انخفضت أسعار النفط ابتداءً من منتصف هذا العام 2014م ولكن مع الاقتراب من نهايته تهاوت حتى فقد البرميل من سعره فوق 40% (من 110 دولار إلى 57 دولار)، والسؤال: لماذا تهاوت الأسعار وما مبررات ذلك ومن وراء الحدث؟
وللجواب على هذا الموضوع أقسِّمه إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: واقع الإنتاج النفطي والاستهلاك.
ثانياً: الرابحون والخاسرون.
ثالثاً: الرأي السياسي.
أما واقع الإنتاج والاستهلاك، فالأصل أنهما متساويان إلا قليلاً زيادة أو نقصاً نسبياً حسب واقع العرض والطلب، ويتراوح الإنتاج حول 95 مليون برميل يومياً في هذه الأوقات منها 30 مليون برميل حصة منظمة الأوبيك (19 عضواً) وأكبر الأعضاء إنتاجاً هي السعودية بواقع 10 مليون برميل يومياً، وهي الدولة المرجحة للسعر وذلك لمقدرتها على زيادة الإنتاج بما تملك من احتياطيات نفطية هائلة تمكنها من السيطرة على السوق، وقد كان هذا الدور حتى 1970م للولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت المنتجة الأكبر ولديها فائض عن حاجتها ولكنها اليوم لا تنتج أكثر من 9 مليون برميل بفضل الصخر الزيتي ويجري تنسيق السعر بحسب الأوامر الأمريكية وبالاتفاق المسبق مع السعودية.
ويذكر هنا أن تكلفة إنتاج النفط الخليجي لا تزيد عن 7 دولارات للبرميل، بينما نفط الصخر الزيتي الأمريكي يصل إلى 70 دولار كمعدل، فقد وصل إلى نقطة التعادل بل كسرها نزولاً. بمعنى أن سعر أقل من 60 دولار يحقق خسارة للمنتج الأمريكي ولا يستطيع المنافسة عملياً، حيث بدأت الأسواق الدولية تترك النفط الأمريكي المعروض لصالح نفط منطقة الأوبيك والتي رفضت في مؤتمر فينا الأخير خفض الإنتاج بحجة المحافظة على هيمنتها في السوق النفطي مقابل الإنتاج الأمريكي الجديد والذي حسب الدراسات والتقديرات لن يستمر لأكثر من عقد من الزمن وبإنتاج لا يزيد عن 10 مليون برميل وذلك لصعوباتٍ في الإنتاج والتكلفة العالية وتلويث البيئة والمياة الجوفية. ويذكر أن هناك اتفاقا بين أوبيك وأمريكا على أن لا يدخل نفط الأخيرة السوق الدولية.
ومن الدول المؤثرة في الإنتاج والعرض روسيا؛ فهي تنتج حوالي 11 مليون برميل يومياً.
أما من حيث الاستهلاك، فأمريكا هي أكثر المستهلكين حيث تستهلك ما يقرب من 19 مليون برميل يومياً وثاني أكبر مستهلك الصين بما لا يزيد عن 4 مليون برميل يومياً، تليها روسيا ثم الدول الصناعية الكبرى تباعاً.
أما الأردن فهي تستهلك حسب تقرير رسمي 25 مليون برميل سنوياً، أي بمعدل 70 ألف برميل يومياً، وهناك دراسات تشير إلى أكثر من ذلك ويصل الاستهلاك بحسبها إلى 170 ألف برميل يومياً، ولا إنتاج يذكر.
كان يمكن تخفيف الإنتاج العالمي وعلى حساب المنتجين الكبار للمحافظة على العرض والطلب أي السوق ولكن الدول المنتجة لا تريد ذلك، فأمريكا هي التي تحسن إنتاجها وأغرقت السوق النفطية وزاحمت الدول الأخرى على حصصها وردت عليها السعودية بعدم الخفض وتبعتها دول أوبيك للمحافظة على حصصها في السوق، وفي محاولة لإخراج الإنتاج الأمريكي المكلف هكذا يقول الخبراء، ولكن نظرة على الخاسرين والرابحين تعطي نتائج غير ذلك؛
أولاً: السعودية تنتج 10 مليون برميل تستهلك منها من 2،8 مليون برميل وتصدر 8،2 مليون برميل فهي على سعر 110 دولار للبرميل تكسب 100 دولار فدخلها اليومي من النفط يساوي مليار دولار و365 مليار دولار في العام. وإذا خفّضت إنتاجها مليون برميل يومياً وهي نصف الزيادة المعروضة في السوق تقريباً سيكون دخلها السنوي -365 مليار دولار أي 330 مليار دولار تقريباً، بينما يكون دخلها السنوي على سعر 60 دولار للبرميل وبخصم التكلفة 182.5 مليار دولار، والفرق الحاصل بين 330 مليار و182.5 مليار وهو 148 مليار دولار هي الخسارة المهنيّة ونتيجة للتمسك بقرار الخفض، أما إجمالي خسارة أوبيك فهي 400 مليار دولار حسب بيان مختص. بينما تخسر روسيا على الأقل 120 مليار دولار سنوياً.
