هل فشلت سيداو في البلد العلماني (لبنان)
طالعتنا الصحف اللبنانية خبراً مفاده أن التقرير الذي أعلنته الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية أظهر أن التمييز لا يزال موجودا بنحو كبير على الرغم من بعض الخطوات الإيجابية التي ظهرت خلال السنوات الماضية. فعندما وقع لبنان عام 1996 اتفاقية سيداو حرص على التحفظ على مادتين أساسيتين تتصلان مباشرة بمفهوم المواطنة، من أجل حماية حقوق الطوائف والتأكد من عدم الإخلال بـ “التوازن الطائفي”.
ولا يزال إلى اليوم متحفظاً على المادة 9 المتعلقة بحق إعطاء الجنسية والمادة 16 المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية. فبعد مرور 8 سنوات على المهلة التي أعطتها اللجنة الدولية المعنية بمناقشة التقرير الرسمي للبنان والذي كان من المفترض أن يحقق تقدما ملموسا في القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ولكن التحفظ ما زال مستمرا على الفقرة 2 من المادة التاسعة المتعلقة بمنح المرأة اللبنانية حقاً متساوياً مع الرجل في إعطاء الجنسية لأولادها، وأيضا الفقرات (ج)، (د)، (و)، (ز) من المادة 16 المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية.
وقبل أن ندخل في تفصيل هذا الخبر علينا أن نعرِّف بهذه الاتفاقية وأن نبين أهدافها والتي عرفت تحت مسمى اتفاقية سيداو، إنها معاهدة دولية تم اعتمادها في 18 ديسمبر 1979 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وتتألف من 30 مادة، وتم عرضها للتوقيع والتصديق، وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية لتحقيق المساواة للمرأة في كل مكان، إذ تشدد على تساوي الرجل والمرأة في المسؤولية داخل إطار الحياة الأسرية وأيضا في الخدمات الاجتماعية التي تجمع بين الالتزامات الأسرية، ومسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة… وهي تدعو إلى سن تشريعات وطنية تحرم التمييز، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة ومؤقتة للتعجيل بتحقيق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة…
وبالتفصيل نبدأ بتسليط الضوء على النظام القائم في لبنان، إذ إنه نظام جمهوري علماني ويسيطر عليه النظام الطائفي، فلبنان معروف بكثرة الطوائف التي تعيش فيه فهي تبلغ أكثر من 18 طائفة في مساحة صغيرة لا تتعدى الـ 10،452 كم².. وهذا التنوع أدى إلى تنوع القوانين بما تتناسب وهذه الطوائف، غير أن قانون الأحوال الشخصية ما زال محافظا على ما جاء فيه التشريع الإسلامي من أحكام تتعلق بالزواج والطلاق وما يترتب عليهما من علاقات بين الرجل والمرأة كالحضانة والميراث…
وقد سعت هذه المعاهدة إلى إحداث تغيير في هذه القوانين لجعلها تتوافق مع كافة القوانين العلمانية المطبقة في لبنان، ولكي يحدث ذلك لا بد من إبراز قضية المرأة ومساواتها بالرجل والدعوة إلى تحريرها بالمفهوم العلماني الغربي للتحرير. ولم يراعوا بذلك طبيعة المرأة ودورها في الحياة، فالله سبحانه وتعالى فرض على الرجل السعي لطلب الرزق والنفقة على الزوجة، ولم يفرض ذلك على المرأة، وخصَّ الإسلام المرأة بجعل الأصل فيها أنها أم وربة بيت لما في هذا الدور من مشاق وصعوبات، فعليها تربية أجيال ينهضون بمجتمعهم.
إن هذه الاتفاقية تريد أن تقود المرأة وباسم الحرية الشخصية لتتساوى مع الرجل في كل شيء وهي بالتالي تريد أن تقودها إلى حياة مضطربة تخالف طبيعتها، فقد جعلوها بهذه القوانين تركض وراء قيم الحرية المنحطة مبتعدة عن قيم دينها وتعاليمه…
إن المرأة في بلد علماني كلبنان عانت وما زالت تعاني رغم كل المحاولات لسن القوانين والتغيير بمواده لتتناسب والاتفاقية فمعدلات العنف في تزايد لأنهم أوجدوا شرخا كبيرا في علاقة المرأة مع الرجل إذ إنهم جعلوها علاقة ندية، علاقة إلغاء الآخر بإثبات وجوده وكيانه هو.
الحمد لله على نعمة الإسلام الذي لم تكرم المرأة إلا فيه، ولم تعط قدرها وتُصَن إلا في ظل حكمه، فشتان بين مبدأ يحدد للمرأة دورها في الحياة ويوظف قدراتها بما يناسب طبيعتها التي فطرها ربها عليها ويكفل لها مكانة مرموقة تساهم من خلالها في بناء أمة ونهضة مجتمع يداً بيد مع الرجل دون أن تمس بأي أذى، وبين مبدأ يجبرها على مزاحمة الرجال في الأسواق والتخلي عن طبيعتها لتسابق الرجال في ميادينهم وأعمالهم في نظام تكون الغلبة للقوي الذي يستغل ضعفها أبشع استغلال، أجل شتان بين الثرى والثريا، بين إسلام يحفظ المرأة ويصونها وبين رأسمالية تستغلها وتظلمها… وهل يستويان؟؟!! قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم عبد الله