مع الحديث الشريف خمس كلمات … للعمل بهن!!
نُحَيِّيكُمْ جَمِيعًا أيها الأَحِبَّةُ الكِرَامَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, نَلتَقِي بِكُمْ فِي حَلْقَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ بَرنَامَجِكُم “مَعَ الحَدِيثِ النَّبوِيِّ الشَّرِيفِ” وَنَبدَأ بِخَيرِ تَحِيَّةٍ وَأزكَى سَلامٍ, فَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ:
رَوَى الطَّبرَانِيُّ فِي الأَوسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي، فَعَقَدَ فِيهِمَا خَمْسًا، وَقَالَ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ».
إِنَّ هَذِهِ الكَلِمَاتِ مِنَ الحَبِيبِ المُصطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم تُغنِي عَنِ الشَّرحِ وَالتَّفصِيلِ؛ فَهِيَ سَهْلةُ الفَهمِ وَقَوِيَّةُ التَّأثِيرِ!! فَلَمْ يَترُكِ الإِسلامُ خَيرًا إِلاَّ وَأرشَدَنَا إِلَيهِ, وَدَلَّنَا عَلَيهِ, وَأمَرَنَا بِفِعلِه!! وَلَمْ يَترُكْ شَرًّا إِلاَّ وَحَذَّرَنَا مِنهُ, وَنَهَانَا عَنهُ, وَأمَرَنَا بِاجتِنَابِه!! مَنْ مِنَّا لا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ أَعْبَدَ النَّاسِ؟ مَنْ مِنَّا لا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ أَغْنَى النَّاسِ؟ مَنْ مِنَّا لا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا؟ مَنْ مِنَّا لا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ مُسْلِمًا؟ مَنْ مِنَّا لا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ قَلبُهُ حَيًّا؟ لا شَكَّ في أنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا يُحِبُ هَذِهِ الكَلِمَاتِ الخَمْس:
1. أوَّلُهَا: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ».
رَوَى البَيهَقِيُّ فِي الآدَابِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».
2. وَثَانِيهَا: «وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ».
يَقُولُونَ: القَنَاعَةُ كَنْزٌ لا يَفنَى!! فَمَا هِيَ القَنَاعَةُ؟ وَمَا مَرَاتِبُهَا؟ وَمَا آثَارُهَا؟ وَمَا الأَسبَابُ المُوصِلَةُ وَالمُؤَدِّيَةُ إِلَيهَا؟ لِلإِجَابَةِ عَنْ هَذِهِ التَّسَاؤُلاتِ نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ: القَنَاعَةُ: هِيَ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللّهُ, وَلَوْ كَانَ قَلِيلاً, وَهِيَ عَدَمُ التَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أيدِي الآخَرِينَ, وَهِيَ عَلاَمْةٌ عَلَى صِدْقِ الإِيمَانِ. وَأمَّا مَرَاتِبُهَا فَثَلاثٌ: عُلْيَا, وَوُسطَى, وَدُنيَا. أمَّا العُليَا فَهِيَ أنَ يَقتَنِعَ المَرءُ بِالبُلغَةِ مِنْ دُنياهُ وَيَصرِفَ نَفْسَهُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِمَا سِوَاهُ. وأما الوُسْطَى فَهِيَ أنْ تَنتَهِيَ بِهِ القَناعَةُ إِلَى الكِفَايَةِ, وَيَحذِفَ الفُضُولَ وَالزِّيادَةَ. وأما الدُّنيَا فَهِيَ أنْ تَنتَهِيَ بِهِ القَناعَةُ إِلَى الوُقُوفِ عَلَى مَا سَنحَ، فَلا يَكرَهُ مَا آتَاهُ اللهُ وَإِنْ كاَنَ كَثِيرًا، وَلا يَطْلُبُ مَا تَعَذَّرَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا.
وَأمَّا آثَارُ القَنَاعَةِ فَكَثِيرَةٌ مِنهَا: امتِلاءُ القَلْبِ بِالثِّقَةِ بِاللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وَالرِّضَا بِمَا قَدَّرَ وَقَسَمَ, فَيَحيَا المَرءُ حَيَاةً طَيبَةً يَكُونُ فِيهَا شَاكِرًا لأَنعُمِ اللهِ. وَالفَلاحُ وَالبُشرَى لِمَنْ قَنِعَ بِأنَّهُ يَقِي نَفسَهُ مِنَ الذُّنوبِ والآثامِ التِي تَفتِكُ بِالقَلْبِ وَتَذهَبُ بِالحَسنَاتِ كَالحَسَدِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ. وَالقَانِعُ تَعْزِفُ نَفْسُهُ عَن حُطَامِ الدُّنيَا رَغْبةً فِيمَا عِنْدَ الله. وَالقنُوعُ يُحِبُّهُ اللهُ وَيُحِبُّهُ النَّاسُ. وَالقَنَاعَةُ تُشِيعُ الأُلفَةَ وَالْمَحَبَّةَ بَينَ أفرَادِ المُجتَمَعِ. وَالحَقِيقَةُ التِي لا مِرَاءَ فِيهَا وَلا جِدَالَ أنَّ الغِنَى غِنَى النَّفسِ, وَأنَّ العِزَّ فِي الطَّاعَةِ وَالقَناعَةِ, وَأَنَّ الذُّلَّ فِي المَعصِيَةِ وَالطَّمَعِ.
