التعليم في تونس
إن الأمم والشعوب ترتقي بنهضتها الفكرية التي تنتج عنها النهضة العلمية والتطور التكنولوجي. والمجتمع الغربي يقوم على أساس نهضة فكرية وإن كانت فاسدة وخاطئة، إلا أنها أنتجت نهضة علمية تقوم على مقياس نظرتهم للحياة.
ولأن الأمة الإسلامية اليوم تفتقر إلى النهضة الفكرية أساسا، فإن نظام حياتها من سياسة دولية واقتصادية وتعليم يعتمد على تبعية الغرب وإملاءاته وليس لها الخيار في ذلك؛ فهي قوانين وبرامج ومناهج تُفرض عليه فرضاً وتُسقط عليه إسقاطا، ولم يكن هذا ممكناً ولا متاحاً لو لم تتوفر نخبة عميلة استلمت مقاليد الحكم ورسمت مصائر العباد.
هذا هو حال بلاد الإسلام بأكملها، وسنبين واقع تونس على سبيل المثال لا الحصر، فنجد أن النخب التي تدرس ثقافة الغرب تتشبع بها وتتربع على ازدراء كل ما يمثل ثقافة المسلمين، حتى نصل إلى السوربون الذي هو نموذج لصناعة نخبة تشرف على تربية أبنائنا وتلقنهم دروساً في الولاء للغرب والبراء من عقيدتهم الإسلامية، تلك النخبة تشرف على إدارة التعليم وصياغة البرامج التي ضربت كل المجالات والقطاعات.
فجامعة جامع الزيتونة المعمور التي لم يجرؤ الاستعمار على المساس بها خلال 75 عاماً من الوصاية على البلاد تم إلغاؤها بجرة قلم في كنف ما يسمى بدولة الاستقلال.
ولم يسؤهم أن يأتي خبراء غربيون يسطرون برامج التعليم وقوانينه ورتبه وكل ما يتعلق به على أساس ضرب القاعدة الفكرية؛ فإن أول ما قاموا به هو تهميش اللغة العربية وإقصاؤها عن كونها وعاء يضخ مناهل العلم الثابت والنافع. وفَصَلوا العلوم الشرعية عن باقي المعارف؛ فكانت مادة التربية الإسلامية تدرّس فقط بعض الدقائق من كل أسبوع لسرد آيات من القرآن يستظهر بها الطفل يوم الامتحان، أو لقيمة أخلاقية لا عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام حكم واقتصاد واجتماع وتعليم وتصنيع. ومقابل التربية الإسلامية نجد التربية المدنية؛ فأي تخطيط سياسي ماكر يسلط على رقابنا فصل الدين عن الحياة، مادة يدعى فيها إلى فهم النظام الديمقراطي وأشكاله بل إلى تبنيه بشكل مُسقَط لا يفكَّر في أساسه بل يتم تصويره بالمثالية وجعل نظام الإسلام الذي يضادّه في دائرة الدكتاتورية. مادة يتعلم فيها الطفل القوانين الوضعية والروابط الفاسدة كالوطنية والقومية ومعاهدات غربية تصور على أنها اتفاقات على مستوى حضاري تقدمي. ناهيك عن مادة التاريخ الذي لا مصدر له إلا المستشرقون والمعادون للحضارة الإسلامية، تاريخ جعل من دولة الخلافة دولة احتلال وامبراطورية ومن فرنسا دولة حماية!
وبذلك تمكنوا من بعث جيل مذبذب لا يملك مقاييس ثابتة ولا مبدأ واضحا، لم يستطع يوما أن يحل عقدته الكبرى فيعرف حياته وما قبلها وما بعدها وعلاقتها بما قبلها وما بعدها.
إن المنظومة التعليمية لا يستقيم وصفها بالهشة أو الخطأ، ولا الدعوة إلى إصلاحها بين الحين والآخر حسب أوضاع وظروف سياسية موقوتة؛ فهي فاسدة في أساسها. وهنا يحق لنا أن نتساءل: لو لم يكن هذا الأمر لغايات مقصودة ولتمريرات سياسية معينة فما الداعي للمراجعة؟ أليس الغرب هو من أنتجها وهو الذي سيعيد رسكلتها؟ أليسوا هم من تسببوا في حشو الأدمغة بمعلومات وثقافات لا صلة لها بعقيدتنا وبواقعنا واحتياجاتنا وخصائصنا وإرادتنا؟ بل أصبح الأصل الذي كان علينا أن نستمد منه ثقافتنا يحرَّف ليطوعوه حسب نظرتهم للحياة وحسب مصالحهم.
أليسوا هم بمعية عملائهم من جعلوا أبناءنا خير مستهلك لما يروجونه من منتوج فكري؟ فأصبح كم هائل من العلوم والمعارف يسلَّط على التلميذ والطالب، ولا يحق لهم حتى السؤال لماذا يهدر الوقت والجهد في التعلم الذي لا ولن يصلح لشيء.
أليس من الغريب أن يدرس أبناؤنا مواد ومعارف دون أن يتسنى لهم ممارسة ما يدرسون، بل يقتصر على القصف العشوائي والمكثف لمعلومات لا أحد يفسر كيف نشأت أو طورت أو كيف يتم تنزيلها في الواقع المعاش أو كيف يستفاد منها؟
نحن الآن في ذمة ثورة الأصل أن يقول الناس فيها كلمتهم:
لا لنظام جثم على صدورنا أكثر من 70 عاما.
لا لنظام جعل الكافر ومفاهيمه هي الأساس بدلا عن العقيدة الإسلامية.
لا لإفراغ الشريعة الإسلامية من مضمونها في المدارس والجامعات وجعلها تخصصا لمن يرغب فيها مما أدى إلى علمنة التعليم وفصله عن العقيدة الإسلامية.
لا لسلب العلم والمعرفة قيمتهما حيث تحول إلى مجرد سبيل للحياة الوظيفية.
لا لهيمنة اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية.
وأخيراً لا تجعلوا أبناءنا ورقة مقايضة تتلاعب بها الأحزاب حسب محسوبيات ومصالح آنية أنانية.
لقد أدرك الغرب أن أغلى ما نملك هو ثروتنا التشريعية فخطط ليضربها ضربا مفصليا، فآن لنا أن ننهض النهضة الصحيحة وتكون لنا القيادة الفكرية للمسلمين قاطبة ثم حملها إلى العالم.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أ. شادية الصيادي – تونس