة ملحوظة بين العسكر من مختلف الرتب، وذلك بالرغم من المرتبة المتميزة التي يحتلها هذا الجيش بين جيوش العالم وخبرته الواسعة وقوته الكبيرة. ولكن ما فائدة ذلك كله إن كان كبار الضباط والقادة في هذا الجيش لا يشعرون بمسؤولية تجاه أمتهم، فلا يردّون على معاناة شعبهم وسفك دمائه ودماء أبناء أمتهم عموماً؟! إن هؤلاء الضباط الذين كرسوا حياتهم للعسكرية هم أيضاً جزءٌ من جسد الأمة الأكبر التي ليس لها أحدٌ سواهم تطلب منه نصرتها وإنقاذها. وهذا هو أحد الأدوار المحورية الأساسية التي نذر حزب التحرير نفسه للنهوض بها في الأمة، وهو إيقاظ الإحساس بالواجب لدى الضباط والجنود الذين أصبحوا أشبه ما يكونون بالأموات، وإذكاء شعورٍ أرقى بنظرتهم إلى مبرر وجودهم في هذه الحياة وموقعهم ووضعهم بالغ الأهمية والحساسية.

كما تكشفت قوة وهيمنة الحكومة التركية من خلال محاولاتها الماكرة استخدام أساليب التغطية الإعلامية الاعتيادية أو التعتيم الإعلامي لإبقاء عامة الناس لا يدرون بصرخات حزب التحرير ونداءاته. وهو الأمر الذي يزيد من اتساع الفجوة بين الناس وبين القوات المسلحة التركية. وذلك حسبما أومأت الكاتبة من طرْفٍ خفيّ وبصورة لاذعة حينما قالت في مقالها “… سيكون من النادر، هذا لو حصل فعلاً، أن تجد ضابطاً ما زال على رأس عمله يدلي بتصريح في البرامج الإخبارية، أو ضابطاً متقاعداً يقدم تعليقاً بشأن القضايا الأمنية في برامج التلفزيون. ما يعدّ تغيراً صارخاً، حيث اعتادت القوات المسلحة أن تدلي بتعليقات قاسية حتى على مسائل أقل أهمية. أما الآن، فقد توارت هذه القوات عن الأنظار بحيث يكاد المرء لا يشعر بوجود لها.”

لقد أغضب هذا الموقف المتعجرف تجاه القوات المسلحة التركية على نحو جدّي الكثير من الضباط الكبار، وجعل الضباط الأقل منهم رتبة يلقون باللوم على سياسات إردوغان في تغيير مكمن النفوذ في البلاد. وبالرغم من ادعاءات حكومة إردوغان بأنها قلقة وتتعرض لضغط كبير جراء سياسة الحدود المفتوحة في المنطقة الجنوبية الشرقية (المجاورة للعراق وسوريا)، فإن هذا الأمر قد بات مصدر قلق هائل للولايات المتحدة من احتمال تسلل الإسلاميين المسلحين أو السياسيين. كما أدى تجريد القوات المسلحة من معظم نفوذها إلى أن باتت ضعيفة بشكل كبير أمام حزب العدالة والتنمية، ولم يبق لها أي وزن أو تأثير تقريباً في شؤون البلاد.

ويشمل هذا الأمر كذلك دور إردوغان في سياسات هذا الحزب والمحاكمات الواسعة التي طالت غالبية قطاعات القوات المسلحة، ما يعني تجريدها المزيد والمزيد من نفوذها ويفقدها الكثير من بريق صورتها كقوات ذات نفوذ وقوة. وقد صبّ هذا كله في خدمة مصالح الولايات المتحدة، المستفيد الأكبر من اختراق حكومة تركيا بواسطة بوقها الراعي لمصالحها إردوغان، وإضعاف الجيش صاحب أكبر ثامن قوة في العالم، الذي يمكن أن يكون تهديداً كبيراً وقوة جبارة من قوى الخلافة الموشكة على القيام، بإذن الله.

وإذا ما وصلنا أخيراً إلى الحديث عن حزب التحرير وصرخته المدوية التي أطلقها لجيوش الأمة في بلاد المسلمين، سنجد أن حزب التجرير يرى أن القوة تكمن في يد الجيوش. ولذلك هو يسعى ويجدّ في طلب النصرة (القوة المادية) من أهل القوة والمنعة. فالجندي الذي يتم تذكيره ويتذكر واجبه أمام الله عز وجل والأجر العظيم للجهاد، والضابط/ القائد الكبير الذي يتذكر أنه هو أكبر مَن يقع على عاتقه فرضُ الاستجابة لاستغاثات الأمة، هما المفتاح الرئيسي للوصول إلى السلطة الحقيقية (الحُكم). ما يجعل الحزب يركز على إثارة أفكار العقيدة الإسلامية المغروسة الكامنة في أعماق عقول المسلمين وتملأ جنبات صدورهم. وإنها، والله، لصرخةٌ عاجلة حازمة وملحّة، في ظل هذه الحرب الشرسة على الإسلام والمسلمين، التي يشتدّ سُعارها ويتضاعف عدد ضحاياها من المسلمين يوماً بعد يوم. وإلى أن يستجيب هؤلاء الضباط والجنود، سيظل الثمن الباهظ المدفوع، يا للحسرة والأسف، هو استمرار سفك دماء المسلمين والمسلمات الطاهر. فإلى متى يا جُند الله!

 

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم مهند