لن تُغني مؤتمراتكم عنكم من الله شيئاً
يجتاح مصر هذه الأيام هوس المؤتمرات التي تبحث في موضوع واحد؛ هو الخلافة والحاكمية ونظام الحكم… ومن ثم الإرهاب، ومعروف لنا وللجميع ماذا يعني الإرهاب في عُرفهم؟! فهو ولا شك يعني كل حركة أو تنظيم يجعل من الحكم بالإسلام قضية مصيرية له، يعني محاولة الأمة استعادة زمام المبادرة لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس، يعني حمل الإسلام باعتباره نظاما شاملا للدولة والحياة والمجتمع. لقد عقد الأزهر مؤتمرا أوليا لمحاربة الإرهاب يوم الثلاثاء 2014/12/2م، تناول فيه شيخ الأزهر في كلمته الافتتاحية مسألتين مهمتين هما اللتان ترعبان الغرب الكافر ويحسب لهما ألف حساب، ألا وهما الجهاد والخلافة. فقال “إن الجهاد لم يُشرَع في الإسلام إلا للدِّفاع عن النفسِ والدِّينِ والوطَنِ،… وأنَّ علةَ القتالِ العدوانُ لا الكُفرُ.. وإن إعلانَ الجهادِ ومُباشرتَه لا يجوزُ أن يتَولَّاه أحدٌ إلا وليّ الأمرِ”، لتبدأ من بعد هذا المؤتمر هوجة المؤتمرات التي تصب في الاتجاه نفسه، إذ عُقد في القاهرة الأربعاء 12/10 مؤتمر للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة برئاسة الأزهر أيضا “لمواجهة مخاطر المرحلة الراهنة حيث تواجه الأمة الإسلامية تحديات كبيرة ترتبط بالإرهاب والتطرف” كما يقول منظمو المؤتمر، في حين عقدت وزارة الأوقاف يوم السبت 12/13 صالونا ثقافيا تزمع الوزارة جعله أسبوعيا، لتتناول في أسبوعه الأول ما تعتبره قضايا شائكة كالجهاد والحاكمية والخلافة بين الماضي والحاضر وقضايا نظام الحكم، كما تعتزم الوزارة نفسها إقامة دورات عدة تحت عنوان: “معا لمواجهة الإرهاب” للأئمة والخطباء المصريين والعرب والأفارقة وغيرهم، ليأتي بعد ذلك مؤتمر دار التحرير للطباعة والنشر “التي تصدر عنها جريدة “الجمهورية” الحكومية الذي يُعقد في فندق الماسة يومي 14 و 15 ديسمبر الحالي تحت عنوان “ضد الإرهاب”.
قد يستطيع المرء أن يستوعب أن تكون الخلافة وسعي الأمة لإقامتها همّاً يؤرق الغرب الكافر صباح مساء، فيتداعى على الأمة بقضه وقضيضه، وبوارجه وطائراته، ويطلق كلابه من المبشرين والمستشرقين لينهشوا في لحم الأمة وإسلامها وتاريخها وحضارتها، قد يستوعب المرء كل ذلك إدراكا منه للحقد الصليبي الموروث لديه والذي ما زال ظاهرا في كل تصرفاته تجاه الإسلام والمسلمين، ولتخوف الغرب الكافر من زوال هيمنته ونهبه لثروات الأمة ومقدراتها، ذلك أن الخلافة وحدها هي من ستقطع دابرهم وتقضي على هيمنتهم وتعيد للأمة ثرواتها المنهوبة، وهو أي الغرب لن ينسى أبدا كيف حمل المسلمون الإسلام رسالة هدى ورحمة للعالمين فاجتاحت خيول المسلمين أطراف أوروبا وكادوا أن يقضوا عليها قضاءً مبرماً.
