الأزمة المالية العالمية.. وانهيار أسعار البترول (2008 – 2015)
في خريف 2008 حصلت الأزمة المالية العالمية (الأمريكية) في أمريكا ابتداء بما يسمى انهيار شركات الرهن العقاري وتلاها إفلاس وإغلاق الكثير من الشركات والبنوك والمصانع، وكان أشهرها بنك ليمان برذر وهو أكبر بنك أمريكي وعمره يزيد عن 150 عاماً، ومن ثم شركة أنرون للطاقة، ومنذ ذلك التاريخ وأمريكا تحاول بكل ما أوتيت من قوة سياسية واقتصادية تحسين وضعها الاقتصادي والمالي، حيث استخدمت كل وسيلة ومصطلح اقتصادي من مثل خفض الفائدة والتيسير الكمي وشراء بعض البنوك ورفع سقف الدين بقرار من الكونجرس سداد الديون المستحقة وحتى لا تشهر الإفلاس وعدم القدرة عن سداد الديون، وما إلى غير ذلك لم تستطع السيطرة على الأزمة وتحديدها، فتعدت الأزمة حدود أمريكا وأخذت تضرب كل دول العالم وخصوصا تلك التي تتعامل مع الاقتصاد الأمريكي بمبالغ طائلة مثل الصين والدول الأوروبية وغيرهم كثير، حيث أصابت الجميع ووصفت بأنها شبيهة وقريبة من الكساد العظيم الذي أصاب العالم في 1929م، ولكن بسبب التفرد والسيطرة على عملة العالم (الدولار) لم تظهر بعد النتائج الكارثية الواجب ظهورها.
بعد تلك اللمحة حول الأزمة المالية والتي أدت إلى:
1. دخول دول العالم في ركود اقتصادي ولكن بنسب متفاوتة.
2. اضطرت الكثير من الشركات والمصانع للإغلاق.
3. ازدياد أعداد العاطلين بسبب تسريح العمال.
4. إشهار إفلاس الكثير من أصحاب رؤوس الأموال والبنوك والشركات والمصانع.
5. ارتفاع نسبة التضخم في أكثر بلدان العالم.
6. التخلف عن حل الكثير من القضايا العالمية مثل؛ البيئية والجوع والأمراض السارية والأمية وكثير من القضايا الإنسانية.
7. انتشار الفوضى والحروب المفتعلة وازدياد نسبة الفساد العالمي ونسبة القتل بين البشر والهجرة وقضايا اللجوء وحقوق الإنسان.
بسبب ذلك رأينا عالما معاصراً تعمه الفوضى والجاهلية والتفرد بالحلول العسكرية لحل قضايا البشر، وقد نوه بعض المفكرين ومراكز الدراسات والكتاب إلى أن العالم يقترب من الفوضى والتي سميت بـ “ثورات الجياع”.
ولما كان من طبيعة المبدأ الرأسمالي وأهله ومفكريه ترقيع الخلل وعلى مدى عقود من الزمن، فقد بلي الثوب (المبدأ الرأسمالي) وما عاد يتحمل رقعاً أخرى، ولأن العالم يعيش تحت سيطرة قطب واحد وهو أمريكا صاحبة القوة العسكرية والاقتصادية ودولارها سيد العملات، فإن العالم ما زال منذ 2008 يقع تحت (رحمتها) ويعمل لإنقاذها حتى لا تشهر إفلاسها، فكل الدول وخاصة الصين وبريطانيا تقع تحت رحمة إفلاسها، لأن ديونها لن يرجع منها أي شيء سوى ورقة خضراء لا تساوي ثمن صبغتها ونوعية ورقتها. وعليه فما دام الركود يتعمق وقد طال كلَّ الدول، ومع نهاية عام 2014م دخلت اليابان لأول مرة في الركود الاقتصادي، والصين انخفض نموها الاقتصادي واقتربت من الدخول في الركود، فإن الطامة الكبرى قد اقتربت من العالم؛
– فأي مصانع ستعمل وتستهلك طاقة وبترولاً؟
– وأي وسائل نقل ستعمل وماذا ستنقل..؟
– وأي رحلات جوية تنقل مسافرين وعاملين وبضائع..؟
– وأي بواخر وسفن بحرية وناقلات بترول وشحن سيحصل وينقل..؟
– وأي سياحة ستجوب العالم وتنفق مليارات الدولارات ستحصل..؟
– وأي.. وأي…؟؟؟
