Take a fresh look at your lifestyle.

تلخيص كتاب سرعة البديهة ح3

 

الذكاء هو أكثر من العملية العقلية، لأنه يتجلى في السرعة، سرعة الإحساس، وسرعة الربط. والسرعة يجب أن تكون في الاثنين، أي في الربط وفي الإحساس.

فيكون الانتباه أو سرعة الانتباه هو الذي يجب أن توجه العناية إليه، لأنه هو الذي يوجد استعمال الذكاء، لذلك كان الانتباه أو سرعة الانتباه هو القاسم المشترك بين سرعة البديهة واستعمال الذكاء. أو هو الشرط الأساسي في إيجاد عملية استعمال الذكاء، وبالتالي إيجاد سرعة البديهة. والانتباه هو أن تتقصد فحص الشيء المحس ومعرفته، أو القيام بحركة جديدة ومرهقة وسريعة، لمعرفة ماهية الشيء المحس وكنهه. فالإحساس هو أول عملية، والذي يوجد الإحساس هو الانتباه، فيحصل من هذا الانتباه الإحساس، وتحصل سرعة الإحساس. فيتداعى معنى أثر معنى على الذهن، ويحصل استعمال الذكاء وتحصل سرعة البديهة.

أما كيف يحصل هذا الانتباه فإنه يحصل بفعل الحياة. فالانتباه إذن هو الأصل، وليس اليقظة؛ لأن اليقظة موجودة بالكائن الحي ما دامت فيه الحياة أو الحيوية. أما الانتباه، فيحصل بالتقصد، أي بأن يعتمد الالتفات إلى الشيء المحس والانتباه إلى ما فيه أو إلى ماهيته.

إن استعمال الذكاء، ليس كاستعمال أي شيء بل هو استعمال معقد وعميق في وقت واحد، فكونه معقد آت من تقصد معرفة الشيء والانتباه له، وهذا أمر معقد؛ لأن الأشياء تشتبه، وتمييز أحدها عن الآخر أمر بالغ التعقيد، ويحتاج إلى سرعة في الوصول إلى هذه المعرفة، وكونه عميقاً آت من حيث سرعة الإحساس، وهذه ليست بهذه البساطة، فهي لا بد فيها من الانتباه، وصحته، واستقامته.

سرعة البديهة الطبيعية، وسرعة البديهة المصطنعة:

الأصل في سرعة البديهة أن تكون طبيعية، لأن الخطر يقتضي الحكم السريع لاتخاذ الإجراء السريع للخلاص من الخطر، إلا أن الغرب حين غزا العالم الإسلامي، أو المسلمين، جاء بأفكار تقتضي التفكير البطيء، ففقدوا بذلك سرعة البديهة، بل تكاد تكون معدومة، لذلك صار لا بد من عمليات مصطنعة لإيجاد سرعة البديهة.

 

وحتى استعمال الذكاء، وهو أمر طبيعي، وينبغي أن يكون طبيعيا، لكن صار لا بد له من عملية مصطنعة، إلا أن هذه العملية في شقيها لاستعمال الذكاء وسرعة البديهة، لا بد أن تتحول من عملية مصطنعة إلى أمر بديهي وطبيعي. فما الاصطناع إلا وسيلة من وسائل إيجاد سرعة البديهة الطبيعية وإبعاد الاصطناع عنها. وسرعة البديهة المصطنعة هي خلاف الأصل، وهي التي لا يصح أن تكون إلا وسيلة محركة، وأداة لإيجاد سرعة البديهة الأصلية. وهذه الحالة مؤقتة، ولكن لما كان الواقع هو أن الناس لا يزالون يتمسكون في التفكير البطيء كان لا بد من إيجاد سرعة البديهة المصطنعة، كوسيلة وأداة، لا كغاية من الغايات.

وعملية سرعة البديهة المصطنعة إنما تبدأ باستعمال الذكاء، واستعمال الذكاء نفسه وإن كان ينبغي أن يكون طبيعيا، ولكنه من جراء عملية الغزو الثقافي صار استعمال الذكاء مصطنعاً، ولذلك لا بد من أن يكون البدء باستعمال الذكاء مصطنعاً، فلا بد من الاصطناع في كل شيء، والمواصلة والمتابعة في هذا العمل حتى تكون سرعة البديهة طبيعية، بعد أن يصبح استعمال الذكاء أمرا طبيعيا.

ولما كان الاصطناع هو التعمد والقصد، وبما أن استعمال الذكاء يبدأ بالانتباه، فلا بد من التعمد والقصد في الانتباه، ولذلك كان التعمد والقصد هو الركيزة الأولى، ولكن ليس بالتدريب والتعليم، بل بإعطاء الأفكار للناس لتصبح مفاهيم لديهم، أي إعطاءها مصحوبة ببراهينها، ومتى أصبحت لديهم مفاهيم ضمن حينئذ أخذها، ومتى ضمنت هذه فقد وجدت سرعة البديهة.

سرعة البديهة قد تأتي من الخطر الداهم، ولكنها كذلك قد تكون من التعمد والقصد. لذلك فإنها وإن كانت عملية مصطنعة، ولكن الإتقان في اصطناعها جعلها شبه طبيعية، لذلك كانت تؤدي إلى أمر طبيعي حتماً، أي إلى استعمال الذكاء طبيعياً، وبالتالي إلى سرعة البديهة طبيعياً، لهذا فإنها إن ظلت سائرة على هذا المنوال يكون استعمالها متقناً، لهذا من المنتظر أن لا يطول استعمالها حتى يصبح استعمال الذكاء طبيعياً وحتى تصبح سرعة البديهة طبيعية.

لهذا فإنه ينبغي أن لا يظن أحد أن الاصطناع في استعمال الذكاء، والاصطناع في إيجاد سرعة البديهة هو من الأمور الشاقة، والتي تأخذ زمنا حتى توصل إلى سرعة البديهة الطبيعية، بل الأمر يتوقف على الإتقان في الاصطناع، فإذا كان الاصطناع متقنا وحصل ما كان يتوقع، فإن سرعة البديهة الطبيعية تكون قد أتت وصارت عادة، من أول عمل مصطنع، بل من أول عمل مطلقاً، ولا يظهر عليه أثر الاصطناع.