وقد يمكن للمرء أن يستوعب أن ينساق حكام الأمة الرويبضات وراء دول الغرب الكافر، فما هم سوى أدوات رخيصة في يده يحركها كيفما يشاء، ما هم سوى أشباه رجال باعوا دينهم بثمن بخس أن يرضى عنهم أعداء الأمة الذين صنعوهم على عين بصيرة، ليكونوا كالميت بين يدي الغسَّال، أو كالخشبة تتقاذفها الأمواج لا حول لهم ولا قوة، يُنفذون كل ما يملى عليهم ولو كان ضد دينهم ومصلحة أمتهم، فلقد نسوا الله فأنساهم أنفسهم. وهم ولا شك عقبة كأْدَاء أمام الأمة في سعيها نحو التغيير، ولقد أدركت الأمة ذلك وأبغضتهم وكرهتهم وكرهت أفعالهم فثارت عليهم وألقت ببعضهم في واد سحيق، وهي بإذن الله ستظل تناضل من أجل كنس أنظمتهم الفاسدة البغيضة لتقيم دولتها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كما قد يمكن للمرء أن يستوعب أن يناهض فكرة الخلافة ويقوم بتشويهها ويشن حرباً شعواءَ على الإسلام وأحكامه ومفاهيمه، جماعةٌ من العلمانيين الذين انضبعوا بحضارة الغرب وثقافته، فيخرج أحدهم علينا ليقول عن القرآن بأنه كتاب تاريخي يجوز نقده، وأن فيه ما هو صالح لكل زمان ومكان كالصلاة والصيام، وفيه ما ليس بصالح لكل زمان ومكان كالجهاد، ويخرج علينا مخرف آخر ليقول أن الخلافة بدعة والجهاد همجية، وآخر وكلته الدولة ليشرف على تعديل المناهج التعليمية يخرج علينا ليقول إفكاً وبهتاناً عظيما؛ أن القرآن كان منحازا لموسى وبني إسرائيل تجاه فرعون المصري. وما كان لهؤلاء أن يلتفت إليهم أحد لولا أن النظام الساقط أفرد لهم مساحات كبيرة في إعلامه الخبيث ليطلوا على الناس كل يوم بوجوههم القبيحة ليبثوا سمومهم للناس.
أما أن ينضم لتلك الفئة المنحطة قوم سُمّوا بالعلماء، من مشايخ ورجالات الأزهر ليجاروهم في عداوتهم للأمة وتاريخها ونظام حكمها وأحكام شريعتها، ويؤصلوا انحرافاتهم وبهتانهم بليّ أعناق النصوص، فهذا والله لهو المصاب الجلل والخطب العظيم، وكأني بهؤلاء القوم قد ضلوا الطريق وأضلوا مَن خلفهم من أبناء الأمة الذين تربوا على توقير العلماء وتقديرهم وإنزالهم منازلهم، لقد أبوا أن يكونوا صوتاً ناطقاً بالحق لا يخاف في الله لومة لائم، ورضوا أن يكونوا أبواقاً للباطل يطبّلون له ويزمرون، بل ويحرفون الكلم عن مواضعه وما خافوا يوما تشخص فيه الأبصار، وما كانوا بحق ورثة الأنبياء كما ينبغي لهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا».
قد يظن الغرب أنه قادر على الانتصار في معركة محاربة الإسلام التي يخوضها تحت شعار مضلل، وهو “الحرب على الإرهاب”، عندما يرى حكام الأمة وهم منبطحون لا يردّون يدَ لامس، ويرى أبواقه في الصحافة والإعلام يرددون ما يُملى عليهم كالببغاوات، يسيرون خلف الغرب معصوبي الأعين لا يرون إلا ما يريهم إياه، وعندما يرى علماء الأمة وقد نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، ليبطلوا الحق، ويحقوا الباطل، ويحرموا ما أحل الله ويبيحوا ما حرم. قد يفرح الغرب بهؤلاء ويظن أنه منتصر في معركته تلك، ولكنه نسي أن في الأمة رجالاً وعلماء ربانيين آلوا على أنفسهم أن يصلوا ليلهم بنهارهم ليقودوا أمتهم في معركتها الأخيرة مع الغرب الكافر وعملائه وأدواته ليعيدوا للأمة عزتها ومجدها في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
وفي النهاية نقول لكم لن تفلح مؤتمراتكم وندواتكم تلك في قتل روح الجهاد في الأمة، أو القضاء على تشوقها لليوم الذي تُحكم فيه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، كما لن تغني مؤتمراتكم تلك عنكم من الله شيئا يوم تقفون بين يديه وقد ألجمكم العرق إلجاماً إلى أفواهكم، وقبل ذلك ستكون عليكم وبالاً في الدنيا يوم تقفون أمام قاضي المظالم في دولة الخلافة القادمة فتحلفون بالله كذبا وزورا إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقا.
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر