خبر وتعليق الاحتفال بأعياد النصارى
الخبر:
جاء في خبر على وكالة وفا الفلسطينية تحت عنوان: “بيت لحم تستعد لاستقبال أعياد الميلاد”:
“على قدم وساق تجري الاستعدادات لاستقبال الزائر السنوي، أعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة الميلادية؛ فالمدينة لبست حلة العيد وتزينت شوارعها وطرقاتها مُرحبة بقدومه.
بلدية بيت لحم صاحبة الدور الأكبر في تحضير المدينة شرعت بالاستعداد منذ بداية شهر تشرين الثاني (نوفمبر)”.
التعليق:
إن الأمة الإسلامية تحتفل بالأعياد التي شرعها الإسلام، أما غيرها من الأعياد التي ما أنزل الله بها من سلطان فلا يجوز للمسلمين الاحتفال بها. قال تعالى: ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142]. فما شرعه الإسلام من أعياد نلتزم به كشعائر لنا وما عداها نلفظه ولا نشارك به. فقد ذكر البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهية الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم. عن سفيان الثوري، عن ثور بن يزيد، عن عطاء بن دينار قال: قال عمر رضي الله عنه: “لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم”. ومن أقوال العلماء في ذلك:
قال ابن القيم: “وفي كتب أصحاب أبي حنيفة: من أهدى لهم يوم عيدهم بطيخة بقصد تعظيم العيد فقد كفر”. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا ريب أن الموافقة في هذه الأعياد قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروط، وأما مبدؤها فأقل أحواله أن يكون معصية، وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس “الزنار” من علاماتهم، لأن تلك العلامات وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر. وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين الملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه). وقال ابن القيم: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم، وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، أو نحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام، ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية، أو بدعة، أو كفر، فقد تعرض لمقت الله وسخطه).
لقد كان للمسلمين دولة واحدة وعقيدة واحدة وراية واحدة وهوية واحدة وجيش واحد، يحكمها خليفة واحد يتكلمون لغة واحدة، لا تفصل بينهم حدود ولا سدود ولا عوائق ولا حواجز. فتآمر الغرب الكافر الحاقد على الإسلام وأهله وعملوا على هدم كل ذلك، فهدموا الدولة ومزقوها إلى عدة كيانات هزيلة وتفرقت الأمة وتشتتت، فقدت هويتها وضاعت شخصيتها، بعد أن كانت أمة رائدة تتربع على عرش القيادة في العالم. وبعد هدم دولة الإسلام شن الغرب الكافر مع الغزو العسكري غزوا فكريا شرسا على أمة الإسلام، وضرب أفكارها ومفاهيمها وقيمها وأخلاقها، واستطاع غزو عقول الأمة ببث ونشر أفكاره ومفاهيمه وقيمه بنشر مبدئه الرأسمالي القائم على فصل الدين عن الحياة. هذا المبدأ الذي أنشأه المفكرون الذين تمردوا على الكنيسة بسبب استغلالها وتحكمها وتجبرها بالناس في أوروبا باسم الدين، فثاروا عليها، وأنشأوا نظامًا جديدًا لا دخل للدين فيه، إنه النظام الرأسمالي القائم على فصل الدين عن الحياة، ثم فرضوه على المسلمين من خلال حكام عملاء لهم ودفعوهم إلى أن يتخلوا عن حضارتهم وعن أفكارهم واستبدلوا بها أفكار ومفاهيم الغرب، وأصبح تقليد الغرب هو السائد المسيطر، فلم يكن الغزو العسكري وحده الذي مزق الأمة وشتتها، فالغزو الفكري كان أشد فتكاً بالأمة، فقد أوجدوا لهم أعواناً من أبناء جلدتنا من مفكرين ومشايخ وشخصيات لها شهرة بين الناس. واستخدموا أشد الوسائل تأثيراً على الأمة ألا وهو الإعلام. ومعروف أن الإعلام تابع للأنظمة الحاكمة الطاغوتية، وتلك الأنظمة عميلة وخائنة للدين وللأمة سلطها الغرب على رقابنا وتحكمت بالشعوب الإسلامية وتحكمت بمقدراتها وخيراتها، ناهيكم عن تواطئها مع الغرب لبقاء سيطرته على البلاد والعباد والمقدرات.
