نظرة تحليلية على خطاب أوباما في مؤتمر مكافحة الإرهاب
في زمن التطور العسكري وصناعة الأسلحة الفتاكة، وفي زمن الإنترنت ووسائل التواصل (الاجتماعية)، أصبح من السهل إبادة الملايين من الناس برمشة عين، من خلال إلقاء قنبلة نووية تبيد بلداً بأكمله، كما حصل لمدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية، أو من خلال إلقاء البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، كما يحصل هذه الأيام في الشام. هذا بالنسبة للتطور العسكري، أما في ظل التطور التكنولوجي، من الإنترنت ووسائل التواصل (الاجتماعية)، فقد أصبح من الصعب حكم الملايين من الناس إلا بالحق. لذلك لجأت أمريكا (سيدة العالم الآن!) إلى أساليب الكذب والتدليس وخلط الأوراق وسياسة الفوضى الخلاّقة حتى تتمكن من حكم شعوب الأرض ومنها الشعوب الغربية، وذلك لأن حضارة أمريكا والغرب الرأسمالية هي حضارة باطلة وظالمة، لا يمكن تسويقها للناس وحكمهم بها إلا من خلال الكذب والتضليل والتدليس.
وفي هذا السياق، لجأ أوباما إلى هذه الأساليب في خطابه الأخير في مؤتمر مكافحة الإرهاب. في خطاب أصبح الناس بحاجة إلى من يترجم المصطلحات التي استخدمها أوباما فيه، حتى يعرفوا مدلولاتها. ما يذكرنا بالجائزة التي تلقاها وزير خارجية جورج بوش (رامسفيلد) على كونه أكثر شخصية تتحدث بكلام غير مفهوم! لم لا، وهو صاحب فكرة الفوضى الخلاقة؟!
وبما أننا أصبحنا مدركين لمعاني تلك المصطلحات، فقد بات من الواضح أنّ أبعاد هذا المؤتمر الذي تجتمع فيه 60 دولة برعاية أمريكية ولمدة ثلاثة أيام، تتعدى الأعمال العسكرية التي سمّاها أوباما القوة المسلحة، وتتجاوز حكام العرب والمسلمين إلى الجاليات المسلمة والعمل الشعبي.
والأمر في ذلك يعود إلى إدراك أوباما وصنّاع القرار الأمريكي ومفكّريه لحقيقة التحدي الذي يواجه الغرب وحضارته، فمن الواضح أنّهم أدركوا أنّ التحدي الحضاري هو الأبرز والأخطر عليهم، لا سيما وهم يرون ترنّح حضارة الغرب وتهاويها يوما بعد يوم، بعد أن بان فسادها واكتوى العالم بنارها، وبعد أن تكشفت حقيقتها حتى أمام أتباعها على أنّها حضارة ظلم واستبداد وعنجهية وقتل ولا إنسانية، اكتوت بنارها الشعوب الغربية قبل الإسلامية. والغرب لا يرى غير الإسلام مهدِّدا لحضارته وبديلا للعالم، في ظل ما يشاهدونه من حراك قوي وعاصف في العالم الإسلامي، وتمسك الجاليات المسلمة بالإسلام وحملها له كبديل حضاري في الغرب.
ولذلك عندما يقول أوباما أن “الحرب ضد التطرف لا يمكن الانتصار فيها بالقوة المسلحة فقط”، خصوصا مع الشعوب الغربية التي لا يستطيع استخدام القوة العسكرية معها، فلم يبقَ بلا شك أمامه سوى الحرب الأيدولوجية الفكرية، الحرب التي لا تكون الغلبة فيها للعسكر أو التحالف الصليبي، فأدواتها تختلف عن أدوات الحرب العسكرية.
وأول أداة يحرص أوباما والغرب على استخدامها في هذه الحرب هي تضليل الأمة الإسلامية (أمة المليارين) – التي أخطأ أوباما في ذكر عددها متعمدا قائلا “مليار مسلم” – من خلال إيهامها بأنّ الحرب الأيدولوجية ليست موجهة ضدها بل ضد فئة متطرفة قليلة منها، ليتسنى له مهاجمة كل ما لا يروق للغرب في حضارة الإسلام، وكل ما يشكل خطرا محدقا على حضارته الغربية، مستخدماً تلك الفئة القليلة، ومتذرعا بأنّه لا يقصد الإسلام والمسلمين!
فهو يعلم أنه لا قِبل له بتحدي الفكرة الإسلامية، فقد حاول على مر الزمان مواجهتها من خلال انتقاد بعض أفكارها، مثل فكرة الجهاد وحقوق المرأة… وغيرها، لكنه عجز عن صرعها. لذلك لم يصغِ أوباما إلى بعض الأصوات من الحزب الجمهوري التي تنادي باستخدام الوصف الحقيقي للحرب (الحرب على الإسلام)، بدل وصف “الحرب على الإرهاب”.
فأوباما يدرك حجم التحدي الذي يواجهه داخل مجتمعاته، من فراغ فكري وتلمس لبديل حضاري يقوم على الحق، سواء أكان ذلك من خلال الصراع الحضاري القائم في العالم، أم من خلال الجاليات المسلمة التي لم تذب في الحضارة الغربية كما ذابت الكاثوليكية، على الرغم من مرور عقود من الزمن وهي تعيش بين ظهراني الحضارة الغربية، والغرب يخشى من أن تصبح في لحظة ما قنبلة موقوتة داخل بيته، كما حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة (كوندليزا رايس)، ولذلك يريد أن يركز عليها لتحييدها عن الصراع، هذا إن لم يتمكن من استعمالها في حربه ضد أبناء أمتها.
وبالطبع، فإنه في ظل إفلاس الغرب الفكري، وعدم قدرته على التنظير لأفكاره أو الترويج لها كمخلّصة للعالم مما هو فيه، لم يبقَ أمامه سوى مهاجمة حضارة الإسلام من خلال التشويه والتضليل البعيدين كل البعد عن النقاش الحضاري والمواجهة الفكرية.
نعم، إن الأمة الإسلامية على موعد مع حرب فكرية تشويهية، ربما بأدوات جديدة مثل تقديم أفلام الرعب المنتجة في هوليود للناس على أنها جرائم حقيقية من صنع المسلمين، مثل تقطيع الرؤوس وحرق البشر وهم أحياء.
والغاية من ذلك هو الحيلولة دون استعادة الأمة لعزتها ودون نهضتها في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الموعودة، ولكن هيهات هيهات، فمن خلال الثلة المخلصة، العاملة بالليل والنهار من أجل نصرة هذا الدين، وبحفظ الله ونصره لأوليائه، فإنّ أعمال الغرب وخططه ستبوء بالفشل والثبور بإذن الله.
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ بلال المهاجر – باكستان