نداء إلى أمة الإسلام في ذكرى هدم الخلافة – ابو ابراهيم
الحمد لله العزيز الغفار, والصلاة والسلام على النبي المختار, وآله الأطهار, وصحبه الأبرار, وتابعيهم الأخيار, ما توالى الليل, والنهار.. اللهم أعزنا بالإسلام وأعز الإسلام بنا يا عزيز يا قهار.
أيها الإخوة المسلمون، أحبتنا الكرام! مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير! نحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
يقول الله تعالى في محكم كتابه وهو خير القائلين: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير).
نتوجه بهذا النداء إلى كل من آمن بالله رباً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبالقرآن الكريم منهاجاً ودستوراً، وبالإسلام عقيدة ونظاماً.
يا أمة القرآن!
يا أمة الإسلام!
يا أمة التوحيد!
أيها المسلمون في كل مكان! فوق كل أرض, وتحت كل سماء!
أيها المسلمون الغيورون على دينكم وأمتكم، انظروا كيف وصف الله تعالى الأمة الإسلامية بقوله: (كنتم خير أمة أخرجت للناس(. وهذا يعني أن هذه الأمة أرادها الله أن تقود الأمم الأخرى، وتحمل لها الرسالة، وتوجِّه العالم لتنقله من الظلمات إلى النور.
ولكنا نراها اليوم ممزقة مغلوبة ذليلة مقلدة تلهث وراء الأمم الكافرة.
ألا يؤثر فيكم، أيها المسلمون، هذا الواقع المخزي؟
ألا يحرك فيكم شعور المؤمنين ونخوة المسلمين، لترفضوا ما أراده لكم الكفار، وتسعوا لتتبوَّءوا المنزلة التي أرادها الله لكم حيث قال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس(.
يا أمة القرآن!
يا أمة الإسلام!
يا أمة التوحيد!
في مثل هذه الأيام من سالف الأعوام، دعوناكم إلى ما فيه عز الدنيا والآخرة, دعوناكم إلى نصرة الإسلام والمسلمين بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة, التي رفع لواءها إخوانكم في حزب التحرير وعملوا لإقامتها جادين منذ أن نشأ هذا الحزب قبل أكثر من نصف قرن من الزمان, ولا يزال يعمل حتى هذه اللحظة.
هذا الحزب الذي بذل كل ما بوسعه من جهد وكل ما لديه من طاقات ووقت في سبيل هذه الغاية الشريفة وهذا الهدف النبيل, وكم قدَّم شبابه ولا زالوا يقدمون من التضحيات, ومن الصبر والثبات على المبدأ, وكم تحملوا من الصعوبات وكم لاقوا من المشقات في حمل الدعوة, وها نحن اليوم نكرر لكم هذا النداء عسى أن يلقى منكم آذناً صاغية, وعقولاً واعية, وقلوباً مخلصة, وصدوراً إلى الإيمان منشرحة, ونفوساً إلى نصر الله تعالى واثقة مطمئنة.
هذا الحزب هو ثلة تحمل الحق وتهدي به وتسلك دروبه وتتوهج بتوهجه.
ثلة انبثـقت من أرض الخصب والنماء، وفي أرض الخصب والنماء، من أمة وجبت قيادتها للبشرية؟
ثلة تظمئ نهارها وتحيي ليلها وتوقظ أهلها لإعزاز هذه الأمة وإحيائها من جديد..؟
ثلة تتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. إنهم أولو بقية من أولى النهى ينهون عن الفساد في الأرض، ويدفعون عذاب الله أن يقع، ويسيرون بالأمة إلا أن يتناغم سلوكها مع أمر ربها، وتأتلف قلوبها على هديه في ظلال دولة الجاه والعز والسلطان..؟
يا أمة الخير والعطاء!
يا أمة الإيمان!
يا أمة النبي العدنان!
