Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق العلمانية وفشلها في إيجاد العدالة في العالم

الخبر:

“نحن نعيش في نظام الكفاءة والمساواة وتكافؤ الفرص، ولكن بين ذوي الثروة والسلطة والمشاهير فقط” [ديريك بيل].

لقد حصلت في الأسبوع الماضي ثلاثة حوادث تؤكد إساءة تطبيق العدالة، وتلخص الأزمة التي تواجه العلمانية العالمية، وعدم قدرتها على تحقيق العدل في أي ركن من الأرض، وهي: قرار هيئة المحلفين المروع في تبرئة ضباط الشرطة بتهمة قتل “إريك غارنر” في الولايات المتحدة، وتبرئة حسني مبارك، وفشل المحكمة الجنائية الدولية في محاكمة الرئيس “أوهورو كينياتا” بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

 

التعليق:

شيء فريد من نوعه وغير مسبوق في العالم يكشف عن مرحلة فيها حالات متزايدة من إساءة تطبيق العدالة، ليس في دول العالم الثالث مثل مصر فقط، بل وأيضاً في القوة العظمى العالمية (أمريكا)، فضلا عن المؤسسات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية. وأصبح الناس العاديون في كل مكان في العالم يشعرون بأنهم ضحايا حقيقيون، في حين أن الأغنياء والأقوياء قادرون على التعامل مع العمليات القضائية بالتهرب من الاتهامات أو العقوبات الجنائية.

جحافل كبيرة من الناس احتجت غاضبة في أمريكا على الممارسات القضائية التي برّأت ضابط الشرطة الأبيض لقتله رجلا أسود أعزل. فقد فشل النظام القضائي الأمريكي في محاكمة الضابطين الأبيضين اللذين قتلا “تشارلي براون” و”إريك غارنر”، على الرغم من وجود أدلة قاطعة تثبت إدانتهما. وقد أجّجت الأحكام القضائية المعيبة هذه التوترات العرقية في وسط السود الذين اتهموا النظام القانوني الأمريكي بظلمه لهم. ولا يوجد جديد في هذا الحال، ففي شباط/ فبراير 1968م، نشرت اللجنة الوطنية الاستشارية للاضطرابات المدنية، والمعروفة باسم لجنة كيرنر، نتائجها عن أعمال الشغب العرقية في الولايات المتحدة عام 1967م، وذكرت: “إن أمتنا تتجه نحو مجتمعين، أسود وأبيض بشكل غير متكافئ”، والآن وبعد 47 عاما يتكرر المشهد مرة ثانية. وخلال الفترة 2005 – 2012م كان يُقتل في كل أسبوع ما يقرب اثنين من السود في الولايات المتحدة الأمريكية على يد رجال شرطة بيض. وقد خلص تقرير صادر عن لجنة محايدة إلى تعرض أكثر من 1,217 لعيار ناري قاتل من قبل الشرطة ما بين عامي 2010 – 2012م، وقد كان الشباب الذكور السود أكثر عرضة بـ21 مرة لرصاص الشرطة من نظرائهم البيض، وبالتالي، فإن التمييز العنصري في القضاء هو سيد الموقف في الحياة الأمريكية. ووسائل الإعلام الأمريكية تبذل قصارى جهدها في منع وصول مثل هذه الروايات السلبية إلى الشواطئ الأجنبية، وبهذه الطريقة، لا يزال العالم القديم غير مطّلع على ظلم العلمانية الأمريكية الداخلي، لكنه يشهد عليه في استعمارها المباشر لكثير من بلدان العالم الثالث.

أما في الشرق الأوسط، فإن الاستبداد العلماني للسيسي وصل إلى العفو عن الديكتاتور المستبد حسني مبارك بلا خجل، وقد ردت المحكمة التهم ضد مبارك في قتله العشرات من المتظاهرين لمطالبتهم بإنهاء حكمه الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاما من القهر، وبرّأت أيضا رئيس جهاز الأمن، وعددا من كبار مسئولي الشرطة، ولم يفسّر القاضي رشيدي رفضه لاتهامات القتل تلك. ولزيادة الطين بلة، برّأت المحكمة رجال أعمال وأثرياء من تهم الفساد، منهم نجلا مبارك، اللذان جمعا ثروة هائلة تفوق السبعين مليار دولار خلال العقود الثلاثة من حكم مبارك. وقد قال سيد عبد اللطيف (وهو أحد المتظاهرين من ذوي أحد الذين قتلوا على يد الشرطة في الاحتجاجات ضد نظام مبارك): “كنا نظن أن السيسي سيعيد لنا حقوقنا، لكن تبيّن أنه واحد منهم”. وبالتالي فإن السيسي قد استخدم النظام القضائي لقلب مفهوم العدالة رأسا على عقب؛ فقد برأ مبارك والمقربين منه، في حين حكم على المئات من المصريين العاديين بالإعدام، دون أية إجراءات قضائية سليمة أو أدلة ملموسة تثبت تورطهم.

وفي كينيا، علق الكثيرون آمالهم على المحكمة الجنائية الدولية العلمانية لمعاقبة “أوهورو كينياتا”، على الدور الذي لعبه في مذبحة خلّفت أكثر من ألف، في أعقاب الانتخابات الرئاسية في عام 2007م، ولكن المحكمة أسقطت خمس تهم موجهة ضده عن ارتكابه لجرائم ضد الإنسانية قبل سبع سنوات، وقال المدعي العام للمحكمة (فاتو بنسودا) أنه لم يكن لديه أي خيار سوى سحب التهم، مبرراً قراره بأنه: “لم ترق الأدلة إلى درجة إثبات المسئولية الجنائية المزعومة ضد السيد كينياتا، فالأدلة لم تكن حاسمة بشأن العنف الذي حصل عام 2007 – 2008م بعد الانتخابات، حيث لا يمكن الوصول إليها إلا بمساعدة الحكومة في كينيا، لكنها لم تقدم تلك المساعدة في نهاية المطاف”. وهذا الإعلان يدل بوضوح على تقصير المحكمة الجنائية الدولية، في اعتمادها على حكومة (كينياتا) في تزويدها بالأدلة لمحاكمته.

هذه الأخطاء القضائية ليست سوى غيض من فيض من سلسلة الفشل القضائي للعلمانية العالمية، التي لم توفر العدالة لعامة الناس، وأعفت الأغنياء والأقوياء من المسئولية والعقوبات الجنائية.

إن السبب الجذري وراء فشل العلمانية في إيجاد العدالة يكمن في حقيقة أن التشريع بيد البشر، من أصحاب المصالح المتنفّذين الذين يسنّون القوانين لحماية مصالحهم ومصالح الأغنياء والأقوياء على حساب بقية المجتمع والإنسانية.

بينما العدالة في الإسلام تقوم على تشريع خالق البشرية الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن لغني أو قوي، أسود أو أبيض، مسلم أو غير مسلم تغيير القوانين التي وضعها الخالق لحماية مصالحه. قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]

لقد كان تاريخ الحكم بالإسلام في ظل دولة الخلافة نموذجا يُحتذى به عند البشرية جمعاء، ولم يسبق لإنجازات دولة الخلافة أن كان لها مثيل في تاريخ البشرية.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو هاشم