وَمِنَ الأَسبَابِ المُؤَدِّيةِ لِلقَنَاعَةِ: الاستِعَانَةُ بِاللهِ, وَالتَّوَكُلُ عَلَيهِ, وَالتَّسلِيمُ لِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. وَأنْ نَقْدُرَ الدُّنيَا بِقَدْرِهَا, وَنُنْزِلَهَا مَنْزِلَتَهَا, وَأنْ نَجْعَلَ الهَمَّ لِلآخِرَةِ وَالتَّنافُسَ فِيهَا. وأن نَنظُرَ فِي حَالِ الصَّالِحِينَ, وَزُهدِهِمْ وَكَفَافِهِمْ وَإِعرَاضِهِمْ عَنِ الدُّنيَا ومَلَذَّاتِهَا. وَأنْ نتَأمَّلَ أحْوَالَ مَنْ هُمْ دُوَنَنا, وَأنْ نُجَاهِدَ أنفُسَنَا عَلَى القَناعَةِ وَالكَفَافِ. وَأنْ نَعلَمَ أنَّ فِي القَنَاعَةِ رَاحَةَ النَّفسِ, وَسَلامَةَ الصَّدْرِ, وَاطمِئنَانِ القَلْبِ فَنُرَوِّضَ القَلْبَ عَلَيها. وَأنْ يَكُونَ لَدَينَا يَقِينٌ بِأَنَّ الرِّزْقَ مَكتُوبٌ وَالإِنسَانُ فِي رَحِمِ أُمِّهِ. وَأنْ نَتَدَبَّرَ آيَاتِ القُرآنِ العَظِيم لا سِيَّمَا الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنِ الرِّزْقِ وَالاكتِسَابِ. وَأنْ نَعلَمَ بِأَنَّ الرِّزْقَ لا يَخضَعُ لِمَقَايِيسِ البَشَرِ مِنْ قُوَّةِ الذَّكَاءِ وَكَثرَةِ الحَرَكَةِ وَسِعَةِ المَعَارِفِ. وَأنْ نَعلَمَ بِأنَّ عَاقِبَةَ الغِنَى شَرٌ وَوَبَالٌ عَلَى صَاحْبِهِ إِذَا لمَ يكَنِ الاكْتِسَابُ وَالصَّرفُ مِنهُ بِالطُّرُقِ المَشرُوعَةِ.
3. وَثَالِثُهَا: «وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا».
رَوَى البَيهَقِيُّ فِي شُعَبِ الإيمَانِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ ثَلَاثًا» قَالُوا: وَمَنَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «الْجَارُ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ». قَالُوا: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: «شَرُّهِ». وَرَوَى الإِمَامُ أحمَدُ فِي مُسنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
4. وَرَابِعُهَا: «وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا».
رَوَى ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ بِاللَّهِ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
5. وَخَامِسُهَا: «وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ».
رَوَى ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أبي هريرة قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ لِمَ تُقَنِّطُ عِبَادِي؟ قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وأبشروا».
قَالَ أبُو حَاتِم رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ: “سَدِّدُوا” يُرِيدُ بِهِ كُونُوا مُسَدَّدِينَ, وَالتَّسْدِيدُ لُزُومُ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعُ سُنَّتِهِ. وَقَوْلُهُ: “وَقَارِبُوا” يُرِيدُ بِهِ لَا تَحْمِلُوا عَلَى الْأَنْفُسِ مِنَ التَّشْدِيدِ مَا لَا تُطِيقُونَ. وَقَوْلُهُ: “وَأَبْشِرُوا” أيْ فَإِنَّ لَكُمُ الْجَنَّةَ إِذَا لَزِمْتُمْ طَرِيقَتِي فِي التَّسدِيدِ, وَقَارَبْتُم فِي الأعمَالِ.
احبتنا الكرام: نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ محمد أحمد النادي – ولاية الأردن