لقد نجح الغرب في غزوه الفكري للمسلمين الذين انبهروا بالتقدم العلمي والصناعي عنده، فهم ربطوا نجاحهم هذا وتقدمهم بانعتاقهم من الكنيسة وتحررهم من قيودها وتجبرها وتسلطها عليهم، فأخذ المسلمون ذلك وقاسوه على واقعهم السيئ وعلى التخلف الذي يعيشونه فأخذوا عن الغرب كل شيء، وظنوا أن السبب في تخلفهم هو الإسلام وإذا استمروا بالتمسك به فهو يعني أنهم سيبقون يعانون التخلف، واقتنعوا أن الإسلام دين رجعي متخلف، سيعيدهم إلى الوراء قروناً عديدة.
أنتج هذا عند الأمة انهزاما في الشخصية، وعدم ثقتهم بدينهم بالرغم من تمسكهم به كعقيدة وعبادات وبعض المعاملات، لكنهم لا يريدونه نظامًا ينظم حياتهم من خلال تشريعاته وأحكامه. واختلط عند الأمة الإسلامية الحابل بالنابل ولم يميزوا ولم يفرقوا بين ما يجوز أخذه وما لا يجوز. فالمفاهيم والأفكارعندما تؤخذ يجب أن تؤخذ من الأصل الذي انبثقت عنه أو الأساس الذي بنيت عليه. والحضارة الإسلامية تقوم على العقيدة والمقياس الحلال والحرام، أما الحضارة الغربية قائمة على فصل الدين عن الحياة. فمن أجل ذلك يجب أن نكون على بينة بما نأخذ من غيرنا وما نذر.
فالنظام الرأسمالي يفصل الدين عن الحياة ويصور الحياة على أنها منافع، ويجعل المنفعة مقياساً لأعمال الإنسان، ويسقط من اعتباره كل قيمة في الحياة سوى القيمة المادية، ويُعرف السعادة بأنها الأخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية. فأنتجت الحضارة الغربية الشقاء والقلق للفرد والمجتمع، وكثر القتل والزنا والانتحار والإدمان على المخدرات وشذوذ العلاقات. هذا الواقع المنحط والمزري الذي وصلت إليه المجتمعات في الغرب، والعقلية التي يفكر فيها الغرب عقلية مادية لا تؤمن إلا بالمحسوس والملموس ولتحييد الجانب الروحي وحصره في الكنائس، أرادت أن ترقع هذا الواقع وتعطي الفرد ما تعتقد أنه سيجلب له السعادة أو الراحة، فاخترعوا له أياماً سموها أعياداً لتشعره بأنه حصل على السعادة أو بعض منها. ولأن عطلهم وأعيادهم نابعة من وجهة نظرهم عن الحياة فلا يجوز لنا بصفتنا مسلمين مشاركتهم احتفالاتهم ولو بتكثير سواد، فلماذا ننخدع بالرأي أو الرأي الآخر، ولماذا نشعر بالضغط أنه علينا “الاحتفال” بهذه الأعياد الوثنية في حقيقتها؟ هل ترى من الكفار من يحتفل بعيد الفطر أو الأضحى المباركين بحجة التعايش بين الأديان؟ كلا بل إن الغرب الكافر فرض علينا الكفر في أدق تفاصيل حياتنا حتى صرنا نروج لأفكاره المنحطة بتركنا إسلامنا العظيم جانبًا وأقررنا بالهزيمة، وإن كانت في تفاصيل لا نراها مهمة، فهذا يعني إننا رضينا وتابعنا فيما تقوم به هذه الأنظمة الفاسقة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم عاصم الطويل