Take a fresh look at your lifestyle.

ثورة.. بعد ثورة.. في تونس الخضراء!!..

إن شعلة الثورة التي قامت في أرض تونس الخضراء، قد انطلقت بدايةً بسبب الظلم والقهر والتسلط، وسرقة أموال الناس، وبسبب السوء الإداري لكل مصالح الناس؛ وخاصة المصالح الاقتصادية، وبسبب تمكين الكافر الأجنبي من ثروات البلاد، وحرمان أهلها الحقيقيين منها، وبسبب ازدراء الدين والعاملين لإعادته من قبل الطغمة الحاكمة ورجالاتها وأجهزتها الاستخبارية والقمعية التعسفية، وبسبب السجون والمضايقات حتى في أداء العبادات البدنية كالصلاة، وبسبب فرنجة تونس، ومحاولة إلحاقها أخلاقيا وسلوكيا بدول أوروبا المنحلة الساقطة…

قامت الثورة كالبركان الثائر والزلزال الشديد، وكالعاصفة الخاطفة السريعة الحركة المتسارعة بازدياد نحو الأمام… وكأن الأمر انفجارٌ بعد انضغاطٍ شديدٍ نتيجة سنوات طويلةٍ من انحباس الأنفاس داخل الصدور، وفي الأجواء المحيطة بالناس… لقد مكر الغربيون بمساعدة عملائهم من الأحزاب السياسية بأهل تونس مكرا عظيما، فحرفوا مسار الثورة عن طريقها وأهدافها، وضلّلوا بعض الناس بأمور جانبيةٍ من القشور الزائفة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع… فجعلوا أهداف الثورة تنحصر في إزالة رمز النظام السابق (بن علي)، مع بقاء كامل الطاقم الأمني والعسكري والسياسيين وأجهزة الدولة والحكم، وكذلك بقاء كل ألوان الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي التي تسببت بأوجاع وآلام شعب تونس العظيم…

فعلى سبيل المثال فإن الوسط السياسي الجديد الذي استلم الحكم في تونس، منذ خُلع بن عَلِي هو الوسط السياسي القديم نفسه؛ لم يتغير فيه شيء وهو الوسط السياسي نفسه الذي سبب الآلام والظلم السياسي والاقتصادي، وهو الذي خان الله ورسوله وأمته بجعل البلد مزرعةً للأجنبي.. أما القوانين الدستورية التي تحكم البلد فإنها بقيت كما هي مع بعض التعديلات الشكلية، التي لا تغيّر من المضمون شيئا.. فبقي الدستور الظالم الذي مكّن زمرةً من اللصوص المحترفين أن تسود على رقاب الناس، وتنهب أموالهم وتسفك دماءهم… وبالنسبة للاقتصاد وأدواته الرئيسية فإن الأمور بقيت كما هي؛ في بقاء القوانين الفاسدة التي تفتح الباب الواسع لزمرةٍ من اللصوص المحترفين للسيطرة على أكثر من 95% من ثروات البلد، وحرمان الفقراء من أهل تونس منها، وتجعل لهؤلاء اللصوص السطوة في تحديد الأسعار والأسواق، وحركة الشركات والبنوك.. وغير ذلك من مفاصل الاقتصاد الرئيسية في تونس… وفوق سرقاتهم ونهبهم لأموال الناس فإنهم يتآمرون مع الشركات الأجنبية التي تنهب أموال الناس وثرواتهم ظلماً وعدواناً، وتسيطر على مفاصل المشاريع الحيوية والثروات المهمة في البلد؛ مثل الغاز الصخري والبترول والمعادن المهمة!!..

الحقيقة أنه لم يتغير شيء من الواقع السيئ… لكن هناك أمراً عظيماً تغير عند الشعب وهذا هو الذي يجعل بارقة أملٍ عظيمةً تشعُّ من تونس الخضراء، هذا الأمر هو الإرادة العظيمة، والتصميم الكبير الذي نبت ونما وترعرع في نفوس أهل تونس الإيمانية، حيث صار عندهم إرادة للسير نحو الأفضل، والانعتاق من عبودية الظلم والشر، وصار عندهم تصميم منقطع النظير لإزاحة الظلم الذي سبب وما زال يسبب لهم الآلام…

فثورة تونس لم تنته وإنما هي مرحلة وقف فيها أهل تونس ينتظرون ماذا يحصل بعد زوال رأس النظام، ظناً منهم – أو من بعضهم – أن الأمور سوف تسير نحو الأفضل، وأن الحكام الجدد سوف يخلصونهم من العبودية المريرة السابقة، ومن النهب والسلب لثرواتهم… وأن عداوة الإسلام والمخلصين من حملته سوف تنتهي؛ لأنهم – أي أهل تونس – هم من صنعوا الثورة، ومن جلبوا هؤلاء الساسة الجدد!!..

والأمر الطيب المهم الذي تغير في أرض تونس الخضراء؛ هو بروز وسط سياسي من أهل الوعي والإخلاص داخل تونس… وازدياد مؤيديه وأتباعه… حيث إن الثورة ومجرياتها وأحداثها كان له الأثر الطيب العظيم في قوة أهل الوعي من أنصار حزب التحرير وهيكله ومؤيديه وأتباعه داخل تونس…

فكانت الثورة بمثابة الماء الزلال الذي نزل على جذور هذا الحزب الحية، فنهضت وأنبتت أغصانا وفروعاً عظيمة في كل المدن والقرى داخل تونس، حتى بات هذا الحزب هو الجماعة الأقوى، وصاحبة التأييد الحقيقي الأصيل…

وصارت الأفكار التي ينادي بها هذا الحزب رأياً عاماً ينبثق عن وعي عام عند شريحة واسعة لا بأس بها داخل تونس، ويزداد هذا الوعي وينمو ويترعرع متوازياً مع الفشل السياسي، ومع الضنك الاقتصادي الذي يعاني منه أهل تونس في طول البلاد وعرضها!!…

فهذان الأمران جعلا من أهل تونس الخضراء حاضنةً طيبةً لاحتضان حكم الإسلام، واحتضان تغييرٍ حقيقيّ صادق؛ لأن الأمر كما قلنا يزداد نجاحاً يوماً بعد يوم، وليس من المتوقع أن ينتهي فساد تونس عن طريق هذه الزمر المفسدة الفاسدة التي وصلت للحكم أخيرا، وخاصةً أن الرئيس الجديد هو من أعدى أعداء الإسلام، وهو جزء من الفساد القديم، وتهمه مسألة بقاء تونس رهينةً للاستعمار أكثر من مصلحة أهل تونس وتطلعاتهم وآمالهم… هذا عدا أن الأغلب الأعم من أهل تونس ليس عندهم أية قناعة به ولا بحكمه، والدليل على ذلك هو أنه لم ينل أكثر من 15% من أصوات الشعب الذين يحق لهم الانتخاب بالفعل…!!

إن تونس سوف تعود فيها الثورة من جديد.. ولكن هذه المرة ستختلف عن سابقتها؛ بأنها ثورة واعية مدركة بعد تجربة مريرة، وبعد انكشاف كل الأوساط السياسية التي حرقت نفسها، ولطخت رموزها في حفرة الأوساخ المتعاقبة في حكومات متتالية زادت الأمر سوءًا فوق سوء…

 

إن الثورة المقبلة في تونس ستكون مؤسسة على أسس مهمة أهمها:

1- جعل الدين هو المخلص الصحيح الذي أراده معظم الشعب التونسي في الانتخابات السابقة 2011م… جعله هو الأساس لأية عملية تغيير مقبلة.

2- الالتفاف نحو المخلصين الحقيقيين بعد أن رأى الشعب كل الأوساط السياسية التي حرقت نفسها في نار التغيير المزور المزيف.

3- عدم الرضا بأية حلول ترضية تبقي رموز الظلم في أماكنهم؛ حتى لو كلفهم الأمر مليون شهيد.

4- الوعي على أركان الفساد ومفاصله، والنظر إلى عملية التغيير المقبلة بناء على هذا الوعي، وبناء على هذه النظرة الواعية؛ والتي كانت عن تجربة حقيقية ومعرفة من صميم الواقع المُعايش… لذلك نقول في الختام بأن الثورة الجديدة في الخضراء ستكون حامية الوطيس ليس فيها مهادنة، وسيكون الوسط السياسي القديم في معركة حقيقية – فكرية واعية – مع الوسط السياسي الجديد؛ الذي كسب عقول الناس وقلوبهم، وأصبح له رأي عام منبثق من وعي عام…

إن الوسط السياسي الحالي المتحكم في رقاب الناس، ويأتمر بأمر أمريكا وأوروبا، سوف يحاول جاهداً تحريف مسار الثورة الصحيح عبر وسائل وأساليب دنيئة… لكني أقول مطمْئِناً أهل تونس الخضراء: بأن هذه المحاولات جميعا هي حركة اليائس الفاشل، المفلس فكريا وعمليا، وسوف تجعل أبناء الأحزاب من المضللّين – في حزب النهضة وباقي الأحزاب الأخرى المشاركة في الحكومة – يقفون ويتساءلون: من هو الذي تسبب في هذه المعاناة؟؟..، ولماذا هذه الحرب على هؤلاء الناس من المخلصين الواعين؟؟..، وسوف تكون الأحداث والفتن والمكائد بمثابة النار التي توقد أمام هؤلاء الناس ليروا الطريق والحقائق المخفية، وسوف تكون الفتن كذلك بمثابة النار التي تزيد الذهب الخالص – من أهل تونس ورجالاتها – لمعاناً وأصالة ليكونوا خالصين بالفعل لأمتهم ولدينهم ولربهم جلّ جلاله… إن غداً مشرقا قريباً ينتظر أهل تونس، وإن هذا الغد قريبٌ بإذن الله تعالى؛ لتكون تونس شعلة تغييرٍ صحيحٍ جديد في العالم الإسلامي؛ تماماً كما كانت شعلةً أيقظت العقول والقلوب في بلاد المسلمين للثورة ضد الظلم… فنسأله تعالى أن يجعل كيد الكفار وأعوانهم وعملائهم – في تونس الخير والعطاء – في نحورهم، وأن يكرم أهل تونس الأبرار الأخيار بميلادٍ جديدٍ يكون فيه حكم الإسلام هو الصوت الأول الذي يستهلُّ من هذا المولود… وصدق الحق القائل: ﴿… فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17] آمين يا رب العالمين.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حمد الطبيب – بيت المقدس

 

 

 

2015_01_26_Art_Revolution_after_revolution_in_Tunisia_AR_OK.pdf