بعد تلك المقدمة وللتذكير بما تناساه البشر من الأزمة المالية الأمريكية، وما زال الإنفاق والبذخ واستعباد العالم بدولار يطبع ويشترى به كل ما تحتاجه أمريكا، ومثلها كثير من دول الصناعة العالمية الكبرى والمستفيدة من بقايا سلة العملات العالمية وبترول بلاد المسلمين الذي حِسبَته عند أهل الاقتصاد يعود مصنَّعا بأضعاف ما يتم شراؤه كمادة خام، وكل ذلك لخدمة الدولار الأمريكي الذي فرض نفسه على العالم بعد الحرب العالمية الثانية وبمعاهدة مشؤومة مشهورة استعبدت البشرية جمعاء لصالح رأس المال الأمريكي، ألا وهي معاهدة بريتون وودز، ولكن لكل أمر إذا ما تم نقصان، فإلى متى يبقى الاقتصاديون والرأسماليون يتحكمون بالعالم ويضحكون على البشر، فما عاد الدولار يطاق، حيث أغرق العالم بطباعته، تحت ما يسمى رفع سقف الدين الأمريكي كل سنة بما يقارب ترليوني دولار، وما يسمى بالتيسير الكمي حيث تعطى الدولارات والأموال للبنوك لإقراض الناس لتداولها حتى يبقى السوق عاملا شكلاً لا إنتاجا ومضمونا، والأسهم تعمل مؤشراتها ربحا وخسارة وهمية، فهي كالسراب يحسبه الظمآن ماء، فلا هي تجارة ولا هي تصنيع.
وعليه نقول لقد اضمحل الطلب على النفط من المستهلكين عالميا وارتفع سعره بشكل لا يطاق وغير مبرر، حتى رفع معه كل سلعة وخدمة يحتاجها البشر، فعاشوا بشقاء الرأسمالية المنتفخة يحسبها الناظر صحة وهي في الحقيقة ورم سرطاني، فلو كل صاحب دولار طلب من البنوك سيولته النقدية لما وجدت البنوك عُشْر المطلوب، لأن العالم يعمل بعشرة أضعاف رأسماله الحقيقي كالتاجر المفلس، ولذا يرى كثير من خبراء البترول والاقتصاد أن البترول سيكون بحدود الأربعين دولاراً للبرميل الواحد على مدى السنة القادمة وقد يكون أكثر “شريعة الغاب الرأسمالية”.
أما النتائج والمستفيد فكل حسب قوته وقوة اقتصاده، حيث يستفيد ويجني أرباحاً من هذا الانهيار لأسعار البترول (ورب ضارة نافعة)، والذي لا يعقل كيف تسير الأمور سيتخبط محليا ودوليا سواء اقتصاديا أو سياسيا، وحين يقع الفأس في الرأس فلن تُبقي هذه الأزمة ولن تَذر، وسيقف البشر على أبواب البنوك كما وقفوا أمام البورصات ومكاتبها الزائفة ولن يجدوا راتبا ولا دعما ولا دولارا ولا درهما، وحين ذلك لا ينفع الندم، فمن يسكت عن الظالم سيكتوي بنار ظلمه، وها هو العالم لا يعلم إلى أين يسير بنظرته البشرية واستراتيجيته الاقتصادية، وهنا لا بد من نظرة مبدئية سماوية، فمن خلق البشر وضع دستورا لحل مشاكلهم واحتياجاتهم، وكما قال الكثير من المفكرين والاقتصاديين العالميين أن لا حل إلا بالاقتصاد الإسلامي وتطبيقه، ولكن ليعلم كل البشر أن الاقتصاد الإسلامي من جنس عقيدته فلا ينفك عنها فلا نجاة للبشر من شقائهم إلا بدولة تطبق المبدأ الإسلامي كله بأنظمته الاقتصادية والاجتماعية والمعاملات وكل العلاقات الأخرى، فإلى أن يمنّ الله تعالى على المسلمين والبشر بتلك الدولة الإسلامية دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة ويرى السعادة التي عاشتها البشرية من قبل وعلى مدى 1300عام تقريبا، فسيبقى العالم يكتوي بنار المبدأ الرأسمالي وتجرُّع مرارة ظلمه واضطهاده.
كتبه لإذاعة لمكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد نايل حجازات “أبو محمد”
2015_01_08_Art_The_global_financial_crisis_and_the_oil_prices_collapse_AR_OK.pdf