مع الحديث الشريف حديث الرفق
نُحَيِّيْكُمْ جميعاً أيُّها الأحبةُ في كُلِّ مَكَانٍ في حَلْقَةٍ جديدةٍ منْ برنامَجِكُمْ: مَعَ الْحديثِ الشريفِ، ونبدأُ بِخَيْرِ تحيةٍ فالسلامُ عليكُمْ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ” رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: قَالَ لِعَائِشَةَ: “عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ، إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ”.
الرِّفْقُ: ضِدُّ الْعُنْفِ وَهُوَ الْمُدَارَاةُ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَلِينُ الْجَانِبِ وَاللُّطْفُ فِي أَخْذِ الْأَمْرِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَيْسَرِهَا،
(إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ) أَيْ: لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ، يُرِيدُ بِهِمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِهِمُ الْعُسْرَ، فَيُسَامِحُهُمْ وَلَا يُكَلِّفُ فَوْقَ وُسْعِهِمْ، أَوْ يُحِبُّ أَنْ يَرْفُقَ الْعِبَادُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (يُحِبُّ الرِّفْقَ) أَيْ: يَرْضَى بِهِ وَيُثْنِي عَلَيْهِ
(وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ) أَيِ: الْمَثُوبَاتِ وَالْمَآرِبَ أَوْ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَالْمَطَالِبِ، (مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ) أي: ضِدُّ الرِّفْقِ، (وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ) أي: سُوءِ الرِّفْقِ، وَهُوَ الْعُنْفُ
أما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ: (عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ) أي الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ
(إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ ) أي لَا يُوجَدُ، (فِي شَيْءٍ) أي: مِنَ الذَّوَاتِ وَالْأَعْرَاضِ، (إِلَّا زَانَهُ) أي: زَيَّنَهُ وَكَمَّلَهُ (وَلَا يُنْزَعُ) أي: لَا يُفْقَدُ وَلَا يُعْدَمُ، (مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ) أي: عَيَّبَهُ وَنَقَّصَهُ، أي: لَا يَكُونُ الرِّفْقُ مُسْتَقِرًّا فِي شَيْءٍ يُتَّصَفُ بِوَصْفٍ مِنَ الْأَوْصَافِ إِلَّا بِصِفَةِ الزِّينَةِ
قال سفيان الثوري لأصحابه: أتدرون ما الرفق؟ هو أن تضع الأمور مواضعها, الشدة في موضعها, واللين في موضعه, والسيف في موضعه, والسوط في موضعه
قال الغزالي: الرفق محمود وضده العنف والحدة, والعنف ينتجه الغضب والفظاظة, والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة, والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق, ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال, ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم على الرفق وبالغ فيه
أي: إن الله تعالى لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر, فلا يكلفهم فوق طاقتهم بل يسامحهم ويلطف بهم, ( ويعطي على الرفق) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد, وفي العقبى من الثواب الجزيل (ما لا يعطي على العنف) أي الشدة والمشقة, ووصف اللّه سبحانه وتعالى نفسه بالرفق إرشاداً وحثاً لنا على تحري الرفق في كل أمر
أخي المسلم: إن العمل للتغيير هو الوظيفة الأولى لحملة الدعوة ولا بد أن تشعر الأمة الإسلامية أنك في خدمتهم وأنك تحرص على سعادتهم في الدنيا والآخرة وأن هذا هو همهم وشغلهم الشاغل – حقيقة – كما كان هم النبي صلى الله عليه وسلم، همه إنقاذ الناس من النار وإسعادهم بالطاعة في الدنيا وبالجنة في الآخرة، فحملة الدعوة قد شمروا سواعدهم ليأخذوا بيد الأمة بكل لطف ورفق خالية من الاستعلاء والوحشة والجفوة، فهم ينظرون أن يضعوا الأمور مواضعها – فإن احتاجت لشدة لما فيه خير لمصلحة الأمة تشددوا وكشفوا الحقائق لما يحيكه الكفار ضد مصالح الأمة، فتبنوا مصالحها ونابوا عنها لأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية – مع دوام جسور المحبة – ليرتقوا بالأمة الإسلامية ويأخذوا بيدها لعز الدنيا والآخرة – بإذن الله
وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر نترككم في رعاية الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته