موجة الصقيع تجتاح بلاد الشام والسلطة اللبنانية تشدّد الخناق على الهاربين من الموت في سوريا
تحت وطأة موجة صقيع قاسية، ومع غياب الدولة بكل مؤسساتها عن رعاية من نزلوا عليها ضيوفاً نازحين من أهل سوريا، بل وغيابها عن رعاية أهل لبنان أنفسهم، لا تزال السلطة اللبنانية مصرّة على تضييق الخناق على أهلنا الفارين من طغيان النظام البعثي وقتله المستعر. فكان آخر فصول هذا التضييق أن أصدرت وزارة الداخلية (معايير) جديدة لدخول القادمين من سوريا مع بداية العام 2015، معايير تجعل حال الأهل في الجوار الملاصق كحال الغريب لا يدخل البلد إلا “سياحةً، أو في زيارة عمل، أو لكونه مالك عقار، أو قادماً للدراسة، أو للعلاج، أو لمراجعة سفارة أجنبية، أو بموجب تعهد مسبق من مواطن لبناني بالمسؤولية”، ليترسخ أن النظامين السوري واللبناني هما من مخلفات سايكس-بيكو، وأنهما مكلَّفان بتكريس الفرقة والتشرذم، خلاف ما زعما طوال سنين.
لقد كشفت الثورة السورية المباركة بصمودها حقيقة الأنظمة في هذه البلاد وحقيقة ما أُسِّست عليه من روابط واهية تغنوا بها سنين طوالاً، فإذا هي ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾. إنها تلك الروابط “الوطنية” و”القومية” ومقولة “الشعب الواحد في بلدين” وغيرها من الأكاذيب التي عُقدت على أساسها الاتفاقيات، فإذا بها تذهب أدراج الرياح عند أول منعطف، لتعود التأشيرات والحدود التي رسمها المستعمر وكرّسها الحكام وأشياعهم من العلمانيين والقوميين والطائفيين.
ومما يزيد العجب أنه بينما تتخذ الدول في مثل هذه الحالات إجراء المعاملة بالمثل، نرى السفير السوري في لبنان يتحول أمام هذا الإجراء العدائي إلى حمل وديع، واصفا إياها بالأمور التنظيمية التي تخص لبنان، ما يشير إلى ارتياح نظام بشار تجاه هذه الخطوة لما فيها من ضغط على أهل سوريا المنتفضين وتضييقٍ عليهم لإبقائهم تحت وطأة البراميل المتفجرة والقتل المنهجي.
لقد تجاهلت السلطة اللبنانية ما يجمع أهل الشام، بمن فيهم أهل لبنان وسوريا، من روابط الأخوّة والنسب والمصاهرة قبل قيام هذه الحدود الملعونة والأنظمة المفصّلة على قياسها. وأن العوائل في لبنان وسوريا جمعتها قبل هذه الأنظمة علاقات النسب والمصاهرة، حتى أصبح من أسماء العائلات في لبنان الحمصي والشامي ودمشقية والحلبي والحموي، ومثلها في سوريا الطرابلسي والبيروتي والصيداوي والبعلبكي والحلباوي، ممن انتقلوا بين البلدين وعاشوا واستوطنوا وعرفوا بأسماء بلدانهم أو بلداتهم التي قدموا منها، بل إن هذا الأمر يكاد يشمل بلاد الشام كافة قبل أن يحكمها خدام الاستعمار وعملاؤه الذين أعملوا فيها فصلاً وتقطيعاً.
قال صلى الله عليه وسلم: «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
يا أهل لبنان
إننا نذكِّركم بأن أهلنا في سوريا يدفعون اليوم ثمن وقوفهم في وجه طاغية ظلمهم وظلمكم معا. أليس من أهل لبنان من خُطف وقُتل وشرّد على يد هذا النظام المجرم؟! أليس ثمة من لا يزال مفقوداً ولا يُعرف مصيره في أقبية نظام بشار؟! لذا فإنكم يا أهل لبنان لستم ببعيدين عن قضيتهم. كما أنه لا يجوز لكم أن تنسوا كيف استقبلكم أهل سوريا خلال الحروب الأهلية المتعاقبة بالترحاب، وليست حرب تموز 2006 عنكم ببعيدة.
أيها المسلمون في لبنان، يا معدن أهل الشام
هلا تذكرتم كيف تلقّف أنصار الأمس في المدينة المنورة بترحاب وحبور من قدم عليهم من مهاجري مكة فراراً بدينهم وأنفسهم وأهليهم من ظلم قريش وتعذيبها، وكيف قاسموهم أرزاقهم وتجارتهم وبيوتهم، حتى مدحهم الله تعالى بقوله: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فكان أن بارك الله المدينة المنورة فكانت العاصمة الأولى لدولة الإسلام، وعم سلطانها جزيرة العرب ثم ملك قيصر وكسرى بعد سنين قلائل، وأتتهم الأرزاق من حيث لا يحتسبون وبقيادة من هاجر إليهم.
فاتقوا الله في إخوانكم المهاجرين الملهوفين من سوريا، ولا تغلقوا الأبواب في وجوههم فإن الله سائلكم عنهم يوم القيامة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وقال عليه الصلاة والسلام:«المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتّان»، أي على الشيطان.
فارفضوا هذه القرارات الجائرة بكل ما وَسِعكم، لعل الله يوسّع عليكم أرزاقكم، فأنتم من رحمٍ واحدة، رحم الأمة الإسلامية التي امتازت بإغاثة الملهوف وإيواء ابن السبيل، فكيف بالإخوة والأهل والقرابة الذين يضرب وجوههم صقيع هذا اليوم في خيامهم بل ويموت من أطفالهم برداً وتجمداً بين ظهرانيكم وعلى حدودٍ رسمها عدوكم؟
﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