أما أمريكا، فهي تنتج الآن 9 مليون برميل بتكلفة إنتاج 230 مليار دولار سنوياً وقيمتها السوقية عند البيع 329 مليار دولار سنوياً والفرق 98 مليار دولار سنوياً وتفقدها كلياً عند وصول السعر إلى 60 دولار للبرميل هبوطاً من 110 دولار وتشتري 10 مليون برميل بالسعر الجديد فتكسب فرق سعر حينها 180 مليار دولار سنوياً، بينما لو أوقفت الإنتاج لديها واشترت كامل احتياجاتها من السوق بواقع 60 دولار، لكسبت أكثر من 260 مليار دولار في العام.
بينما الأردن يستفيد من هذا الخفض بمقدار 2 مليار دولار في العام، هذا إذا علمنا أن النظام في الأردن يضع على المشتقات النفطية ضريبة ما بين 40.25%.
وأخيراً فإن الأرقام وحدها تشير إلى الرابح الأكبر وهو أمريكا تليها الدول الصناعية الكبرى ما عدا روسيا، التي تعاني من ألعوبات الدول الغربية وهي على وشك الدخول إلى حالة ركود العام المقبل، هذا إذا لم تكن دخلت بالفعل.
لا يغيب عن النظر أن أمريكا صاحبة القرار السياسي فهي صاحبة المصلحة الأولى في العالم، وهي ما زالت قادرة بفاعلية القيام بما يحفظ مصالحها وخاصّة في مناطق العالم الإسلامي الأشد ضعفاً، بسبب حكامها الذين وضعوا مقدرات الأمة الماديّة في حافظة الغرب وعلى رأسها أمريكا، وحبسوا عن الأمة الاستفادة من أيٍّ من مقدراتها المادّية والسياسية، فباتت أمريكا تأمر والكل يطيع.
إن السعوديّة نفذت الإملاءات الأمريكية بالحرف الواحد، فلا وجود الصخر الزيتي ولا غيره هو الذي أدى إلى هذا الهبوط في الأسعار بل اتُخذ ذريعة لذلك، وكان يكفي تخفيض إنتاج أوبيك من النفط لعلاج مسألة السوق والاستهلاك، ولكن المسألة ليست هنا، أمريكا أرادت أن تعالج التدهور الاقتصادي بعد سلسلة المعالجات والإنفاق الحكومي للشركات الكبرى والتي لم يستفد ابن الشارع منها شيئاً، فبهذا التخفيض للأسعار محاولةٌ لتحريك سوق التجزئة وتحريك عجلات الاقتصاد الأمريكي والأوروبي ومحاولة جديدة للإنعاش الاقتصادي، ولا يخفى الإنفاق العسكري الأمريكي وخاصةً في العالم الإسلامي فهو بحاجة إلى مليارات عدة من الدولارات ولا بأس أن يكون ذلك على حساب المسلمين، ولعل السبب الأبرز إعلامياً وسياسياً هو تحطيم عظام الدب الروسي إن جازت العبارة، فالرئيس بوتين أشار صراحة وكذلك كثيرٌ من المحللين المختصين أن الهدف من الخفض هو الإضرار بالاقتصاد الروسي وهذا واضحٌ جلي، فالميزانية الروسية تعتمدُ على النفط والغاز بما لا يقل عن 50% والغرب يعتبر التدخل الروسي في أمريكا خطاً أحمر وتدخلاً في البيت الغربي، فاتخذ سلسلةً من الإجراءات الاقتصادية والسياسية وليس آخرها خفضُ الأسعار وإبقاء الإنتاج عالمياً أكثر من حاجة السوق. ويشار إلى مسألة تاريخية وذلك عندما خفضت أمريكا سعر النفط إلى 10 دولارات في عام 1985م إبان إخراج روسيا من أفغانستان.
وبحسب كمية الإنتاج للبرميل من النفط في منطقة الخليج، لن يزيد سعر برميل النفط عن 20 دولار بعد التكرير أي أن كل 20 لتراً سيكون ثمنها 2،25 دولاراً والله أعلم، ولك أن تتخيل أثر ذلك على الحياة العامة وإنتاج الطاقة والإنتاج الصناعي وبالتالي الحركة التجارية.
إن قيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هو الضمان الوحيد من الخروج من هذه المشاكل، فيها تمتلك الأمة مقدراتها وثرواتها وقرارها السياسي وتطبق الأحكام والمعالجات الشرعية في سائر شؤون الحياة والعلاقات الدولية، وتحول دون انتكاس الأمة وارتمائها في أحضان الكافر المستعمر، وتعود أمةً عزيزة ترفعُ رايةَ العقابِ خفاقةً في الدنيا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هيثم الناصر – أبو عمر