Take a fresh look at your lifestyle.

في ذكرى سقوط غرناطة

في ذكرى سقوط غرناطة (يوم 2 جانفي 1492 ميلادي) أطلق نشطاء على مواقع التواصل (الاجتماعي) حملة بعنوان “الأندلس.. طمس بأيديهم وانبعاث بأيدينا” في إشارة أولى إلى حقيقة تعلق المسلمين بتاريخهم المجيد في ظل حكم الإسلام ومجد الفتوحات الإسلامية وفي إشارة أخرى إلى حلم يراودهم لاسترداد جنتهم الضائعة الأندلس وعاصمتها قرطبة.. وشهدت الحملة تفاعلا كبيرا ولافتا للانتباه من مختلف الشرائح العمرية ومن المسلمين في مختلف أنحاء العالم ولا يختلف اثنان منهم في توصيف حالة الذل والمهانة التي نعيشها اليوم كما عاشها المسلمون في يوم سقوط غرناطة.

فبينما تحتفل دبي وباقي العواصم العربية برأس السنة، وبينما يحتفل البعض بإطلاق الألعاب النارية فى سفاهة منقطعة النظير، بينما يهدر حكامنا الأموال على ألعابهم واحتفالاتهم تحتفل أرض الأندلس لاحتفالات النصارى بتحويل المساجد إلى كنائس، بتحويل المسلمين قهرا إلى النصرانية، بتحويل مسجد قرطبة إلى كاتدرائية.

كثيرا ما يتحدث المسلمون عن ازدهار ورقي في الأندلس فات الشعوب الأوروبية بسنوات ضوئية في وقت ما زالت القارة الأمريكية لم تكتشف بعد، ازدهار بلغ حد القضاء على الفقر والأمية بشكل تام وتوفر للإنارة الليلية ومسالك الصرف الصحي في كل شوارع قرطبة.. يقول المؤرخ المعروف توينبي “لم يكن في الأندلس من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها أمّي واحد” ووصلت قرطبة في ذلك العصر إلى أن تكون مركزا لكل طالب علم في القارة الأوروبية حين بلغ عدد الجامعات في الأندلس المئات.. أمور لا يمكن أن نجدها بسهولة في الدول الحديثة في العالم العربي والإسلامي رغم البون الشاسع في السلم الزمني بين عصر قرطبة وعصرنا الحديث.. ولعل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الإسباني تجعله هو أيضا يتحسر على فترة تاريخية ناهزت سبعة قرون من الازدهار والرخاء.

هذا وغيره الكثير مما لا ينساه المسلمون ويقرؤون عنه في كتب التاريخ بشيء من النشوة والاعتزاز وكثير من التحسر والألم والأسى… وكما يحيون في كل سنة ذكرى سقوط غرناطة تأخذهم الثقة بنصر الله ووعده إلى التفكير بمن سيكون طارق بن زياد ومن سيكون موسى بن نصير ليعيدوا تحرير الأندلس بعد أن يعقد لهم خليفة المسلمين اللواء ويأذن لهم بالجهاد. فالأمة التي أنجبت هؤلاء الشامات لم تعقر بعد والوحي الذي صنع هؤلاء القامات لا يزال بين أيدينا، فقط علينا النظر إليه من الجانب الصحيح كأساس نظام وقاعدة تفكير.

إن الأندلس كغيرها من بلاد المسلمين المغتصبة تدرس لأبناء الأمة على صعيدين خاطئين يتعمد فيهما التحريف والتزوير. الأول يدرس على أساس أنه عصر لم ينتج غير الشعراء والمغنين، وأن أساس رقيه ومظاهر ازدهاره تنحصر في الأدب والمعمار والعلوم. أما الصعيد الثاني للتزوير، أن الطبيعة الأوروبية هي التي دفعت هذا الازدهار وأن العرب استبدوا بالسلطة فكانوا سبب التفرقة والضياع. والحقيقة أن قوة تاريخ الأندلس كانت في أوج سيطرتها على محيطها الإقليمي ببسط نفوذ الحكم الإسلامي على المنطقة وإرغام ملوك أوروبا بالرضوخ لسلطانها. فلا عز للأمة إلا بقوة دولتها ولا قوة للدولة إلا بتطبيق الإسلام تطبيقا تاما في كل تفاصيل الحياة.

