الموقف الخليجي من مصر وثورتها
منذ انطلقت الثورات الشعبية في الدول العربية بشكل مفاجئ، والدول الغربية بشكل عام تنظر لهذه الثورات وتتعامل معها بخوف وأمل؛ خوف من أن تفلت الدول التي تسيطر عليها وتنتقل ليد غيرها، وخوف أكبر من أن تنعتق هذه الدول من سيطرتها جميعا فيسيطر عليها المخلصون ويحكمها الإسلام. وأمل في أن تضع لها موطئا في دول تفتقد السيطرة عليها، فسارعت كل دولة للتدخل في هذه الثورات ومحاولة توجيهها..
وهذا عينه ما حصل في مصر، فلأن أمريكا كانت تسيطر على مفاصل النظام فيها فقد سارعت باحتواء الثورة وأمرت مبارك بالتنحي وسلمت مقاليد الأمور للجيش المقبول شعبيا والذي تسيطر على جل قادته، حتى تتمكن من نقل الحكم بهدوء من بعد.. ولأن بريطانيا لا تملك وسطا يذكر فقد عمدت إلى عرقلة طريق أمريكا الذي كان يمكن أن يكون مُعبّدا بالورود لولا السلاح الذهبي الذي ما زالت بريطانيا تمتلكه في المنطقة وهو نفوذها في الخليج وما يترتب عليه من امتلاك المال والإعلام، ولأن بريطانيا حاليا لا تملك ما يؤهلها لمواجهة أمريكا بشكل صريح، فإنها تعمد إلى التمويه في مواقفها بإظهار دعم أمريكا ثم محاولة إيذائها حين تسنح الفرصة، وهذا يتطلب توزيع الأدوار بين عملائها للسير في الإطار نفسه، فيظهر بعضهم الدعم لأمريكا والآخر يعارضها.. ولأن قطر تمتلك سلاح الإعلام الفعال المتمثل في قناة الجزيرة، كان لا بد أن تلعب دور المعارض لأنها وحدها الأقدر عن طريق الجزيرة على إشعال الحرائق في طريق أمريكا وعرقلة مخططاتها، وهذا ما كان فعلا في معظم الثورات وخصوصا مصر، فبعد أن دعمت الثورة من أول أيامها خصصت قناة خاصة لمصر وبرامج خاصة للحديث عنها وضيوفاً دائمين لتهييج الرأي العام على نظامها ثم على العسكر في الفترة الانتقالية، وعندما جاءت الانتخابات ورغم أنها لم تدعم مرسي لأنها تعلم أن الإتيان به خطة أمريكية، إلا أنها استغلت الانقلاب عليه أمثل استغلال لتهييج الرأي العام ضد الجيش، وأظهرته بأنه الرئيس الضحية الذي تآمر عليه معاونوه، ليس من أجله وإنما من أجل عرقلة المخطط الأمريكي المتمثل بإنهاء دور مرسي وتسليم السلطة للسيسي، وكمحاولة من قطر أن يكون لها موطئ قدم في مصر، قامت في أثناء فترة حكم مرسي بزيادة استثماراتها إلى 18 مليار دولار، في الوقت الذي كان الاقتصاد المصري يعاني من الأزمات المعيشية الخانقة نتيجة للظروف السياسية التي تلت الثورة، إضافة إلى فشل محاولات مرسي في جلب استثمارات كبرى لتنشيط الحركة الاقتصادية، وقد نقل موقع مباشر عن رئيس اتحاد المستثمرين العرب جمال بيومي أن “حجم الاستثمارات القطرية في مصر يبلغ 18 مليار دولار” حتى نهاية 2014. وهي الاستثمارات التي أعلن عنها هشام قنديل في منتصف عام 2012 (الوفد)
علاوة على ما سبق فقد كان لدول الخليج خصوصيات عديدة تجعلها تحارب الثورات بعمومها وتسعى لإفشالها بكل قوة، ما جعلها تستنفر لمنع الإخوان المسلمين من النجاح في الحكم في مقابل الاستماتة في إنجاح السيسي (أي إعادة النظام السابق) وذلك لضرب الثورات وبيان فشلها، هذا بالإضافة إلى ما أسلفناه من أن بريطانيا أمرت أذنابها بلعب أدوار مختلفة، فكان لا بد لقطر كونها لعبت دور الداعم للثورات الراعي للشعوب المقهورة، من استباق الأحداث بتغيير أبيض لنظام الحكم فيها، ورغم أن التغيير لم يكن سوى تسليم للسلطة من الأب لابنه إلا أنها استطاعت أن تخادع الشارع العربي والمصري بخاصة حيث أصبح يقارن بين نظامه المتسلط والنظام القطري، وبهذا استطاعت قطر أيضا أن تزيد طريق أمريكا في مصر اشتعالا.
في المقابل كان لا بد للسعودية والإمارات أن تلعبا دور الأب الحاني لمصر الذي يريد حمايتها من خطر الإرهاب!، وكان لا بد للسعودية أن تحرص على رعاية المصالحة بين قطر ومصر والضغط على قطر والجزيرة كي تخفف من هجومها على مصر، الأمر الذي بدأ يتغير بمجرد وفاة الملك عبد الله وسيطرة رجال أمريكا على حكم السعودية، ففي 2015/02/18 نقلت وسائل الإعلام عن مندوب مصر الدائم لدى الجامعة العربية طارق عادل قوله “إنه بات واضحا أن قطر كشفت عن موقفها الداعم للإرهاب”، وردا على هذه التصريحات نقلت “الشرق القطرية” دعوة السفير سعد بن علي المهندي، مدير إدارة الشؤون العربية في وزارة الخارجية القطرية، إلى “عدم الزج باسم قطر في أي فشل تقوم به الحكومة المصرية”. حيث يكشف هذان التصريحان حجم الهوة بين النظام المصري ونظيره القطري والصراع الدولي المستعر من خلفهما.
إن أرض بلاد الخليج كنز ثروات وهَبهُ الله للأمة الإسلامية بعد أن بعث في قلبها خاتم النبيين وأكمل الرسالات، فأنزل فيها الدين الخالد، وأقام فيها دولة الإسلام الراشدة التي أنارت كل أرض دخلتها بنور ربها، وبأيدي الراشدين العظماء الذين زكاهم الله ورسوله وخلدهم التاريخ، ثم جاء حكامنا فسخروا هذه الكنوز لخدمة أعداء الله، وحولوا قلب الإسلام النابض إلى بيت مال للكافرين ينفقون منه على مؤامراتهم ومشاريعهم لحرب الإسلام وأهله. ولكننا موقنون أن الخير الذي غرسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه العظام من بعده لن ينقطع من دماء أبناء هذه البلاد، وأن المخلصين منهم بإذن الله قادرون على إعادة الأمور لنصابها واستئناف الحكم الراشد الذي أوجده رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا بإذن الله..
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين الشريفين
2015_02_27_Art_Gulf-position_of_Egypt_and_its_revolution_AR_OK.pdf