Take a fresh look at your lifestyle.

العلاقات السودانية الأمريكية؛ من تحت الطاولة إلى فوقها

 

ظل السودان، ومنذ استقلاله المزيف عن بريطانيا، يحتل مكانة محورية في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، وذلك نظراً للعديد من العوامل الاستراتيجية والاقتصادية والدينية، حيث يعتبر السودان من الناحية الاستراتيجية هو حلقة الوصل بين العالمين العربي والأفريقي، إضافة إلى وقوعه على الممر الحيوي (البحر الأحمر).

أما من الناحية الاقتصادية، فالسودان زاخر بالثروات الباطنة والظاهرة، وبه مساحات شاسعة خصبة للزراعة تقدر بمائتي مليون فدان، بالإضافة إلى ثروة حيوانية متنوعة وكبيرة، كما ويوجد الصمغ العربي الذي يعتبر السودان من أهم منتجيه ومصدريه. أما الثروات الباطنة فهو يملك مخزوناً ضخماً من البترول والمعادن وبخاصة الذهب، والمعادن الثمينة الأخرى.

أما من الناحية الدينية، فالسودان بلد إسلامي، وهو كما ذكرنا معبر العالم العربي إلى أفريقيا، وبالتالي فهو البوابة الجنوبية للإسلام في القارة السمراء.

من المعلوم أن أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، وخروجها من عزلتها، اتجهت لوراثة أوروبا، في النفوذ على أفريقيا وآسيا، وذلك من خلال المعونات والعلاقات مع النخب السياسية، حيث كان كل الوسط السياسي في هذه المناطق خالصاً لأوروبا. لم يكن السودان بعيداً عن مثل هذا التوجه، حيث بدأت أمريكا بإقامة العلاقات مع الخرطوم بمنحها معونات منذ منتصف الخمسينات، وذلك في إطار سعيها لبسط نفوذها على منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.

لقد بدأ النفوذ الأمريكي واضحاً في عهد الفريق عبود في الفترة من 1958- 1964م، وتعزز هذا النفوذ عبر المعونات التي قدمتها للنظام، وانتهى النفوذ الأمريكي مؤقتا بنهاية حكم عبود وعودة رجال الإنجليز مرة أخرى بعد انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 1964م، ثم عادت أمريكا مرة أخرى وبشكل قوي عبر انقلاب أيار/مايو 1969 بقيادة النميري، وكانت هذه فترة ذهبية بالنسبة لأمريكا في السودان، حيث استطاعت تعزيز وجودها السياسي والاقتصادي والأمني، فهي من كان خلف اتفاقية الحكم الذاتي التي وقعت في أديس أبابا في آذار/مارس 1972 بين الحكومة ومتمردي جنوب السودان، وفي هذا العهد أيضاً قامت شركة شفرون الأمريكية بالتنقيب عن البترول في السودان، وهي الحقبة ذاتها التي رحّل فيها النظام في السودان الفلاشا إلى كيان يهود.

وظل الأمر في يد أمريكا حتى انتفاضة الشعب مرة أخرى في نيسان/أبريل 1985م، حيث عاد رجال الإنجليز للمرة الثالثة لحكم البلاد، ولم يعمروا كثيراً، حيث أطاحت بهم أمريكا في انقلاب 30 حزيران/يونيو 1989م بقيادة البشير. ومنذ ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا ظل شأن السودان في يد أمريكا خالصاً، وفشلت كل محاولات بريطانيا عبر رجالها في إسقاط النظام، سواء بالقوة العسكرية، أو بالضغط السياسي.

وكعادة أمريكا، فإنها دائماً تخفي عملاءها، بل وتظهرهم كأنهم أعداؤها، وكان ذلك واضحاً في تعاملها مع النظام المصري إبان حكم الرئيس السابق عبد الناصر، حتى ظن كثير من الناس أن نظام عبد الناصر عدو لأمريكا، بل إن الكثيرين حتى يومنا هذا ظلوا مخدوعين بأعماله وأقواله، وظنوه مخلصاً للشعب عدوا لأمريكا، حتى تكشفت الأمور عبر تسريبات الـ سي آي إيه، وما كشفه رجل السي آي إيه (مايلز كوبلاند) في كتابه لعبة الأمم، حيث أوضح بالوثائق عمالة عبد الناصر لأمريكا.

وعلى النهج ذاته سارت أمريكا مع النظام الحاكم في السودان، حيث يظن كثير من الناس أن أمريكا ضد هذا النظام. وحتى تثبت أمريكا مفهوم هذا العداء، أدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرضت عليه العقوبات الاقتصادية، إلا أن العلاقات ظلت قوية مع النظام تحت الطاولة، بل إن السياسي المتابع والمراقب لسياسة الولايات المتحدة تجاه السودان يصعب عليه أن يثبت عمالة نظام الخرطوم لأمريكا، لأنه سيضطر إلى استدعاء تصريحات كثيرة لمسؤولين أمريكيين، وإلى مواقف عديدة قامت بها أمريكا في مصلحة النظام في الخرطوم حتى يثبت هذه العلاقة.

وأمريكا في علاقتها تستخدم أسلوب العصا والجزرة، ولكنها لا تعطي الجزرة أبداً، وهذا ما أكده القيادي بالحزب الحاكم، ورئيس جهاز المخابرات السوداني السابق د. قطبي المهدي لجريدة الشرق الأوسط العدد (12335) عندما سئل (ألم يناقش منهج التفاوض داخل الحزب أم أنه فرض فرضاً؟) فقال: (الأفكار التي بُنيت عليها اتفاقية نيفاشا أُعدت في مراكز الدراسات الأمريكية، ووكالة المخابرات الأمريكية سي آي إي، ووزارة الخارجية، ووزارة الدفاع. وقامت مبادئ نيفاشا على الوثائق التي قدمتها، وتسمح تركيبة المنبر التفاوضي بالكثير من التدخلات ممن سموا أنفسهم شركاء الإيقاد، خاصة أمريكا والبريطانيون، واتبعت سياسة الجزرة والعصا، وتمت قيادة المفاوض السوداني إلى مسار غير صحيح، ثم نجحت العصا ولم نجد الجزرة).

والجديد الآن في السياسة الأمريكية هو التعامل علناً مع عملائها، وهذا يرجع إلى العوامل الآتية:

الأول: أن شعوب المنطقة بفضل الله قد وصلت إلى درجة من الوعي يصعب معه تضليلها.

الثاني: أن أمريكا تتعامل بعنجهية، مغترة بقوتها.

الثالث: حاجتها لأن يلعب عملاؤها دوراً إقليميا كما في حالة الدور الإيراني في الشام والخليج ودور السودان في ليبيا.

وقد وضح هذا التعامل علناً في استدعاء الكونغرس الأمريكي لوزير الخارجية السوداني علي كرتي، ثم من بعد ذلك استدعاء الإدارة الأمريكية لمساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور، وما تبعها من إعلان انفراج في العلاقات، ثم زيارة لمساعد وزير الخارجية الأمريكي للسودان، لإعطاء مزيد من الأوامر للحكومة التي أبدت ترحيبها بما يجري بينها وأمريكا.

هذه الأعمال بشارة خير إن شاء الله حتى تعلم الأمة من هم أعداؤها والذين يقفون في صفهم، ومن هم المخلصون الذين يعملون لتخليصها من هيمنة الغرب الكافر، وإعادة عزها ومجدها عبر خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم عثمان
الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

2015_02_27_Art_American_Sudan_relationships_AR_OK.pdf