يتعمد الغرب، ومن تحته القائمون على سياسة التعليم، تغييب أثر المسلمين وحضارتهم على المسار التاريخي العالمي عامة وطمس تراث الأندلس خاصة. فعند زيارة الآثار الإسلامية في إسبانيا يبدأ مُرشدو السياحة سرد التاريخ من بداية القرن السادس عشر كإشارة إلى أهم محطة في تاريخ إسبانيا أو انطلاق تاريخ المجد الإسباني المتعلق باكتشاف أمريكا. والمؤلم أن سياسة التعليم في بلاد المسلمين أيضا تنتهج هذه المنحى في تدريس تاريخ الأندلس والحضارة الإسلامية عموما.

أما السياسة الإعلامية فهي توجه الناس نحو القبول بواقع الأمة المفتت والنظر إلى الأندلس كمعالم أثرية ولوحات فنية تندرج ضمن التراث العالمي لليونسكو لإثراء الذاكرة العالمية. وأن تبقى بالنسبة لإسبانيا مجرد مصدر للكسب بوصف الآثار الإسلامية أحد أهم الوجهات السياحية في العالم وتلقى إقبالا كبيرا من رواد السياحة الثقافية بصفة خاصة. وبقدر ما يسعى الإعلام إلى التركيز على الاحتفال بالأعياد والمناسبات العالمية بقدر ما يتغاضى عن ذكر أهم المناسبات التي مرت على الأمة الإسلامية لقتل الهوية الإسلامية ورمي التاريخ والحضارة الإسلامية في غياهب النسيان. إلا أن المخلصين من أبناء هذه الأمة استغلوا مواقع التواصل (الاجتماعي) وجعلوا منها منبرا إعلاميا موازيا وبديلا في هبة لإحياء مفاهيم وأفكار اعتقد الغرب ووكلاؤه طويلا أنه قد تم القضاء عليها.

إن هبّة المسلمين، وخاصة شبابهم، في طلب استرداد الأرض المغتصبة من بلاد المسلمين لدليل على حرارة الأمة رغم ما تتعرض له من هرسلة ومحاربة فكرية وعقائدية تصل إلى حد الإبادة في بعض الأماكن. ولعل ما يتعرض له المسلمون اليوم أحيا ذكرى محاكم التفتيش والإبادة التي تعرض لها المسلمون في الأندلس.

 

فالجروح الحية حافز قوي يقوي الإحساس لدى الأمة ويدفع فيها روح النضال وطلب النهضة لتغيير واقعها البائس الذي لا زال يرزح تحت سيطرة المستعمر رغم دعاوى الاستقلال المزعوم والسيادة المصطنعة. فالحملات الموسعة كذكرى سقوط غرناطة من شأنها أن تكون دافعا لإعادة نبش الماضي وهذا بدوره دافع للمسلمين بخاصة والإنسانية بعامة للعمل لإقامة نظام يخرجهم من جور النظام العالمي الذي يرى في الإنسان مجرد رقم ترتفع به قيمة السلع والخدمات لفائدة فئة قليلة من الناس المتمثلة في الرأسماليين. هذا النظام المطلوب هو الذي يرعى في الإنسان كرامته بوصفه خليفة الله في الأرض وأن كل ما حوله مسخر له ليحيا ويعمر وينتج ما يضمن استمرارية الإنسانية بما يوافق فطرتها حتى يتحقق مفهوم السعادة على وجهه الصحيح.

لفت الانتباه إلى أهم محطات التاريخ الإسلامي وخاصة منها النكبات لا يجب أن ينحصر في الوقوف على الأطلال وسرد آثار عظماء التاريخ الإسلامي كقصص ومآثر في شكل فكلوري روائي. بل أن تكون عِبراً ودفعاً للنشء ليستردوا ما فرّط فيه أجدادهم بتضييعهم لحق الله حين فرقوا دينهم شيعاً وأضاعوا الأمانة وتولوا الكافرين. وهذا العز والمجد لن يعود إلا إذا تمسكنا بمبعثه وأساس إقامته. ومبعثه هو العقيدة وأساسه دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”.



كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
فراس العيني وأسامة بن شعيب – تونس

 

 

 

2015_01_05_Art_The_fall_of_Granada_anniversary_AR_OK.pdf