إن الغاية جليلة، وإن الأمل كما ترون مشرق واعد, وها نحن ندعوكم لتحملوا الدعوة مع إخوانكم في حزب التحرير لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن تغُذُوا السير، وتخوضوا غمار الشدائد معهم، ولا يلفتنكم عن غايتكم كيد الكائدين ولا مكر الماكرين ولا تثبيط المثبطين، وليكن الله ورسوله أحب إليكم مما سواهما، وراقبوا الله في السر والعلن ولا تخالفوا له أمراً ولا تجعلوا لله عليكم حجة وامضوا حيث تؤمرون..
فيا أيها المؤمنون، ويا شباب الإسلام.
يا أبناء خير أمة أخرجت للناس!
يا أبناء أمة الوسط والشهادة!
إنَّ أمتكم واسطة العقد وجوهرة الحياة ورمز الوجود، أودع الله فيها أسرار عزته ومكنون هدايته ونور تجلياته وسلطان برهانه… لقد اختارها الله واصطفاها لتكون شاهدة على جميع الأمم! وإن دينكم دين الإسلام العظيم… دين عقيدة يشرح الله بها الصدور, وينير بها البصائر، وتتفتح لها الأبصار, فتهدي إلى صراط مستقيم. هذه العقيدة ينبثق عنها نظام تَصلُِحُ به الحياة، وتُنتظَّمُ به المسالك، وتقوم عليه الأركان ويجتمع عليه الأخيار. نظام يحكم بين الناس بالحق ويجافي الهوى ويقيم الوزن بالقسط. نظام يأرز إلى رحاب عدله عدوٌ وصديق. نظام أراده الله وحققه قائدكم محمد صلى الله عليه وسلم, نظام انقاد له خلفاء وأمراء، تحصنوا به ورفعوا راياته واهتدوا بنوره، فتحققت لهم عزتهم فكانت لهم وكانوا لها، فوافاهم السعد وسعدت بهم الحياة، ودانت لهم الرقاب، واستظل الناس يتفيئون ظلال الإسلام وارفين، وفتح الله عليهم بركات الأرض والسماء.
يا أصحاب القوة! ويا أهل المنعة!
يا قادة الجيوش! أيها الضباط والساسة وشيوخ العشائر!
يا أبناء أمة الأمجاد والانتصارات!
يا أبناء أمة البطولات والفتوحات!
هل أتاكم النبأ العظيم؟ وهل جاءكم من الأنباء ما فيه مزدجر؟ أن أمتكم قد دهمتها داهية الدواهي، وقد غشيتها كل الأمم فأذلت ناصيتها ودالت أيامها وبعدت بها شقة الهوان. أن أمتكم تئن أنين الفصال وتتدافع بها الحسرات. أنها تستصرخ فيكم نخوات أبنائها البررة، وتهتف في أعماقكم أن أغيثوني، فلئن ذللتُ فلن تعزوا بعدي أبدا، ولئن أُصبت فلن ترفعوا رأساً أبداً…
يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي!
يا أحفاد خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص!
يا أحفاد المثنى بن حارثة وشرحبيل بن حسنة وأبي عبيدة عامر بن الجراح!
يا أحفاد القعقاع بن عمرو, والمظفر قطز, وأبي دجانة, وطارق بن زياد!
يا أحفاد محمدٍ الفاتح, والذي امتدحه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: « نعم الأمير أميرها, ونعم الجيش جيشها!».
يا أحفاد السلطان صلاح الدين الأيوبي والخليفة المعتصم بن هارون الرشيد.
