السعودية: التحول في الحكم ونتائج ذلك على صعيد سياساتها الخارجية والنفطية
لما عمل الإنجليز على هدم الخلافة الإسلامية حرصوا على استخدام عملاء لمساعدتهم في ذلك، فكان الشريف حسين في الحجاز وأرسلوا إلى عبد الرحمن آل سعود في الكويت، فأرسل معهم ابنه عبد العزيز ليقود الحرب في نجد والحجاز وباقي شبه الجزيرة العربية وخارجها، وبدعم من الإنجليز استقر الأمر لعبد العزيز في بلاد الحرمين في 1932 ليعلن نشأة ما أسماها المملكة العربية السعودية، وينصب نفسه ملكا عليها، ويوصي لأولاده بالملك من بعده.
وبينما كان العالم منشغلا في الحرب العالمية الثانية، اكتشفت شركة أمريكية النفط في السعودية عام 1938، وحضر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ليقابل الملك عبد العزيز (الذي كان يعاني من سوء معاملة الإنجليز) على متن المدمرة الأمريكية في مصر لمدة خمس ساعات، وعند ذلك تغيرت عمالة السعودية للأمريكان بدلا من الإنجليز.
إلا أن الإنجليز بعد الحرب العالمية الثانية سعوا لإيجاد عملاء لهم من أبناء عبد العزيز، لعل منهم من يصل إلى الحكم فيكون لهم دور في اقتسام الخيرات.
فكان من أشهر عملائهم الملك فيصل الذي كان معروفا بسياسته المعادية لأمريكا، حتى انتهى به المطاف مقتولا على يد ابن أخيه بعد عودته من أمريكا وتواترت الروايات أنها المحرض على قتله نتيجة سياسته المعادية لها ووقفه تصدير النفط عنها.
وحسب التسلسل جاء الملك خالد وكان أخوه فهد هو المتنفذ في السعودية حتى قبل أن يستلم الحكم بشكل رسمي، وهو معروف بولائه الكبير للأمريكان وهو الذي مكن الأمريكان من احتلال بلاد الحرمين بقواعدهم وقواتهم العسكرية والكثير من الأحداث التي لسنا هنا بصددها، ومن ثم تولى عميل الإنجليز عبد الله بن عبد العزيز إدارة معظم شؤون البلاد سنة 1997 بعد إصابة الملك فهد بجلطة دماغية، وفي 2005 أصبح عبد الله بن عبد العزيز ملكا رسميا على السعودية فتنفس الإنجليز الصعداء وكان ذلك تحولا في سياسة السعودية، وقد وضحت السياسة الإنجليزية في السعودية في أمور عدة، كتسليم خالد التويجري إنجليزي الولاء الدور الأكبر في تسيير أمور البلاد وإدخال المستشارين البريطانيين للحرس الوطني في ظاهرة جديدة، وكذلك كان الأمر واضحا في معارضة الملك عبد الله لسياسة أمريكا في العراق، والخلاف في طريقة إدارة الأزمة في سوريا، كما أن أزمة أسعار النفط الأخيرة بينت بوضوح كيف عمدت السعودية إلى إيذاء أمريكا.
وبموت الملك عبد الله خسر الإنجليز عميلا مهما أنعش سياستهم في المنطقة في فترة حكمه، فلم يكن عجيبا أن تنكس الأعلام البريطانية لموته ثلاثة أيام على قصر برمنجهام، فيما التقطت أمريكا أنفاسها فبعد موت الملك عبد الله ببضع ساعات عمد الملك سلمان في أوائل قراراته على هدم أركان حكم الإنجليز فأعلن فورا عزل خالد التويجري وتسليم ابنه محمد وزارة الدفاع لتطغى على دور الحرس الوطني، ولكن القرار الأهم كان تعيين محمد بن نايف بن عبد العزيز وليا لولي العهد، ومحمد بن نايف هو رجل أمريكا الأول في السعودية حاليا، وقد وصفته شبكة MSNBC الأمريكية بجنرال الحرب على الإرهاب وقد نال ثقة الحكومة الأمريكية، حيث إنه زار أمريكا مرتين خلال العام الماضي، آخرها في 12 كانون الأول/ديسمبر وقد استمرت لمدة أربعة أيام التقى خلالها بالرئيس أوباما، وبوزير الخارجية، ووزير الأمن الداخلي، ووزير الخزانة الأمريكي، وعدد من كبار المسؤولين الأمنيين، من أبرزهم مدير التحقيقات الفيدرالي ونائب مدير وكالة الأمن القومي الأمريكي، ومدير الاستخبارات الأمريكية ونائبة وزير الدفاع الأمريكي، إضافة إلى عدد من زعماء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وغيرها من النشاطات والزيارات التي قام بها. كانت تلك الزيارة بعد ثلاثة أسابيع من زيارة وزير الحرس الوطني متعب بن عبد الله بن عبد العزيز لأمريكا التي لم ينجح خلالها متعب في كسب ود الأمريكان، فتمت تنحيته جانبا من الملك سلمان لعزله على الأغلب مستقبلا، وبزيارة محمد بن نايف الأخيرة استقر الرأي عند الساسة الأمريكان ليكون هو خيارهم الأمثل على رأس القيادة السعودية القادمة وليعلنوه بذلك ملك المستقبل، وتكون أمريكا قد ضمنت لجانبها الجيل الجديد الثاني من أمراء آل سعود.
وكانت ردة فعل أمريكا على موت الملك عبد الله وتولي سلمان كبيرة، فتصريحات المسؤولين كثيرة توجت باختصار أوباما زيارته للهند وحضوره إلى الرياض لمباركة استلام عملاء أمريكا زمام الأمور في أكبر دولة منتجة للنفط في العالم ولإعطائهم التعليمات مباشرة دون تأجيل أو توسيط، فحضر أوباما إلى الرياض في أكبر وفد رسمي، حيث رافقه أكثر من 30 مسؤولا ومستشارا أمنيا واقتصاديا ليدلل على أهمية هذه الزيارة، وقد تم نقاش عدد من المواضيع السياسية والاقتصادية، وكان على رأس مستقبليه الملك ونائباه.
وقد بدأت أسعار النفط بالارتفاع تدريجيا بعد موت الملك عبد الله وتغير السياسة المتحكمة فيه من قبل الإنجليز، وسوف تتحسن العلاقات السعودية الأمريكية أكثر فأكثر ثم تبلغ أوجها عند تولي محمد بن نايف الحكم.
إنه لمحزن جدا أن نرى بلاد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي أصبحت في قبضة الكفار يتنازعون عليها، يسرقون خيراتها ويتحكمون في سياساتها وينشرون أفكارهم ويهاجمون الإسلام والمسلمين من معقله ومنبته. فندعو الله أن يعتق بلادنا من سيطرة الكافر، وأن يعيننا على إقامة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، وأن نكون جنودا فيها وما ذلك على الله بعزيز.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله القحطاني – بلاد الحرمين الشريفين
2015_02_20_Art_results_of_shift_in_Saudi_on_foreign_oil_policies_AR.pdf