أحداث اليمن: ليس لأهله فيها ناقة ولا جمل
يتميز اليمن بموقع عالمي فريد، يجعله يتحكم في أهم منافذ التجارة العالمية وهو مضيق باب المندب، الذي تمر خلاله 67%من التجارة العالمية. ويشرف على بحرين بحر العرب والبحر الأحمر ويربط بين قارتي آسيا وإفريقيا، ومنذ قدم التاريخ ربط اليمن بين شرق آسيا لسهولة تواصله البحري معها عبر المحيط الهندي، وبين بلاد شرق إفريقيا لجواره بالقرن الأفريقي، ويتصل مباشرة بحاضنته الإسلامية عن طريق بلاد الخليج ومصر والسودان، ولهذا كان اليمن من أول البلاد التي احتلها التاج البريطاني ومكث فيها حوالي 139 عاما، وبعد اكتشاف مثلث الثروة من النفط والغاز في الأعوام القليلة الماضية عظم اليمن في عيون المتنافسين على مصادر الطاقة العالمية، فقد نشرت مؤخراً شبكة سكاي نيوز الأميركية أن هناك بحيرة نفطية تقع في قاع المثلث الذي يشمل معظم اليمن، والذي يمتد رأسه إلى العراق مرورا بالسعودية.
ولليمن أهمية كبرى في الصراع الحضاري الذي يقوده الغرب ضد الإسلام وتوجه أوباما بالأمس بمؤتمر دولي ضد التطرف، الذي قال جون كيري فيه إن الحرب على التطرف ستبدأ بهذا المؤتمر وستمتد إلى مناهج التعليم وخطب المساجد وإن على (رجال الدين) دوراً في ذلك، وأضاف أنه ينبغي ألا تبرر النصوص الدينية مهما كانت قداستها أي تطرف، في إشارة إلى ثورة السيسي على النصوص الدينية.
وتكمن أهمية اليمن في ذلك الصراع الحضاري بالقوة البشرية التي يمتلكها؛ إذ يقارب سكان اليمن اليوم الثلاثين مليونا، وأكثر من نصفهم دون الثماني عشرة سنة، حتى إن الرئيس الانتقالي لليمن عبد ربه هادي حذر منهم أسياده عندما كان في زيارة لبرلين، وقال إن شعبه اليمني يشكل تهديدا عالميا، مستجديا مساعدات أوروبية لهؤلاء الشباب. ولا يفتأ المسئولون اليمنيون يطمئنون الغرب أن اليمن تسير (مطيعة) في الحرب ضد التطرف والإرهاب، وأن اليمن لن تتراجع عن الخط الديمقراطي الذي رسمه لها المستعمر. وفي تركيز الغرب على اليمن في حربه الحضارية مع الإسلام، أرسلت الأمم المتحدة المندوب السامي لها لتستصدر قرارا يجرم تزويج الصغيرات دون ثمانية عشر عاما، وأدرج ذلك القرار ضمن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي من المفترض أنه يعالج قضايا شكل الدولة ودستورها بعد أن اشتعلت اليمن والمنطقة بثورات الربيع العربي.
في 11شباط/فبراير 2012م امتلأت الساحات في المدن الكبرى في اليمن تطالب بوضوح لا لبس فيه بإسقاط النظام الذي أسسه الإنجليز منذ خروجهم المسرحي عام 1967م من عدن، وسلموا الحكم آنذاك للوسط السياسي الذي استقر في زعامته علي عبد الله صالح لأكثر من ثلاثين عاما، وظل الكافر المستعمر يدعم ذلك النظام وهو يقتل شعبه الذي يقع أكثرهم تحت خط الفقر، وعندما أزفت ساعة الحقيقة وقدم أهل اليمن في الساحات صنوفا من التضحيات وهم يهتفون الله أكبر، ويهتفون بعودة الخلافة الإسلامية، إذا بالاستخبارات الغربية تنزل إلى الساحات وتركب موجة التغيير وتحرف الثورة عن مسارها لتستلم تلك القوى الغربية أطراف القضية وتقدم مشروعها الذي أسمته مبادرة خليجية، لتجعل التغيير شكليا وليس جوهريا. ويؤكد ذلك ما أعلنه علي صالح نفسه في لقاء له مع الواشنطن بوست الأسبوع الماضي حين قال إن الاستخبارات الأميركية نزلت إلى ساحات التغيير في صنعاء.
