Take a fresh look at your lifestyle.

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ‏(ح 40)‏ كسب المال، والتمتع بالطيبات

 

 

 

 

إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ‏(ح 40)‏

 

كسب المال، والتمتع بالطيبات

 

 

 

الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, ‏المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ ‏الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ‏يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ. ‏

 

أيها المؤمنون:‏

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ ‏النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا:”كَسْبُ المَالِ, وَالتَّمَتُّعُ بِالطَّيبَاتِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي ‏كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 63) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.يَقُولُ ‏رَحِمَهُ اللهُ:‏
‏”وَهَكَذَا نَجِدُ الآيَاتِ وَالأحَادِيثَ تَحُثُّ عَلَى السَّعْيِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، وَعَلَى العَمَلِ لِكَسْبِ المَالِ، كَمَا ‏تَحُثُّ عَلَى التَّمَتُّعِ بِهَذَا المَالِ، وَأكْلِ الطَّيبَاتِ. قَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ ‏الرِّزْقِ). وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ‏مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وَقَالَ تَعَالَى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا ‏مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ). وَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ ‏اللَّهُ لَكُمْ) وَقَالَ: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا). ‏

 

فَهَذِهِ الآيَاتُ وَمَا شَابَهَهَا تَدُلُّ دَلالَةً وَاضِحَةً عَلَى أنَّ الأحكَامَ الشَّرعِيَّةَ المُتَعَلِّقَةَ بِالاقتِصَادِ تَهدِفُ إِلَى ‏كَسْبِ المَالِ، وَالتَّمَتُّعِ بِالطَّيبَاتِ. فَالإِسلامُحَثَّ الأفرَادَ عَلَى الكَسْبِ، وَأمَرَهُمْ بِالانتِفَاعِ بِالثَّروَةِ الَّتِي يَكْسِبُونَهَا، ‏وَذَلِكَ لِتَحقِيقِ التَّقَدُّمِ الاقتِصَادِيِّ فِي البِلادِ، وَلإِشبَاعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ لِكُلِّ فَردٍ، وَتَمكِينِهِ مِنْ إِشبَاعِ حَاجَاتِهِ ‏الكَمَالِيَّةِ. ‏

 

وَمِنْ أجْلِ مُرَاعَاةِ حُصُولِ المُسلِمِ عَلَى المَالِ نَجِدُ الإِسلامَ حِينَ شَرَعَ الأحكَامَ المُتَعَلِّقَةَ بِكَيفِيَّةِ حِيَازَةِ ‏الثَّروَةِ، رَاعَى عَدَمَ تَعقِيدِ هَذِهِ الكَيفِيَّةِ الَّتِي يَحُوزُ بِهَا الإِنسَانُ المَالَ، فَجَعَلَهَا بَسِيطَةً كُلَّ البَسَاطَةِ. إِذْ قَد حَدَّدَ ‏أسبَابَ التَّمَلُّكِ، وَحَدَّدَ العُقُودَ الَّتِي يَجرِي بِهَا تَبَادُلُ المُلكِيَّةِ، وَأطلَقَ لِلإنْسَانِ أنْ يُبدِعُ فِي الأسَالِيبِ وَالوَسَائِلِ، ‏الَّتِي يَكْسِبُ بِهَا حِينَ لَمْ يَتَدَخَّلْ فِي إِنتَاجِ الثَّروَةِ. ‏

 

وَقَدْ جَعَلَ الأسبَابَ وَالعُقُودَ خُطُوطًا عَرِيضَةً، تَحوِي قَوَاعِدَ شَرعِيَّةً، وَأحكَامًا شَرعِيَّةً، تَدخُلُ تَحتَهَا ‏مَسَائِلُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَتُقَاسُ عَلَيهَا أحكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ. فَشَرَعَ العَمَلَ وَبيَّنَ أحكَامَهُ، وَتَرَكَ لِلإِنسَانِ أنْ يَعْمَلَ نَجَّارًا ‏وَحَذَّاءً وَصَانِعًا وَزَارِعًا وَغَيرَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الهَدِيَّةَ عَلَى وَجْهٍ بِحَيثُ تُقَاسُ عَلَيهَا العَطِيَّةُ مَثَلاً فِي جَعلِهَا سَبَبًا لِلمُلْكِ، ‏وَجَعَلَ الإِجَارَةَ عَلَى حَالٍبِحَيثُ تُقَاسُ عَلَيهَا الوِكَالَةُ مَثَلاً فِي استِحقَاقِ أُجرَةِ الوَكِيلِ. ‏