هبوا لنصرة دينكم, وأقيموا دولة الخلافة, دولة العز والتمكين, فإن الله سائلكم عما وهبكم من نعمة القيادة والرياسة وقوة التأثير والقدرة على التغيير. فرفع لواء الإسلام وإقامة سلطانه بأيديكم, وعزة هذه الأمة ونصرها بعد إرادة الله تعالى مرهون بكم, فأقبلوا كما أقبل الأنصار ولا تترددوا, فكونوا خير من استجاب وخير من تأسى بأنصار الله وأنصار رسوله, كسعد وأسيد والبراء, ولا تتولوا عن نصرة دعوة الله مدبرين فيستبدل الله بكم قوماً غيركم, ثم لا يكونوا أمثالكم, قوماً يحبهم الله تعالى ويحبونه, أعزة على الكفار, أذلة على المؤمنين, يجاهدون في سبيل الله, لا يخافون لومة لائم!
يا أصحاب القوة! ويا أهل المنعة!
يا قادة الجيوش! أيها الضباط والساسة وشيوخ العشائر!
يا أهل النخوة والرجولة والكرامة والعزة والشرف!
الأمة الإسلامية اليوم فيها كل المؤهلات لأن تعود إلى قيادة الدنيا، ولأن تكون الدولة الأولى في العالم:
1. فمن حيث الثروة المادية، فقد حبا الله تعالى البلاد الإسلامية بما يجعلها أغنى بلاد العالم بما عندها من بترول ومعادن وأموال.
2. ومن حيث الموقع الجغرافي، فإنَّ البلاد الإسلامية تحتل أفضل رقعة من الأرض سواء للمواصلات أو التجارة أو الزراعة أو الحرب.
3. ومن حيث الثروة البشرية، فإن عدد المسلمين اليوم يقرب من نحو مليار مسلم.
4. ومن حيث الثروة الفكرية، فإن هذه الأمة عندها أرقى فكر وتملك أهدى رسالة في الوجود، إنها تحمل القرآن الكريم. وبقية العالم لديه أفكار ومبادئ من وضع البشر، أما الإسلام فهو من عند الله الكون كله وخالق البشر أجمعين.
5. ومن حيث واقع الأمة، فإن المسلمين في شوق وتوق لأن تتغير أوضاعهم المزرية، فالعزة لم يذوقوا طعمها منذ أجيال وكرامتهم ديست بأقدام اليهود وعملائهم، وخيرات بلادهم تنهب لأعدائهم، وهم يتلهفون للتغيير.
6. ومن حيث الحافز للتضحية، فإنَّ من طلب الأمر العظيم يجب أن يضحي بالشيء العظيم. ولا يوجد في الدنيا من عنده الحافز الجاد للتضحية كما عند المسلم. فالحسنة عند الله تعالى بعشر أمثالها وتضاعف إلى سبعمائة ضعف بل إلى أضعاف كثيرة. وما يقدم المسلم من شيء يجده عند الله. ويجد جنة عرضها السموات والأرض. ورضوان من الله أكبر: {وما تقدِّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله }
7. ومن حيث الأصالة والعراقة، فإنَّ هذه الأمة ليست وليدة اليوم، بل هي عريقة سبق لها أن حملت الدعوة الإسلامية وغيرت بها مجرى التاريخ، وظلت الدولة الأولى في العالم أكثر من ألف سنة. وهذه الأمة قد كَبَتْ، ولكل جواد كبوة. فهل ندعُها في كبوتها؟ إنها أمتنا، ولن نتخلى عنها لأنها نحن فهل يتخلى المرء عن نفسه؟ لقد آن لنا أن ننهض. فانفضوا عنكم إخوتي المسلمين غبار اليأس وثقوا بأنكم إن كنتم مع الله كان الله معكم: وتذكروا قول الله تعالى: )ولينصرن الله من ينصره(. وقول الله تعالى: )إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم(. وقول الله تعالى: )إن ينصركم الله فلا غالب لكم(. واخلعوا عنكم رداء الأنانية واعلموا أن مصلحتكم الحقيقية هي بالتضحية في سبيل الله. فما عندكم ينفذ وما عند الله باق.
أيها المسلمون:
سابقوا لامتطاء صهوة سنام المجد أعزة على الذرى!
وأقيموا لأنفسكم وزناً في زمن أُخسرت فيه الموازين!
واجعلوا لأمتكم قيمة وشأناً في زمن ضاعت فيه القيم!
أنقذوا البشرية من علوجها!
وطهروها من أدرانها!
وادرءوا عنها أرجاسها!
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يثبت لهم العدو فُواقَ ناقة عند اللقاء، فقال هرقل وهو على أنطاكية لما قدمت منهزمة الروم: ويلكم أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم.. أليسوا بشراً مثلكم؟ قالوا بلى. قال فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا بل نحن منهم أضعافاً في كل وطن. قال فما بالكم تهزمون؟
فقال شيخ من حكمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويوفون بالعهد ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتناصفون بينهم، ومن أجل أننا نشرب الخمر ونزني ونركب الحرام وننقض العهد ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط وننهى عما يرضي الله ونفسد في الأرض. فقال لئن كنت قد صدقتني ليرثن ما تحت قدمي هاتين، وهكذا كان..
هذه شهادة عدوكم لكم أيها الإخوة بالخيرية، فهلا اشتاقت أنفسكم لأن تكونوا سادة على عرش الوجود تمخرون عبابه وتتسنمون سنامه.
أما آن لكم أن تخرجوا من بينكم من يخاطب السحاب بعد أن تدين له الرقاب..
أما آن لكم أن تكونوا قدر الله على أعدائه كما قال سبحانه )عباداً لنا أولي بأس شديد(.
أما آن لكم أن تتـفيأ البشرية في ظلالكم إلى ربوات الأمن والسلم والعدل والإيمان..
أما آن لكم أن تنفضوا عن كواهلكم غبار الذل؟
أما آن لكم أن تجدوا ذاتكم وقد ضاعت بين الركام؟
أما آن لكم أن تستشعروا مسؤوليتكم في قيادة البشرية؟
أما آن لكم أن يرضى عنكم رب الأرض و السماء؟
أما آن لكم أن تخرجوا من بينكم أميراً للمؤمنين يحبكم وتحبونه ويرضى عنكم وترضون عنه؟
أما آن لكم أن تخرجوا من بينكم أميراً للمؤمنين تسيرون معه إلى رحاب الظفر والنصر؟
أما آن لكم أن تتلوا على سمع الورى قول الله تعالى: )واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره(؟
أما آن لكم أن تحوزوا خيري الدنيا والآخرة؟ والله يا قوم إنَّ هذه لأيام المفاصلة:
فلا ألفين أحداً منكم يعض أصابع الندم بعد فوات الأوان يقول: (يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيما(.
لا ألفين أحداً منكم وقد فات قطار الخير يتحسر ويقول: يا ويلتى لم اتخذ مع الرسول سبيلا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا.
فلا ينفع الندم بعد فوات أوانه وقد كان ينفع من قبل… وتذكروا قول الله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل).. فلمثل هذا فليعمل العاملون.. وإلى رضوان الله وفردوسه الأعلى فليتنافس المتنافسون..
أيها المسلمون:
ارفعوا أكف الضراعة إلى الله تعالى وأمنوا على هذا الدعاء عساها تكون ساعة إجابة في هذا اليوم المبارك من شهر رجب الخير:
اللهم يا قوي يا عزيز, يا قيوم السماوات والأرض, يا ذا الجلال والإكرام والفضل والإنعام, نسألك يا الله يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أن تفرج بإقامة الخلافة كروبنا, وأن تشرح بها صدورنا, وأن تستعمل بها أبداننا, وتقر بها عيوننا, فإنه لا يعيننا على الحق غيرك, ولا يؤتيناه إلا أنت, ولا حول ولا قوة إلاَّ بك! اللهم أرد لنا إرادة التمكين والاستخلاف في الأرض, وأرد لنا أيام العزة والريادة! اللهم عجل لنا بقيام دولة الخلافة واجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.