وأبقت تلك المبادرة الأممية النظام نفسه وغيرت وجهه الخارجي فقط، فأبدلت علي صالح بعبد ربه هادي شريكه السابق في الحكم والإجرام، وكي تعطي شرعية لهذا الإخراج المسرحي المكشوف أوعزت إلى الأحزاب السياسية في البلاد سواء الإسلامية منها أو العلمانية للمشاركة في تلك المبادرة والتوقيع عليها، فقد وقع عليها حزب علي صالح حزب المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي والناصري والإصلاح (الإخوان المسلمون) وحزب الحق الحوثي. ثم تم إشراك السلفيين في تلك المؤامرة على الشعب اليمني إصرارا من الغرب الكافر لإلباس ثوب الإسلام لحلوله السامة، حتى (أجبروا) السلفيين الذين كانوا يحرّمون قراءة الجرائد، أجبروهم على تشكيل حزب سياسي يجلس جنبا إلى جنب مع الأحزاب العلمانية السافرة على طاولة واحدة للتوقيع على مخرجات مؤتمر حوار تمخض عن جنين غير شرعي أسموه دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
وظنت بريطانيا بهذا الصنيع وهي مهندسة المبادرة الخليجية أنها أنقذت نظامها في اليمن ونجحت في الحفاظ عليه من أطماع القوة المتفردة الجديدة للنظام الرأسمالي، الولايات المتحدة.
إلا أن بلاد العم سام كان لها رأي آخر. فكما نجحت أميركا في كنس النفوذ البريطاني من كثير من مستعمراتها، حاولت هذه المرة في اليمن البكر بالغة الأهمية في التنافس الاقتصادي الاستعماري على مصادر الطاقة، وبالغة الأهمية في حرب الغرب على الإسلام.
وكان رأس الحربة لأميركا في اليمن أمرين؛ الأول الذراع الفارسي الذي أخذ يمتد في المنطقة والذي ازداد اعتماد أميركا عليه في تنفيذ مخططاتها في أفغانستان والعراق والشام وكذلك اليمن.
والأمر الثاني هو قيادات الحراك الجنوبي في الخارج ويتزعم أولئك علي سالم البيض، الذي أوعزت لحزب إيران في لبنان باحتضانه وإعطائه قناة فضائية تبث من الضاحية الجنوبية إلى عدن لتحول قضية مظالم أهل الجنوب مع النظام الفاسد في صنعاء، إلى قضية عداء عنصري طائفي بين أهل الدين الواحد! فقامت أميركا بإثارة الحقد العنصري بين أهل الجنوب والشمال، كما قامت بإثارة العداء الطائفي بين أهل الشمال أنفسهم عن طريق تبنيها للحوثي الذي اختبأ خلف الحرب الطائفية التي تقودها أميركا بوساطة إيران. وهكذا عمت اليمن فوضى عارمة من جنوبه إلى شماله، كانت قد أسمتها كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة!!!
وبدلاً من أن يخرج أهل اليمن من مربع الكافر المستعمر بعد هذا الصراع المرير معه ومع عملائه، ويتلمسوا طريق النهوض على أساس مبدئهم ودينهم وعقيدتهم، وأن يُرضوا ربهم بجعل بلادهم نواة للخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، بدلاً من ذلك عادوا ليتناولوا العلاج من أيدي عدوهم ظانين أنه الخلاص، فإذا به يذبحهم من جديد بدم بارد ويدخلهم في معارك تسيل منها دماؤهم دون أن يكون لهم في ذلك الصراع ناقة ولا جمل.
وليس أدل على ذلك من أن أهل اليمن اليوم عيونهم شاخصة إلى الخارج في المحافل الغربية ينتظرون تارة مسودة قرار تقدمت بها بريطانيا، وتارة حلاًّ تقدمت به يوم أمس إيران، وسيظل الصراع بين الكافر المستعمر أياً كان اسمه وسيظل أهلنا في اليمن ينتظرون عدوهم أن يقدم حلاً لهم.
إلا أنْ يستمعوا إلى منادٍ ليس عنهم ببعيد بل هو منهم وفيهم؛ يذكّرهم أن حل قضيتهم يكمن في أمر واحد وهو أن يستلموا همّ قضيتهم ولا يعالجونها إلا بمبدئهم ودينهم العظيم الذي جاء به الوحي من عند خالقهم وحينها سيفلحوا ويرضى عنهم ساكنو الأرض والسماء. قال تعالى:
﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. عبد الله باذيب – اليمن