 

وَهَكَذَا نَجِدُ أسبَابَ التَّمَلُّكِ، وَالعُقُودَ قَد بَيَّنَهَا الشَّارِعُ، وَحَدَّدَهَا فِي مَعَانٍ عَامَّةٍ، وَهَذَا يَجعَلُهَا شَامِلَةً ‏كُلَّ مَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الحَوَادِثِ، وَلَكِنَّهَا لا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ المُعَامَلاتِ، لِوُجُوبِ تَقَيُّدِ النَّاسِ بِالمُعَامَلاتِ الَّتِي وَرَدَتْ ‏فِي الشَّرعِ، وَلَكِنَّهَا تَنطَبِقُ عَلَى كُلِّ مَا يَتَجَدَّدُ مِنْ حَوَادِثَ، مَهْمَا بَلَغَتْ وَمَهْمَا تَعَدَّدَتْ. وَبِهَذَا يَسِيرُ المُسلِمُ فِي ‏كَسْبِ المَالِ سَيرًا حَثِيثًا دُونَ أنْ تَقِفَ فِي طَرِيقِهِ عَقَبَاتٌ تَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ الكَسْبِ، مَعَ الحِرْصِ عَلَى أنْ يَجْعَلَ ‏كَسبَهُ طَيِّبًا حَلالاً. ‏

 

وَبِذَلِكَ يَتَوَفَّرُ لِكُلِّ فَردٍ مَا يُشبِعُ لَهُ الحَاجَاتِ الَّتِي تَتَطَلَّبُ الإِشبَاعَ. وَلَمْ يَكتَفِ الإِسلامُ بِحَثِّ الفَردِ، ‏وَلا جَعْلِ الإِشبَاعِ مَقْصُورًا عَلَى كَسْبِ الأفرَادِ، بَلْ جَعَلَ بَيتَ المَالِ لِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ يُنفَقُ عَلَيهِمْ مِنهُ، وَجَعَلَ إِعَالَةَ ‏العَاجِزِ فَرْضًا عَلَى الدَّولَةِ، وَتَوفِيرِ الحَاجَاتِ لِلأُمَّةِ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِهَا، لأَنَّ عَلَيهَا حَقُّ الرِّعَايَةِ، رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ‏ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ‏

 

irwaa40

وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:‏

‏1.‏ حَثَّ الإِسلامُ الأفرَادَ عَلَى الكَسْبِ، وَأمَرَهُمْ بِالانتِفَاعِ بِالثَّروَةِ الَّتِي يَكْسِبُونَهَا لِسَبَبَينِ اثنَينِ:‏

 

أ‌-‏ لِتَحقِيقِ التَّقَدُّمِ الاقتِصَادِيِّ فِي البِلادِ.‏

ب‌-‏ وَلإِشبَاعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ لِكُلِّ فَردٍ، وَتَمكِينِهِ مِنْ إِشبَاعِ حَاجَاتِهِ الكَمَالِيَّةِ.‏

 

‏2.‏ حِينَ شَرَعَ الإِسلامُ الأحكَامَ المُتَعَلِّقَةَ بِكَيفِيَّةِ حِيَازَةِ الثَّروَةِرَاعَى عَدَمَ تَعقِيدِ الكَيفِيَّةِ الَّتِي يَحُوزُ بِهَا الإِنسَانُ ‏المَالَ، فَجَعَلَهَا بَسِيطَةً كُلَّ البَسَاطَةِ.‏

‏3.‏ حَدَّدَالإِسلامُ أسبَابَ التَّمَلُّكِ، وَحَدَّدَ العُقُودَ الَّتِي يَجرِي بِهَا تَبَادُلُ المُلكِيَّةِ.‏

‏4.‏ حِينَ لَمْ يَتَدَخَّلْالإِسلامُ فِي إِنتَاجِ الثَّروَةِ أطلَقَ لِلإنْسَانِ أنْ يُبدِعُ فِي الأسَالِيبِ وَالوَسَائِلِ الَّتِي يَكْسِبُ بِهَا.‏

‏5.‏ جَعَلَالإِسلامُ الأسبَابَ وَالعُقُودَ خُطُوطًا عَرِيضَةً، تَحوِي قَوَاعِدَ شَرعِيَّةً، وَأحكَامًا شَرعِيَّةً، تَدخُلُ تَحتَهَا مَسَائِلُ ‏مُتَعَدِّدَةٌ، وَتُقَاسُ عَلَيهَا أحكَامٌ مُتَعَدِّدَةٌ.‏

‏6.‏ شَرَعَالإِسلامُ العَمَلَ وَبيَّنَ أحكَامَهُ، وَتَرَكَ لِلإِنسَانِ أنْ يَعْمَلَ العَمَلَ الَّذِي يَتَنَاسَبُ وَمَهَارَاتِهِ.‏

‏7.‏ جَعَلَالإِسلامُ بَعضَ الأحكَامِ تُقَاسُ عَلَى بَعضٍ:‏

 

أ‌-‏ الهَدِيَّةَ تُقَاسُ عَلَيهَا العَطِيَّةُ فِي جَعلِهَا سَبَبًا لِلمُلْكِ.‏

ب‌-‏ وَالإِجَارَةَ تُقَاسُ عَلَيهَا الوِكَالَةُ فِي استِحقَاقِ أُجرَةِ الوَكِيلِ. ‏

 

‏8.‏ بَيَّنَ الشَّارِعُ أسبَابَ التَّمَلُّكِ وَالعُقُودَوَحَدَّدَهَا فِي مَعَانٍ عَامَّةٍ, وَهَذَا يَجعَلُهَا شَامِلَةً كُلَّ مَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الحَوَادِثِ ‏مَهْمَا بَلَغَتْ وَمَهْمَا تَعَدَّدَتْ.‏

‏9.‏ وُجُوبُ تَقَيُّدِ النَّاسِ بِالمُعَامَلاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الشَّرعِ.‏

‏10.‏ يَسِيرُ المُسلِمُ فِي كَسْبِ المَالِ سَيرًا حَثِيثًا دُونَ أنْ تَقِفَ فِي طَرِيقِهِ عَقَبَاتٌ تَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ الكَسْبِ، مَعَ ‏الحِرْصِ عَلَى أنْ يَجْعَلَ كَسبَهُ طَيِّبًا حَلالاً. ‏

‏11.‏ لَمْ يَكتَفِ الإِسلامُ بِحَثِّ الفَردِ عَلَى العَمَلِ، وَلا بِجَعْلِ الإِشبَاعِ مَقْصُورًا عَلَى كَسْبِ الأفرَادِ بَلْ فَتَحَ أبوَابًا ‏أُخرَى لِرِعَايَةِ الشَّؤُونِ مِنهَا:‏

 

أ‌-‏ جَعَلَ بَيتَ المَالِ لِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ يُنفَقُ عَلَيهِمْ مِنهُ.‏

ب‌-‏ وَجَعَلَ إِعَالَةَ العَاجِزِ فَرْضًا عَلَى الدَّولَةِ.‏

ت‌-‏ وَجعل تَوفِيرِ الحَاجَاتِ لِلأُمَّةِ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الدَّولَةِ؛ لأَنَّ عَلَيهَا حَقُّ الرِّعَايَةِ.‏

 

أيها المؤمنون: ‏

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, ‏فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن ‏يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج ‏النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ‏عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.‏