خبر وتعليق كيف السبيل لتأسيس قضاء عادل
الخبر:
“انتظمت أول أمس الأربعاء 28 جانفي 2015 بالعاصمة التونسية ندوة تحت شعار النساء عنصر فاعل فى التأسيس لسلطة قضائية مستقلة دعت إلى ضرورة إشراك المرأة فى المجالس المنتخبة على غرار المجلس الأعلى للقضاء وكذلك دعم حضورها فى مواقع الريادة وصنع القرار، هذا حسب ما نشر في وكالة أخبار المرأة. وسلطت الضوء كاتبة الدولة لشؤون المرأة والأسرة نائلة شعبان على هامش الندوة على دور المرأة الفاعل تاريخيا في المطالبة باستقلالية القضاء.
وأوضح شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا للانتخابات بدوره أن المرأة قادرة على الدفاع عن استقلالية القضاء الذي يعد صمام الأمان فى تكريس مختلف الحقوق المضمنة بالدستور”.
التعليق:
ضمانات استقلال القضاء في تونس ما بعد الثورة موضوع أدلى فيه الكثير من الأطراف؛ فمنهم من جعل الضمانات هي اتباع المعايير الدولية المتفق عليها المكرّسة في المواثيق الدولية التي تنص على الفصل التام بين السلطات ومنع تدخل السلطة التنفيذية والتشريعية في أعمال السلطة القضائية؛ ومنهم من ركز على ضرورة حسن اختيار القضاة والاقتصار على ذوي الكفاءات والقدرات التعليمية والتدريبية المناسبة وأصحاب الشخصيات القوية والنزيهة ومنحهم سلطة حقيقية تتجاوز الصلاحيات الشكلية. وفي الندوة المتحدث عنها ذكر أيضا دور المرأة وأهميته وفاعليته في التأسيس لقضاء مستقل …الخ. وتنوعت الآراء في الضمانات.
فما هي الضمانات الحقيقية لاستقلالية القضاء في ظل الأنظمة الديمقراطية؟؟ وهل ما ذكر كاف لتحقيق المنشود؟؟ وهل يمكن أن يكون للمرأة دور فعال في التأسيس لاستقلالية القضاء؟؟؟
إن استقلالية القضاء تقتضي عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة في عمل دائرة القضاء؛ بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدل ورد المظالم، كما يعني أيضا رفض القضاة أنفسهم لهذه التأثيرات والحرص على استقلاليتهم ونزاهتهم.
وهذا أمر يصعب تحقيقه في ظل الأنظمة الديمقراطية باعتبار أنّ السلطة التنفيذية التي هي أعلى سلطة في الدولة “أو من عنده سلطة عليها من وراء ستار من أصحاب القوة والمال” لا يوجد من يردعها عن التدخل في ما يسمونه السلطة القضائية حتى الروادع القانونية لا تفي بالغرض؛ هذا حتى في أعتى الديمقراطيات؛ مثلا في فرنسا لما كان جاك شيراك رئيسا، ألم يجبر قاضي التحقيق على الاستقالة حال فتحه ملفا للرئيس وقام باستدعائه للبحث؟؟ هل الضمانات القانونية كانت قادرة على منع ما حدث؟؟ ومن هي السلطة التي كان بيدها رفع هذه المظلمة؟ طبعا لا يوجد‼ في أمريكا أيضا، ألم تتدخل قوة المال لتحول دون تحقيق الاستقلالية في قضية مايكل جاكسون حيث تمت تبرئة المتهم رغم وجود أدلّة دامغة على ثبوت إدانته؟! كذلك لا يوجد من يمكنه التدخل وتحقيق العدل‼
في تونس ما بعد الثورة؛ كيف السبيل لرفع يد وزارة العدل على المحاكم ويد وزير العدل على أعضاء النيابة العمومية؟ كيف السبيل لضمان الحكم العادل فيما يسمى بـ”قضايا الدولة” والتخلص من ضغط السلطة التنفيذية، وفي حالة المحاكمات السياسية وقضايا الرأي مثل قضية المدون ياسين العياري وملف رموز النظام السابق من هي الجهة التي يمكنها أن تتدخل لإعادة الموازين إلى نصابها؟؟
وهل من الممكن أن يكون الاقتصار على المطالبة باستقلالية القضاء ومشاركة المرأة بفاعلية في ذلك وإحداث المجلس الأعلى للقضاء وغيرها؛ هل من الممكن أن تؤدي عمليا إلى المنشود؟؟؟
إن ضمانات استقلال القضاء في النظام الديمقراطي هي ضمانات غير حقيقية، وكما هو معلوم حتى في أعتى الديمقراطيات من الممكن أن يتدخل أصحاب المال والقوة والقائمون على السلطة التنفيذية وتتغير أحكام قضايا معينة، ولذلك كان من المهم بمكان أن تكون هناك هيئة تملك سلطة حتى على الحكام وتتدخل بنفسها لرد الحقوق ودفع الظلم، وهذا ما لا نجده إلا في نظام الإسلام؛ فمحكمة المظالم لها صلاحية التدخل لرفع المظالم حتى التي يقوم بها القائمون على الدولة؛ وبالتالي فهي جهة يمكن للقاضي أن يلجأ لها إذا ما ضغط عليه، بل يمكن لعامة الناس فعل ذلك ليأخذوا حقوقهم إذا ما سلبتهم الدولة إياها.
إن القضاء على مر عصور دولة الإسلام في قوتها وضعفها، حين أحسنت تطبيق الإسلام وحين أساءت، كان من أقوى الدوائر؛ لذا فإن المرأة إذا أرادت أن يكون لها دور في عدالة القضاء فلتعمل لإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر اليعقوبي – تونس